معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين استفزاز بيلوسي وغضب الصين: حلفاء امريكا الاسيويين تُركوا في العراء
09/08/2022

بين استفزاز بيلوسي وغضب الصين: حلفاء امريكا الاسيويين تُركوا في العراء

د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
بعيدا عن  الجوّ المشحون والمأزوم بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية الذي خلّفته زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان مطلع الأسبوع الماضي، وما أنتجته من تصعيد صيني كانت أولى اشاراته، إلغاء خطوط الاتصال مع الجيش الامريكي، الا ان التداعيات والأضرار الاستراتيجية لهذه الخطوة الامريكية الاستفزازية ـــ المنسّقة مع الإدارة الامريكية التي تذرعت بالفصل بين السلطات لرفع المسؤولية عنها، واوحت للعالم بصعوبة التعامل مع شخصية بيلوسي التي تتصف بالنكدّ والعناد ـــ على حلفائها في تلك المنطقة، أكبر من تحتويه التصريحات المطمئنة للمسؤولين الأمريكيين.

فما هي الاستراتيجية التي اعتمدتها واشنطن لمواجهة بكين في منطقة المحيط الهادي؟

في الواقع، صرفت إدارة الرئيس جو بايدن شهورًا في بناء استراتيجية اقتصادية ودبلوماسية في آسيا، وعمدت الى دعم تحالفاتها وطمأنة الدول الصديقة أن الولايات المتحدة موجودة في المنطقة على المدى الطويل، لمواجهة الصين.

ولهذه الغاية بذلت الولايات المتحدة جهودًا استراتيجية لاحتضان الحلفاء في تحالف أكثر تماسكًا، مع الأسس العسكرية والدبلوماسية.

وعليه كان بايدن أرسل كبار المسؤولين العسكريين لإبرام شراكات جديدة مع دولة المنطقة، والتي شملت حتى الدول الصغيرة في المحيط الهادئ ، كجزر سليمان، فضلا عن إطلاقها اتفاقيات اقتصادية إقليمية. ليس هذا فحسب، قبل عام، وافقت أستراليا على اتفاقية دفاعية تاريخية ، تُعرف باسم AUKUS، مع الولايات المتحدة وبريطانيا، لتسليح أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية.

وفي زيارة قام بها الشهر الماضي إلى أستراليا، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، سياسة واشنطن لتحصين أستراليا بأسلحة جديدة.

الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة  تنفق مع أستراليا جنبًا إلى جنب، الأموال، زائد رأس المال الدبلوماسي، للمساعدة في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في جزر المحيط الهادئ، وهي منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية في حالة نشوب حرب مع الصين.

اكثر منذ ذلك، زار بايدن كوريا الجنوبية واليابان في ايار/ مايو الماضي، ودعا البلدين لأول مرة إلى اجتماع الناتو، لتأكيد أن آسيا لم تُنسى وهي في صلب اهتماماته بالرغم من الازمة الاوكرانية.

ثم جاءت رحلة بيلوسي الى تايوان ــ بالرغم من المسرحية الهزلية التي قامت بها ادارة بايدن من خلال الايحاء بمعارضتها للزيارة،  ومحاولتهم ثينها دون جدوى ـــ لتقلب السحر على الساحر الامريكي، حيث تحول تحدي واشنطن لبكين الى فرصة، باتت معها كافة جهود البيت الأبيض في منطقة المحيط الهادي، مهددة بالتقويض، تاركة الحلفاء يتساءلون عن الضرر الذي لحق بالجبهة الموحدة للرئيس بايدن في آسيا؟
 
وما هي رؤية اصدقاء امريكا لزيارة بيلوسي؟
 
كان لزيارة بيلوسي، وقعا مختلفا على اصدقاء امريكا الآسيويين الذين عبروا عن مخاوفهم من ان هذه الرحلة (التي تضمنت أيضًا توقف في) كوريا الجنوبية واليابان، هي استفزاز غير ضروري، يصرف الانتباه عن جهود الحلفاء لمواجهة القوة العسكرية للصين ونفوذها الاقتصادي.

وفي حين أن حلفاء الولايات المتحدة آثروا الصمت إلى حد كبير بشأن الزيارة حتى الآن ، غير ان هناك شعور بين أصدقاء أمريكا بأنهم تركوا في العراء ليشاهدوا الصين تهدد الولايات المتحدة وتايوان.
 
ردة فعل بكين تجاه زيارة بيلوسي، أدخلت القلق والجزع في قلوب حلفاء امريكا الاسيويين، عن قصد أو بغير قصد، بحيث انها أظهرت قوة الصين، وقلّلت من دور الحلفاء. زد على ذلك، ان هؤلاء الحلفاء اعتبروا ان مجرد تحول رد الصين المحتمل إلى نقاش ساخن في واشنطن، كشف عن صعود مكانة الصين. اما الاكثر اهمية، انهم قرأوا في كل جرى (بشكل واضح) تردد واشنطن على نطاق واسع بالفعل في المنطقة، وعدّوا ذلك إشارة دبلوماسية سيئة للغاية قادمة من واشنطن إلى حلفائها وشركائها في المنطقة.
 
فلنأخذ اليابان كمثال. صحيح ان الرأي العام في هذا البلد تحول بشكل حاسم ضد الصين، حيث زادت طوكيو بنتيجته من دعمها لتايوان  ــــ مما يوفر فرصة لواشنطن للاستفادة من علاقات أوثق بين طوكيو وتايوان ـــ لكن اليابان تريد أيضًا تجنب أي احتكاك جديد غير ضروري بين الولايات المتحدة والصين.

وفي هذا الإطار رأى العديد من الخبراء وصنّاع الرأي العام في طوكيو ، إن الرحلة "لم تكن بالكامل فائدة إستراتيجية لنا".
 
 ماذا عن استراتيجية بكن المقابلة للمنطقة؟

عمليا، استثمرت بكين بعمق وماليا ودبلوماسيا في خطط طويلة الأجل للسيطرة على المنطقة. ولهذا تحاول الصين (وما زالت) استمالة جيرانها الآسيويين، وتقدم نفسها على أنها شريكهم الطبيعي من خلال الموقع الجغرافي والقواسم المشتركة الثقافية التي تجمعهم. كما انها بالمقابل، تعمل على إقناع جيرانها بأن الولايات المتحدة، قوة بعيدة و متداعية ، مع نظام سياسي معطل، ومن المحتم أن تفقد نفوذها في آسيا.
 
وبموازاة رسائلها الناعمة تجاه اصدقاء اميركيا في منطقة المحيط الهادي، أرسلت رسائل بكين رسائل عسكرية لحلفاء امريكا. فمن ناحية زادت البحرية الصينية بشكل مطرد من دورياتها وتدريباتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن نشر سفنها الحربية الاكثر تطورا في المنطقة.

ومن ناحية اخرى قامت طائراتها العسكرية ايضا، بمضايقة الطائرات الحربية لحلفاء أمريكا في الأشهر الأخيرة، حيث كانت أستراليا اشتكت من أن مقاتلة صينية اعترضت بشكل خطير إحدى طائرات الاستطلاع التابعة لها.

ومع ان  تأكيدات بايدن بشأن آسيا في الأشهر الأخيرة، كانت مطمئنة للدول التي تواجه غضب الصين، غير ان الولايات المتحدة وقفت متفرجة كالعادة، وهي تشاهد حلفاؤها يواجهون غضب بكين، الذي ترجمته بمقاطعة تجارية لما تعتبره الصين سلوكًا سيئًا. إذ انه بعد ساعات فقط من وصول بيلوسي إلى تايوان ، فرضت الصين إجراءات اقتصادية على الجزيرة ردًا على ذلك.
 
وانطلاقا من هذه النقطة، وصلت رسائل العقوبات سريعا الى اصدقاء امريكا، الذين بعدما لمسوا القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، ارادوا التشاور مع واشنطن، وابلاغها بضرورة التهدئة، وهو أمر لا يبدو أنهم حصلوا عليه خلال غزوة بيلوسي إلى تايوان.
 
ولهذا كان لافتا، اقتراح وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني وونغ، في 3 آب/ أغسطس الجاري عندما دعت جميع الأطراف، وليس الصين فقط، إلى التراجع. وقالت وونغ: "يجب على جميع الأطراف التفكير في أفضل السبل للمساهمة في تهدئة التوترات الحالية ، ونحن جميعًا نريد السلام والاستقرار في مضيق تايوان".
 
هل يمكن لدول منطقة المحيط الهادي تحمل استعداء الصين لهم؟
 
عمليا، تعتمد اقتصادات العديد من حلفاء أمريكا في المنطقة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، اعتمادا كبيرا على الصين.  إذن حوالي ثلث صادرات أستراليا تذهب إلى الصين.
 
وعلى الرغم من العلاقات الدبلوماسية السيئة بين واشنطن وسيدني، تحسنت العام الماضي، الا ان مبيعات سيدني من خام الحديد، وهي مادة خام رئيسية للصناعة الصينية، قد ارتفعت. والآن، يحاول مصدرو "النبيذ" والفحم والكركند في أستراليا إعادة منتجاتهم إلى السوق الصينية، بعد ان جرى حظرها خلال العامين الماضيين من قبل بكين، في اعقاب دعوة الحكومة الأسترالية إلى إجراء تحقيق دولي في أصول COVID-19، الذي ظهر لأول مرة في الصين.
 
علاوة على ذلك، لا تزال الحكومة الصينية تفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الجنوبية لسماحها للولايات المتحدة في عام 2017 بنشر نظام دفاع صاروخي يعرف باسم "ثاد". وفي أعقاب  تصريح للزعيم الكوري الجنوبي الجديد، يون سوك يول، قال فيه مؤخرا، إنه يفكر في دفعة ثانية من النظام، هددت الصين بفرض المزيد من العقوبات.
 
انطلاقا من هنا، أدركت بعض الدول ان العداء مع الصين لا يجلب لها سوى الخراب، لذا كانت هناك فورة من المناقشات رفيعة المستوى بين اصدقاء امريكا وبكين لمحاولة إصلاح العلاقات. وتبعا لذلك التقى وزير الدفاع الأسترالي الجديد، ريتشارد مارليس، بنظيره الصيني، وي فنغي، في سنغافورة الشهر الماضي.
 
في المحصلة، وبينما تستعد  الآن الدول الاسيوية في المحيط الهادي لتداعيات زيارة بيلوسي، فإن التوترات المتزايدة بين القوتين العظميين أثارت في النهاية تساؤلات من قبل اصدقاء أمريكا الاسيويين، حول جدّية الرئيس بايدن في ممارسة سلطة فعلية على بيلوسي. فإذا كان بايدن عاجزا بنظرهم عن الزام مسؤولة امريكية أدنى مرتبة منه في السلمّ الوظيفي بعدم الذهاب الى تايوان، فكيف له ان يلجم عنهم غضب الصين.. ولهم في أوكرانيا عبرة؟!

تايوان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات