آراء وتحليلات
عودة ضخ الغاز عبر السيل الشمالي.. ولكن؟
د. محمود جباعي
أعلنت الشركة المشغلة لخط أنابيب السيل الشمالي "نورد ستريم 1" عن أول تدفق للغاز الى المانيا بعد الانتهاء من أعمال الصيانة التي استمرت حوالي 10 أيام منذ 11 تموز/يوليو الجاري، علمًا أن هذا الخط يمثل حوالي 35 % من مجمل صادرات الغاز الروسي الى الاتحاد الأوروبي. إلا أن هذه العودة ما تزال تدريجية ولم تحصل بصورة كاملة مما يؤكد المخاوف الأوروبية من استعمال روسيا لسلاح الطاقة كرد قوي جدًا على العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة عليها. ومن المعلوم أيضًا أن شركة "غازبروم" الروسية العملاقة كانت قد خفضت في الشهر الماضي صادرات الغاز عبر هذا الخط الى حدود الـ 40 % كرد على التأخير الحاصل في إعادة التوربينات التي تعمل شركة "سيمنز إينرجي" على صيانتها في كندا. كذلك، أوقفت الشركة الروسية العملاقة تسليم الغاز للعديد من الدول الأوروبية التي رفضت الدفع بالروبل مقابل الحصول على الغاز الروسي.
رغم عودة ضخ الغاز عبر السيل الشمالي -1 إلا أن أوروبا باتت تعتبر أن روسيا أصبحت شريكًا غير موثوق فيه في مجال الطاقة، حيث قال وزير الاقتصاد الالماني رويرت هابيك إن "روسيا أصبحت عاملاً متزايداً لانعدام الأمن في نظام الطاقة وهي تستخدم القوة العظمى التي أعطتها إياها أوروبا في عملية ابتزاز واضحة لالمانيا وللاتحاد الاوروبي".
وهذا الأمر يثير قلق الأوروبيين كثيرًا حيث اقترحت بلجيكا خطة تهدف إلى خفض الطلب الأوروبي على الغاز الى 15 % للتغلب على توقف الامدادات الروسية التي يمكن أن تحصل بشكل كامل في المستقبل القريب، وأشارت بروكسل في اقتراحها الى ضرورة الحد من تدفئة بعض المباني وتأجيل إغلاق بعض محطات الطاقة النووية وتشجيع الشركات على تقليل احتياجاتها من الغاز.
كذلك قالت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" إن على أوروبا أن تستعد لاحتمال حصول انقطاع تام للغاز الروسي في فصل الشتاء لأنها تعتبر أن روسيا أصبحت تستخدم الغاز كسلاح فتاك في وجه دول الاتحاد الاوروبي.
الواضح من التصريحات الأوروبية أن القارة العجوز باتت تعيش اليوم حالة من القلق الحقيقي بشأن قدرتها على الحصول على الكمية الكافية من الغاز الروسي، وباتت دول الاتحاد الاوروبي تسعى جاهدة الى محاولة التخفيف من حجم استخدامها واعتمادها على الغاز الروسي الذي يؤمن حوالي 40 % من حاجات اوروبا المختلفة للغاز. من هنا تسعى هذه الدول الى ايجاد بدائل محتملة من اي منطقة اخرى في العالم، وهذا ما يفسر تسريع عملية استخراج الغاز في حقل "كاريش" وحقل "ظهر" المصري، لعل ذلك يساهم في تأمين حاجات أوروبا بشكل سريع ومرن. إلا أن هذا الأمر يترتب عليه العديد من العقبات الجيوسياسية كما هو الحال في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، حيث أطلقت المقاومة معادلة جديدة مفادها أنه لا يمكن للعدو الاسرائيلي استخراج الغاز من أي حقل لديه طالما لم تسمح الدول الكبرى للبنان بالبدء في عملية التنقيب عن الغاز والنفط في مياهه.
كذلك، إن عملية ايجاد البدائل الكافية عن الغاز الروسي تحتاج الى وقت والى تكلفة عالية بسبب بعد المسافة بين هذه الدول وبين دول الاتحاد الأوروبي.
بناءً على كل ما تقدم، إن عملية تأمين أي بديل للغاز الروسي لن تكون سهلة، ولن تكون بالمتناول في القريب العاجل مما يجعل أوروبا تعيش حالة من القلق الكبير بفعل قوة روسيا التي تمتلك سلاحا اقتصاديا فتاكا متمثلا بوجود مصادر الطاقة لديها، علمًا أن روسيا مستعدة لاستخدام كل أسلحتها المختلفة من أجل مواجهة الغرب الذي يسعى جاهدًا إلى محاصرتها اقتصاديًا وسياسيًا، الأمر الذي قد يؤدي الى نشوب نزاع عسكري كبير في أي لحظة في العديد من أماكن الصراع على مصادر الطاقة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024