آراء وتحليلات
خريف اميركا مؤشرات ووقائع
يونس عودة
تتزايد المؤشرات البالغة الأهمية، على أن العصر الأميركي بكل ما حمله من كوارث على البشرية، الى افول غير مسبوق في سقوط الامبراطوريات المتجبرة والعدوانية.
واذا حددنا المؤشرات الأكثر حيوية من الاحدث الى بداية الارهاصات لخريف اميركا، فيمكن القول ان هناك عوامل عديدة كشفت عن تسارع كهولة "الشيطان الأكبر"، ابرزها 4 عوامل خارجية، مضافة الى العوامل الداخلية المساعدة.
في الولايات المتحدة حاليا، غضب مصحوب بصخب عالي النبرة، ضد الارتكابات الهوجاء للسياسة الخارجية الأميركية، المبنية أصلا على قواعد الغزو لتعزيز النفوذ والسيطرة، وبكل الوسائل غير الأخلاقية، بما فيها الاستفزاز الوقح للدول غير الخاضعة لاملاءات واشنطن. وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى تايوان، رغم تحذيرات الصين من بان هناك تداعيات خطيرة لمثل هذه الزيارة، وتستدعي "ردًّا قويًّا" من بكين، وأن الجيش "لن يقف مكتوف اليدين". لقد اعتبرت خطوة نانسي بيلوسي انتهاكا لمبدأ الصين الواحدة الذي التزمت به الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل حول ما إذا كان هناك تغير في سياسة واشنطن تجاه هذا الملف رغم النفي الأمريكي، أم أنها مجرد محاولات من الديموقراطيين لتسجيل أي نقطة لصالحهم قبل انتخابات التجديد النصفي، بينما يشكك كثيرون في الفائدة التي قد تحققها إدارة بايدن من هذه الخطوة.
وعلى الفور بدأت الصين بإرسال أسراب طائراتها الحربية المتطورة الى الأجواء مصحوبة بمناورات بحرية حول الجزيرة، وسوف تجري إطلاقا للنيران الحية في 6 مناطق حول تايوان، وهذه الإجراءات حسب المتحدث باسم جيش التحرير الشعبي الصيني "هي ردع عادل للتصعيد الكبير الأخير للإجراءات الأمريكية السلبية بشأن قضية تايوان وتحذير جاد للقوى المؤيدة لاستقلال تايوان". أي ان الخلاصة هي محاصرة تايوان من دون إعلان ولو لأيام مع منع الطيران المدني من التحليق.
بلا شك أن العالم حبس أنفاسه على خلفية تهديد الصين من ان من يلعب بالنار سيكتوي بها. وهنا يمكن القول ان دفتر الحساب قد فتح، وان العلاقة مع الولايات المتحدة المنتجة للفتن لن تستقيم، وانما تراكم العداء الى ازدياد، رغم ان واشنطن حاولت لملمة الأمور، وإعادة إمساك العصا من الوسط من خلال اعتبار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، أن "زيارة بيلوسي، إلى تايوان لا تنتهك سيادة الصين، وأنه لا يوجد انتهاك لأي من قضايا السيادة أو سياسة الصين الواحدة، وملتزمون بسياسة الصين الواحدة ولا يدعمون استقلال تايوان، مضيفا أنهم ملتزمون بدعم تايبيه للدفاع عن نفسها".
لقد عبرت "واشنطن بوست" عن شريحة أميركية مؤثرة في انتقادها بشدة زيارة بيلوسي لتايوان، أن الزيارة ستكون لها عواقب، وتسببت في أضرار قصيرة المدى، من خلال خطر تصعيد نذر الحرب، وأضرار طويلة المدى، سيتم التعبير عنها بزيادة الضغط الصيني على تايوان.
ولفتت الصحيفة إلى أنه خلال فترة "عدم الاستقرار الجيوسياسي"، يجب ألا يتم صرف الانتباه عن أوكرانيا والمجازفة بظهور منطقة خطر أخرى.
المؤشر الثاني الذي ينبئ بخريف اميركا، تكفل به الفشل الذريع في تحقيق الأهداف من خلال دفع أوكرانيا الى المقتلة الروسية، والنتائج الكارثية على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وغير الغربيين على مستوى الغذاء العالمي، والغاز والنفط، وتضررالاقتصادات العالمية ولا سيما الكبرى بما فيها الاقتصاد الأميركي نفسه، والتضخم الهائل الذي يجتاح أوروبا كما الولايات المتحدة، وكل ذلك ناتج عن الفظاظة والاستعلاء في التكوين السياسي الأميركي المستند الى القوة الغاشمة. وقد عكست قناة "فوكس نيوز" الأمريكية الإرباك المتصاعد لدى الإدارة الأميركية وفشل سياسة العقوبات محملة الرئيس جو بايدن مسؤولية تصعيد الأزمة في أوكرانيا، وقالت أن "الولايات المتحدة لم تنتصر، بل خسرت اقتصادها جراء تصرفاته. وواشنطن هي التي استفزت قرار موسكو إطلاق العملية الروسية، فبعد أيام قليلة من قول الروس للمرة الخمسين على التوالي أن إدخال أوكرانيا الى الناتو خط احمر، وصلت كامالا هاريس إلى مؤتمر ميونيخ للأمن وعلانية دعت أوكرانيا للانضمام إلى الناتو. قرأت كلمات شخص ما من وزارة الخارجية كتبها، وكانوا يعرفون بالضبط ما كانوا يفعلونه عندما كتبوا هذا. لقد أرادوا صراعا مع روسيا، والآن لدينا ذلك".
بالمناسبة، بلا شك إن الولايات المتحدة بسياستها واقتصادها مع الدولار الأمريكي يخسران موقعهما الريادي في العالم، وهو ما يهدد اميركا بزعزعة الاستقرار والتفكك الداخليين، لا سيما مع تصاعد الأصوات لانفصال بعض الولايات ولا سيما الغنية منها، ولذلك فإن العقل العدواني يلجأ الى إيجاد أعداء خارجيين باعتبار ذلك فرصة ثمينة يمكن ان تعيد التماسك الداخلي، وتكون الحروب طوق نجاة من خلال الامل بتدمير الأعداء المتزايدين باطراد، لكن ذلك صار الان من المستحيلات بعد ان كشر الوحش عن انيابه لافتراس البشرية، بما فيها الأصدقاء والحلفاء، ويبدو ان الجميع فهم ذلك، وليس ما يحدث من زفرات في أوروبا بوجه اميركا الا غيض من فيض كامن.
إن الدليل القاطع للترنح الأميركي، يقدمه أضعف الدول أمام السطوة الأميركية، والمقصود دول عربية ولا سيما الخليجية منها، فتلك الدول رغم ارتباطها عضويا باميركا اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، لم تتمكن من ممالأة اميركا، لا ضد روسيا في أوكرانيا رغم الضغوط الأميركية والاوربية، ولا ضد الصين، لا بل جاهرت سواء مجلس الجامعة العربية، او مجلس التعاون الخليجي، او دول منفردة، وقد لفتت المواقف الصادرة عن تلك الدول، التي رفضت، وان نفى بعضها الفكرة، بانشاء "ناتو" عربي يواجه ايران، ليس لعدم الرغبة، وانما لانها استشعرت فعلا الضعف الأميركي المتسارع في ضوء ما يجري في العالم، حتى ان دولة الامارات التي تتنفس هواء غربيا، حذرت من "تأثير أي زيارات استفزازية على الاستقرار الدولي"- المقصود زيارة بيلوسي -.
لقد بدأت دول كثيرة تستشعر الترنح الأميركي، وان الأحادية القطبية ستولي الى غير رجعة، وان عالما جديدا يولد قويا على الطريق، جوهره تعددية الأقطاب، وهنا يأتي المؤشر الرابع، ولعله من أوائل الارهاصات في المواجهة في الزمن الحديث، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ليس من المبالغ فيه القول إنه في الفترة التي كان العالم بغالبيته يعيش تحت الهول والتهويل الأميركي والخضوع لابتزازات "دولة الإرهاب" أميركا، كانت إيران في ذروة الحصار الأميركي عليها، وفي مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان محور المقاومة أجنة متفرقة لكنهم اجتمعوا مع ايران على فكرة مواجهة الغطرسة الاميركية والكيان الصهيوني والتابعين لهما من مستعربين، وها هي اليوم تشكل كابوسا لقادة الولايات المتحدة بجميع فئاتهم، وليس ما حدث في السنوات الأخيرة من مواجهات مباشرة، سواء في لبنان، او فلسطين، او سوريا، او العراق، او اليمن الا احد النذر العاصفة باقتراب موعد الموت المعلن كنهاية طبيعية لقوى الشر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024