آراء وتحليلات
"رئاسيات لبنان".. وحملات "براقش"
يونس عودة
في زحمة الاستحقاقات المنتظرة في لبنان، وتلك التي لها انعكاسات عليه، تتشكل أحمال ثقيلة داخليًا سواء في عملية تشكيل الحكومة المتعسرة رغم ضرورتها الوطنية، أو في ملف الحقوق اللبنانية في الثروات السيادية في البحر الأبيض المتوسط، والأزمات الناجمة عن الحصار الأميركي للبنان اقتصاديًا وماليًا ومعيشيًا ودوائيًا، وغيرها من القضايا الضاغطة شعبيًا. ويبقى الانقسام الداخلي على حدّته، وهذا الأخير تعمد الولايات المتحدة إلى ترويته بمجموعة حقن عشية الانتخابات الرئاسية، بمساعدة أوروبية ـ عربية في اتجاهات ثلاثة، تماما كما حصل عشية الانتخابات النيابية وخلالها، وإلى حين انبلاج النتائج التي أطاحت برهاناتها ورهانات الأتباع.
الاتجاه الأول، يعتمد على جهات سياسية ذات أوزان مختلفة منها المنفوخ ولو صوريًا. وهذه الجهات تعرف ذلك ومقدار تأثيرها الذي يكاد لا يُرَى ميكروسكوبيًا، لا بل إن منهم من ينظر إليه كنكرة في حضانته السابقة التي اكتشفت سفاهته، لكنها أسيرة السراب المأمول أن يتحول إلى واقع محسوس وهو دونه المستحيل. ومنها صاحب تأثير نسبي على شريحة تحركها العصبيات المستخدمة، ولا تتوانى تلك الجهات عن النفخ في نار الحرب الأهلية، التي أجمعت غالبية اللبنانيين على أنها "تنذكر ولا تنعاد".
الاتجاه الثاني، يعتمد على مجموعات من الإعلاميين المرتبطين بمؤسسات خارجية بمسميات "أهلية"، وأولئك شكلوا جمعيات تضم "مرتزقة" بالمعنى الحرفي للكلمة، ويعمدون إلى تشويه الحقائق والوقائع، وبعض تلك المجموعات تجاهر بعلاقتها المشبوهة تحت شعار محاربة "المنظومة"، و"أسمى" الأهداف المرسومة لهم تتلخص بتدمير هياكل الدولة من ضمن خطة متكاملة للوصول الى الفوضى وإضعاف البنية المجتمعية.
أما الاتجاه الثالث، فهو تصعيد الضغط والخطاب الرذيل ضد المقاومة وجمهورها الواسع، وهو الهدف المركزي والمعلن لأصحاب الاتجاهين السابقين، وبأدوات مختلفة، منها المستهلك حتى الذوبان، وبينهم من لا يجد غضاضة ولا خجلًا بأن يعمد إلى محاولة التقليل من شأن الإنجازات الوطنية للمقاومة سواء في طرد الاحتلال، أو في هزيمة عدوان 2006، وما تلا ذلك من ردع حقيقي للعدو بسبب تعاظم قدرة المقاومة المنتصرة دومًا.
كل أولئك الفارين من الانتماء الوطني انتقلوا إلى استعادة حملة التهويل والاثارة، وصولًا إلى التهديد بتعطيل الانتخابات الرئاسية اذا أيقنوا أن المرشح الافتراضي الذي لم يجدوه بعد، لن يحظى بالفوز. وهؤلاء أنفسهم علا صراخهم في مرّات سابقة بعدم جواز تعطيل المجلس النيابي قانونًا ودستورًا، وقالوا كل ما احتوت كتب الشيطنة من فتاوى ضد التعطيل، لا بل إن الذي نصّب نفسه مرجعًا على من يسمون أنفسهم بالمعارضة تمادى أكثر بأن اتهم من يفشل جهود "المعارضة" في إيصال اسم "جديد" لرئاسة الجمهورية بـ"الخيانة".
إن رسالة التخوين الصوتية التي عاجل فيها رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع من يعتبرهم ضمن جغرافيّته السياسية، ليست إلا استباقًا لما لمسه الذين اعتبرهم حلفاء، من محاولته استغلالهم منذ الانتخابات، ومنهم من اتخذ مسافة منه لا سيما الذين يجزمون بأن الكيان الصهيوني ليس إلا عدو لم تطفئ الدروس والعبر أطماعه في الثروات اللبنانية نفطًا وغازًا ومياهًا، وفي الانتهاك المستمر للسيادة.
لقد وقع اللقاء بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووفد حزب الله كالصاعقة على رؤوس البعض، وعلى رأسهم جعجع الذي شنت "قواته" حملة على جنبلاط لأنه لم يستشرهم أو يطلعهم على توجهه، وكأن جعجع هو الذي يقرر التوجهات التي يجب أن تكون في قمة المغالاة والتطرف "لزوم الوظيفة" مع تشديده على "رفض الحوار مع "محور الممانعة" ورفض التوافق لانه برأيه "ليس الحل"، وانما يكون الحل وفق ما أعلنه برئيس "يكون رجّال" وسيادي واصلاحي بامتياز، والاتفاق مع الفريق الآخر على رئيس بهذه المواصفات مستحيل، الحل هو برئيس جديد يتحدى سياسات "جبران باسيل" و"حزب الله".
بادئ ذي بدء وفي الشكل حتى، من الغريب أن يتصور جعجع أن حزب الله يمكن أن يجالس أمثاله مجرد مجالسة، وليس إقامة حوار وتفاهم، والأغرب أن الرئيس الذي يريده بالمواصفات التي طرحها ليس المطلوب أن يكون مقتنعًا بالديمقراطية ولا بالحوار ولا بالتقارب بين اللبنانيين بل ينشغل بالبحث عن الشروخ لجعلها وديانًا يتناحر سكانها فيما بينهم. ويبدو أنه حاول الإيحاء بأن تلك المواصفات تنطبق عليه فقط، وبالتالي أعلن عن نفسه مرشحًا مستحيلًا للرئاسة. ولذلك حتى الذين كانوا من المصنفين في صفوف "14 اذار" وفلولها لم يتفاعلوا مع ما ورد في توجهات جعجع إلا بعض الاعلاميين الدائرين في الفلك الضيق.
وعليه، ماذا لو قرر المحور الوطني الجامع والمتسع أن يخوض الانتخابات الرئاسية ويقول "على نفسها جنت براقش"؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024