معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ترامب من رئاسة أمريكا.. الى تاجر قبور
05/08/2022

ترامب من رئاسة أمريكا.. الى تاجر قبور

د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
بعد نيله شهادة في السلوك العنصري بدرجة اميتاز، وتسجيله سابقة قيادات مليشيات مسلحة  وتحريضها لاقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي في 6 كانون الثاني/ يناير 2020، إضافة الى دعمه للجماعات العنصرية الامريكي المتطرفة التي تمجدّ العرق الابيض، وتدعوا الى القضاء وتهميش الاعراق الاخرى لا سيما السوداء منها، ها هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب يضيف إلى سيرته الذاتية الحافلة بالغرائب والعجائب والسوابق والمهن المتعددة، مهنة اخرى ـ وطبعا لن تكون الاخيرة ـ الا وهي التجارة بالأموات.

كيف تحول ترامب إلى تاجر قبور؟

في تقاعده القسري ـ الذي يأمل أن يكون مؤقتا ـ  توصل الرئيس السابق المهزوم ترامب إلى فكرة جديدة تجعل منه متعهدا لامعا، وتدر عليه في ذات الوقت، أموالا لا تطالها الضرائب، وهي بيع القبور.

ولهذه الغاية اقدم ترامب على تحويل نادي الغولف الذي يملكه في بيدمنستر، في ولاية نيوجيرسي الامريكية، الى "شركة مقابر" أما الشعار المقترح للمشروع فهو: "الناس يموتون للوصول إلى بيدمنستر".

المفارقة، أن أول شخص دشنّ مشروعه الجديد كانت زوجته السابقة الراحلة ايفانا ترامب، وقد جرى دفنها مؤخرا في 20 تموز/ يوليو الفائت، بالقرب من نقطة الإنطلاق الأولى في الملعب.

تظهر الصور التي نشرتها صحيفة نيويورك بوست في 31 تموز، وجود قبر وحيد على حافة حقل مع بعض العشب الأصفر حوله، والى جانبه مجموعة من الزهور البيضاء. وفوق القبر وضعت علامة حجرية مسطحة  كتب عليها : "إيفانا ترامب، 20 شباط/ فبراير 1949 - 14 تموز/ يوليو 2022.. توفيت بعد سقوط واضح".

لمن لا يعلم، فقد عُثر على إيفانا ترامب، (هي عارضة أزياء سابقة، تشيكية الاصل) ميتة في منزلها في 14  تموز الماضي، إثر سقوطها على بعض السلالم، وكانت تبلغ من العمر 73 عاما.

ما هي الغاية من تحوله الى متعهد قبور؟

مع ان الرئيس السابق، أظهر القليل من الاهتمام بالملاحقات التقليدية بعد الرئاسة، مثل بناء مكتبة رئاسية ـ حيث اتبع جميع الرؤساء الأمريكيين منذ فرانكلين دي روزفلت، نهج إنشاء مكتبة رئاسية كوسيلة لأرشفة سجلاتهم للباحثين بالإضافة إلى الدفاع عن إرثهم ـ لأنه لا يقرأ كثيرًا، ويحاول إخفاء أوراقه الرئاسية، وليس عرضها. غير ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: لماذا يدفن ترامب نفسه في تجارة القبور، من بين كل الأشياء القادرة الحصول عليها؟ اليكم الاجابة!

ببساطة شديدة: يبدو أن ترامب قد حوّل زوجته السابقة الراحلة إلى اداة للتهرب  من  الضرائب. المثير في الأمر ان هذا الحل ابتكرته له البروفسورة (استاذة علم الاجتماع) بروك هارينغتون، المتخصصة في علم تحسين الضرائب.

قامت هارينغتون بدراسة وفحص قانون الضرائب في نيوجيرسي، وتوصلت الى نتيجة مفادها، أن تشغيل مقبرة في ملعب "ترامب ناشيونال"، يقدم "ثلاثية من التهرب الضريبي، ضريبة الممتلكات و الدخل والمبيعات، التي ألغيت كلها"، وكتبت هارينغتون  في تغريدة على تويتر "يبدو أن جثة واحدة ستكون كافية لجعل 3 أشكال على الأقل من الضرائب تختفي".

في وقت لاحق، غردت  هارينغتون أنه "لا يوجد نص على كمية الرفات البشرية اللازمة للتأهل للعفو الضريبي". كما بيّنت أن "قطع الأراضي في نيوجيرسي المخصصة للاستخدام كمقبرة لا تخضع لضريبة الملكية أو الدخل أو المبيعات".

لكن مهلا، القصة لم تنتهي عند هذا الحد. فتعهد ترامب للاموات، نبش له قضية قديمة من حيث لا يدري،  وهي تظهر ان هذه التجارة كانت تراود ترامب، حتى عندما كان رئيسا " من اجل التهرب الضريبي".

ففي العام 2017، وافق المسؤولون المحليون على إقامة مدفنين في نادي ترامب في نيو جيرسي: الاول، يتألف من 10 قطع، ويقع بالقرب من الحفرة الأولى حيث دفنت زوجته إيفانا. والثاني  يتضمن 284 قطعة من  الملعب، وهي مخصصة لأي شخص يريد شراء "عضوية أبدية في نادي ترامب".

ليس هذا فحسب، قدّم المسؤولون حينها متقرحات مختلفة كلها  تدور حول "شركة المقابر"، منها طرح ما يصل إلى 1000 قبر، لاقامة مقبرة عامة، إلى جانب قبور خاصة (قال ممثل ترامب إنه سيدفن فيها الرئيس نفسه)، إضافة الى إنشاء كنيسة صغيرة من شأنها أن تهيئ المكان لاحياء حفلات زفاف مستقبلا.

لكن مع ذلك، فمن غير الواضح بعد، إلى أي مدى سيساعد الإعفاء الضريبي للمقبرة على جزء من العقار، ترامب، خصوصا وانه سبق للرئيس ان قام بتعيين قطعة الأرض (التي خصصها للمقبرة) كمزرعة، للاستفادة من المزيد من الإعفاءات الضريبية، والتي أنتجت نشارة تستخدم في اعمال البستنة.
 
ما هي آخر ابداعات الغش لدى ترامب؟

في الفترة التي تلت رئاسته، عمد ترامب الى استخراج جميع أنواع تقنيات الغش. إذ ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أنه استخدم الختم الرئاسي ، بشكل غير قانوني على ما يبدو، خلال بطولة الغولف التي رعتها السعودية في ملعب بيدمينستر.

كما استغل ترامب مؤيديه، للحصول على 121 مليون دولار من أموال حملته الانتخابية ، حيث شكى الناشط الجمهوري كارل روف، أنه لم يستخدم الكثير منها لمساعدة مرشحي الحزب الجمهوري.

ترامب من رئاسة أمريكا.. الى تاجر قبور

ماذا عن علاقة ترامب بالمقابر؟

لم يحب ترامب المقابر أبدًا. كرئيس، كان قد تخطى بشكل علني، زيارة إلى مقبرة عسكرية أمريكية في فرنسا في العام 2018، عندما كانت السماء تمطر (ألقى باللوم حينها على أفراد الخدمة السرية).  وفي واقعة ثانية في العام ذاته، كان ترامب قد امتنع عن زيارة مقبرة أرلينغتون الوطنية في يوم المحاربين القدامى،  لأنه كان "مشغولاً".

اما حاليا، فإن اتجاه للعمل في بيع القبور حاليا، سببه بالدرجة الاولى، ان هناك أموال يجب كسبها (أو على الأقل ضرائب لا يجب دفعها) من أعمال الدفن.

من هنا، وفي حين، أن قطعة أرض دفن عائلة ترامب، ما زالت تنتظر شاغلين محتملين آخرين للحصول على إقامة ابدية فيها ( بعد تردد الرئيس السابق في التزامه الأولي بجعل بيدمنستر - "ممتلكاته المفضلة" - مثواه الأخير)، رأى معارضوه من السياسيين الأمريكيين الساخطين على  الارث السيئ الذي اضافه لصورة امريكا، انه يمكن لترامب أن يبتكر بعض المخططات متعددة الاستخدامات للموقع.

إذ يمكن ــ بحسب وجهة نظرهم ــ استخدام مقبرة ترامب الشاغرة للغاية، كذكرى لأولئك الذين يعيشون تقنيا، ولكن تم دفن حياتهم المهنية وسمعتهم من قبل ترامب، أمثال مايكل كوهين (محاميه السابق)؟  مايكل فلين مستشاره للأمن القومي؟ مايك بنس نائبه؟  فيما حُذف من قائمتهم المطروحة ــ للدفن في الملعب - المقبرة ـــ اسم زعيم الحزب الجمهوري في مجلس النواب كيفن مكارثي، بسبب ولائه اليائس لترامب، وتقربه منه مجددا مؤخرا، بعدما كان انقلب على الرئيس غداة احدث 6 كانون الثاني/ يناير، وحمّله مسؤولية اقتحام الكونغرس. وهذا ما دفعه الى الهلوسة، حيث اعترف مكارثي انه كان يتحدث في وقت متأخر من الليل إلى لوحات معلقة في مكتبه.

علاوة على ذلك، اقترح  هؤلاء الخصوم بلغة لا تخلو من السخرية والغضب والنقمة، انه يمكن أيضًا للمؤسسات التي دفنها ترامب الحصول على مساحة في حديقة ترامب التذكارية الوطنية. كمكتب التحقيقات الفدرالي. القضاء. الحزب الجمهوري. انتخابات حرة. عدالة متساوية. الحقيقة. على ان توضع في الوسط علامة حجرية بسيطة مكتوب عليها عبارات غير عاطفية، بخلاف ما نقش على لوحة قبر إيفانا.

في الختام، بالنسبة لنا لا نجد من الغرابة في شيء، أن يكون ترامب متعهد قبور. فهو كان قد امتهن خلال رئاسته ما هو أفظع من ذلك، اي القتل، ولكن ليس لوحده. فحاله، حال كل رئيس امريكي، جلس على كرسي الرئاسة، واسقط من وراء مكتبه البيضاوي مئات آلاف الصواريخ، ومثلها من قذائف وقنابل الموت على معظم قارات العالم، وابادوا أمما وشعوبا بأكملها.  فمهنة تعهّد الموت، قد خلقت اصلا لقادة أمريكا.

الفساد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات