معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

شيطنة "دوغين" وابنته: هكذا هيأت أميركا المسرح لعملية الاغتيال
23/08/2022

شيطنة "دوغين" وابنته: هكذا هيأت أميركا المسرح لعملية الاغتيال

د. علي دربج - باحث محاضر جامعي

 

هو الارهاب المتنقل، حطّ هذه المرة رحاله في موسكو التي استفاقت على خبر اغتيال "داريا دوغين"، اإبنة المفكر الروسي "ألكسندر دوغين"، بعدما قتلت بعبوة ناسفة وضعت في الجزء السفلي من سيارتها  على جانب السائق، حيث كانت "داريا"، 29 عامًا، تقود سيارة والدها ــ  من طراز تويوتا لاند كروزر ــ أثناء عودتها من مهرجان حضره كلاهما قبيل الانفجار.

 

بعيدًا عن الجدال الدائر، حول هوية المستهدَف الحقيقي الأب أم الأبنة، والذي رجح فيه أندري كراسنوف، صديق "دوغين" الشخصي، أن "الوالد هو من كان الهدف الفعلي لهذا الهجوم، أو ربما الاثنان معا"، فإن الثابت الوحيد، أن المدبر والمخطط الحقيقي يختبئ وراء المنفذ الفعلي (ويحاول إبعاد الشبهات عنه)، وقد أضحت هويته واضحة بحسب جهاز الأمن الداخلي الروسي، (اي الأمن الفيدرالي FSB)، بعدما كشف الأخير في بيان نقلته وسائل الإعلام الروسية، عن أن الانفجار الذي وقع يوم السبت الماضي 20 آب/ أغسطس الجاري، بالقرب من موسكو كان مدبرًا من قبل "أجهزة خاصة أوكرانية"، نفذته امرأة أوكرانية كانت قد راقبت الضحية لأسابيع قبل التفجير، ثم فرت إلى إستونيا مع ابنتها الصغيرة، على اثر الاغتيال يوم الأحد الماضي في 21 آب/ أغسطس الحالي.

ونشرت السلطات الروسية في وقت لاحق، مقطع فيديو يظهر القاتلة وابنتها تدخلان روسيا بسيارة ميني كوبر، في 23 تموز/ يوليو الفائت وتتجولان في مواقع مختلفة في موسكو.

أين امريكا من هذه العملية؟

عمليًا، لا شيء حسّيًّا يشير الى واشنطن التي حاولت البقاء لغاية الآن، خارج المشهد. فالأنظار متجهة حاليًا الى أوكرانيا المتهمة من قبل الكرملين بالدرجة الأولى بالاغتيال. وانطلاقا من هذا الاتهام الروسي لكييف، وعند النظر والتدقيق ومراجعة طبيعة العلاقة بين اوكرانيا والولايات المتحدة، فإن ذلك يقودنا الى حقيقة لا لبس فيها، مفادها:

يستحيل أن تكون الحادثة (وهنا نبني تحليلنا على الاتهام الروسي) قد جرت دون علم أميركا أو مشورتها أو موافقتها، إن لم تكن فكرتها حتى، بعدما كانت واشنطن قد حضّرت المسرح لاغتيال الاثنين معنويا (واعلاميا وسياسيا)، وشيطنتهما من خلال حملات التحريض الامريكية المسبقة تحضيرًا للاغتيال المادي.

من هنا، فإن ذلك يدفعنا إلى عدم استبعاد ضلوع الأيادي الأمريكية (وان كان حرصت على عدم تلطيخها مباشرة)، بشكل قوي وفعّال في عملية الاغتيال الارهابية هذه، استنادًا إلى المعطيات والأمور الواقعية التالية:  

أولًا: تحوّل أوكرانيا الى ولاية أمريكية، بحيث إن واشنطن، باتت تتدخل بكل شاردة وواردة فيها، وتملي على نظام كييف جميع خطواتها العسكرية والأمنية ضد موسكو، والأهم أن الولايات المتحدة على علم بكل عملية أو هجوم قامت به أوكرانيا أو تفكر بالقيام بها مستقبلًا. والكلام مصدره اعترافات لمسؤولين أمريكيين.
   
ثانيًا: من المعروف أن أوكرانيا ما كانت لتصمد للحظة واحدة، لولا الدعم الغربي خصوصًا الأمريكي الذي يشكل رأس حربة بمواجهة موسكو، وبالتالي فإن حجم التأثير الأمريكي على كييف، يشمل حتى الأمن الشخصي للرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي يحظى برعاية وحماية أمنية أمريكية مباشرة. وعليه، فإن جميع تحركات وقرارته لا تخرج عن العين الأمريكية.
 
ثالثًا: حجم السيطرة والاختراق لقيادات الأمن القومي، ووكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA (قبل وبعد العمليات العسكرية ضد أوكرانيا) لجميع الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية الاوكرانية ــ بالشراكة مع بريطانيا ودول اخرى تتحرك تحت المظلة الامريكية ــ وهذا يظهر من خلال الوجود العلني للمدربين والاستشاريين الامريكيين الذين أصبحوا يتحكمون بمفاصل القرار العسكري والأمني لكييف.

رابعًا، الانخراط الأمريكي المباشر والعلني في المواجهة العسكرية ضد موسكو، وتزويد أوكرانيا، بكل ما تحتاجه من معلومات ومواد استخباراتية حساسة، قد تساعدها في ضرب أهداف بشرية وعسكرية روسية، سواء في أوكرانيا أو داخل موسكو.
 
ما هي رؤية الغرب الأمريكي لـ "دوغين"؟

إن ما يثير الريبة والصدمة، هو طريقة إخراج الغرب الأمريكي الرسمي ووسائل اعلامه لحادثة الاغتيال. فعدا عن تجنبهم استخدام وصف الارهاب خلال حديثهم عن هذه العملية الارهابية، كما هو حال كل حدث مماثل قد يقع ويستهدف مدنيين في أي دولة في العالم، كان لافتا كمية الغضب والسخط الامريكي على شخصية المفكر الروسي "ألكسندر دوغين"، والضيق من مواقفه وأفكاره وطروحاته السياسية والجيوبولتيكية، والتي برزت بشكل واضح وفاضح في البيانات والتصريحات والتعليقات (الغربية الرسمية والاعلامية) على حادثة الاغتيال، والتي نختصرها بالاتي:

1 - الاصرار على الإشارة الى "دوغين" باسم "دماغ" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
2 - وصف الرجل بـ"القومي الروسي اليميني المتطرف" الذي ساعد في تشكيل رواية الكرملين عن أوكرانيا.
3 - القناعة السائدة لدى الغرب الاطلسي، أن "دوغين" بنى سمعته على أساس أن مصير روسيا كان قيادة "أوراسيا" موحدة لإحباط الطموحات العالمية للولايات المتحدة.  
4 - القول إنه كان المؤثر الفعلي على تفكير الكرملين بشأن التوسع الروسي وأوكرانيا.
5 - تأكيد الخبراء الغربيين أن لغته، ووجهات نظره التوسعية حول مكانة روسيا في العالم، قد رددها الكرملين في خطابات بوتين الأخيرة.
6 - اتهامه بأنه كان ناشطًا في المناطق الانفصالية في الحرب الروسية - الجورجية عام 2008 وفي عام 2014 في أوكرانيا، حيث يقول المسؤولون الأمريكيون إنه جند أفرادًا من ذوي الخبرة العسكرية والقتالية للقتال نيابة عن جمهورية دونيتسك الشعبية.
7 ــ تحميله مسؤولية نشر المعلومات "المضللة والدعاية التي تستهدف الجماهير الغربية وغيرها"، وفقا لمسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية، كونه يسيطر على موقع جيوبوليتيكا، وهو موقع إلكتروني تعتبر واشنطن انه يعمل كمنصة للقوميين الروس الذين تصفهم بـ "المتطرفين"، وهو يلعب بزعمهم دور المحرض على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فضلا عن تمجيده لعمليات روسيا العسكرية، بهدف زيادة "ترويع الشعب الأمريكي بكل أنواع الطرق الخبيثة" وفق التعبير الأميركي.
8 - تصنيف مسؤولي وزارة الخزانة "دوغين" لأول مرة في عام 2015 بأنه مسؤول أو متواطئ في الإجراءات أو السياسات التي تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار أو السيادة أو السلامة الإقليمية لأوكرانيا"، وفرض عقوبات عليه.
 
ما مدى صحة الأخبار والتكهنات عن علاقة "دوغين" بالرئيس بوتين وتأثيره عليه؟

عمليًا، لا يشغل "دوغين" منصبًا حكوميًا رسميًا، لكن صلاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي مصدر تكهنات ومبالغة في بعض الأحيان، وهذا يسرى على مدى علاقتهما المباشرة، إن وجدت.

أما الدليل الأسطع على ذلك، فهو ما كانت نقلته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في العام 2015 عن "دوغين": "لا أحد ولا حتى كبار المسؤولين، يعرف على وجه اليقين من أو ما الذي يستمع إليه بوتين. أي شيء يخبرك به أي شخص عن الكيفية التي يقرر بها بوتين الأمور، هو إما معلومات مضللة أو خطأ".

ماذا عن النظرة الأمريكية الغربية لـ"دوغين"؟

تحرص وسائل الإعلام الامريكية ومعها عدد من السياسيين الغربيين على تشويه صورة "دوغين"، عند سردهم للسيرة الذاتية للضحية، من خلال التركيز على وصفها بأنها "معلقة سياسية روسية، ورئيسة تحرير موقع إلكتروني للمعلومات المضللة يسمى "العالم المتحد الدولي"، يدعم العمليات  التوسيع الروسي في أوكرانيا".

لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، اذ جرى اتهام "دوغين" من قبل مسؤولي وزارة الخزانة الامريكية، بأنها عمدت الى تطوير الموقع من قبل عملية نفوذ سياسي روسية تسمى "Project Lakhta" ، واستخدمت لهذه الغاية بحسب مزاعمهم، شخصيات وهمية على الإنترنت للتدخل في الانتخابات الأمريكية منذ عام 2014 على الأقل.

ويستشهد هؤلاء المسؤولون ببعض المقالات والعبارات لـ"دوغين" في الموقع، مثل أن أوكرانيا "ستهلك" إذا تم قبولها في حلف شمال الأطلسي. كما يأخذون عليها تصريحها بشكل ادانة، في مقابلة مع "يوتيوبر" روسي في آذار/ مارس الماضي، عندما قالت إن "الهوية الأوكرانية محلية في الغالب في غرب أوكرانيا، وإن شرق أوكرانيا - بما في ذلك منطقة دونباس - من المرجح أن تتقبل "إمبراطورية أوراسية" على أساس العقيدة الدينية والجنسية.

المثير للسخرية، انه استنادًا الى هذه التهم السخيفة والسطحية، أضيف "دوغين" في اذار/ مارس الماضي، الى قائمة "النخب الروسية ومنافذ التضليل الروسية التابعة للاستخبارات الروسية" وفقا لتصنيف الولايات المتحدة، وهذا أدى الى فرض واشنطن مع الحكومة البريطانية عقوبات على "دوغين" هذا العام.

في المحصلة، وعند استعراض رؤية الغرب الأطلسي لـ"دوغين" وابنته، وما كتبه "ليونيد فولكوف"، وهو حليف مقرب من زعيم المعارضة الروسي "أليكسي نافالني" المسجون، على وسائل التواصل الاجتماعي، عن الموقع الذي وقع فيه الانفجار بأن "منطقة أودينتسوفو هي نقطة ضعف البوتينية، والانفجار الليلي يخيف الكثير جدًا جدًا من منظري الحرب"، نجد تقاطعا واضحا في التشفي من هذه العائلة التي دافعت عن بلدها بسلاح الكلمة، فاختاروا مواجهتها بالعبوة، وهذا ليس بغريب عن مدرسة الارهاب الامريكية التي خرّجت ذئابًا ووحوشًا بشرية من كل حدب وصوب، وهي مستعدة لنشر القتل والدمار في العالم، لحظة صدور القرار الأمريكي.

 

الكسندر دوغين

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل