آراء وتحليلات
"صراع البقاء" بين روسيا واميركا
صوفيا ـ جورج حداد
في عالمنا المعاصر اليوم دولتان كبيرتان تخوضان معركة "صراع بقاء" أو "صراع وجود" مع أميركا والصهيونية ـ اليهودية العالمية هما: روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
بالنسبة لايران هناك "موضوع نزاع" استراتيجي ـ ايديولوجي واضح. وقد قال القائد العظيم الإمام السيد علي خامنئي بشكل صريح لا لبس فيه، علميا وسياسيا: "إنهم يريدون اسقاط النظام الثوري الاسلامي في ايران".
ومن المؤكد انه في اللحظة التي ـ لا سمح الله ـ تعلن فيها ايران التخلي عن الثورة الاسلامية، فإن جميع الحملات المعادية لايران ستتوقف فوراً، وسيتسابق أمراء وشيوخ النفط العرب وخلفهم جميع القادة العرب (ربما باستثناء "بعض لبنان" لتعفير رؤوسهم تحت أقدام قادة الثورة المضادة المفترضة في ايران، سواء اتخذت شكلا دينيا (اسلاميا مواليا لاميركا واليهودية العالمية) أو سياسيا أو عسكريا.
أما في روسيا فلا يوجد لا ثورة اسلامية، ولا اورثوذوكسية، ولا اشتراكية، فلماذا اذاً تشن اميركا واليهودية العالمية والغرب هذه الحملة العدائية الشرسة ضد روسيا؟
علما أن روسيا هي التي قدمت أكبر التضحيات في الحرب العالمية الثانية، لانقاذ اوروبا والعالم من خطر العبودية للنازية.
اننا لا نرى سببا "علميا" او سياسيا لذلك سوى النظرة الاستعمارية ـ العنصرية الجامحة نحو روسيا من قبل أميركا والغرب واليهودية العالمية، أي: الرغبة الدفينة في إبادة الشعب الروسي والاستيلاء على أرضه ونهب خيراتها غير المحدودة.
أنت روسي؟ اذاً عليك أن تموت؛ أو أن تعيش عبداً رقيقاً عديم الكرامة الانسانية مشرداً في مجاهل الدول الغربية.
ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً، كتب المستشار السابق للأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجينسكي (بولوني ـ كاثوليكي ـ معاد بشكل اعمى لروسيا والاورثوذوكسية والشيوعية) أنه "من أجل السيطرة على روسيا، ينبغي العمل بكل الوسائل لتخفيض عدد سكانها الى أقل من 50 مليون نسمة"، (في حينه كان تعداد سكان الاتحاد السوفياتي بقيادة روسيا اكثر من 300 مليون نسمة) واليوم يبلغ عدد سكان روسيا (من دون الروس خارج حدود الدولة) 147 مليون نسمة. أي ـ عملاً "بوصفة" بريجينسكي ـ يجب ابادة أو ازالة 100 مليون روسي على الاقل، بالحروب والعقوبات الاقتصادية والتضييق والخنق والتشريد والتجويع. وهذا ما تطبقه الادارة الاميركية والصهيونية ـ اليهودية العالمية ومن ورائهما الدول التابعة الغربية والموالية للغرب.
ولدى انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي، أثيرت على عجل حرب الشيشان ضد روسيا. وبأوامر مباشرة من "البيت الابيض" الاميركي قصف يلتسين "البيت الابيض" الروسي، (وهي التسمية التي تطلق على البرلمان الروسي)، بمدفعية الدبابات، ووضعت البلاد على حافة الحرب الاهلية، ثم تكالبت الاحتكارات الرأسمالية الكبرى واليهودية العالمية على نهب البلاد بطريقة وحشية جدا، وفقد الروبل أي قيمة له، وبدأ تجويع الشعب الروسي ونشر المخدرات و"الفودكا" الرخيصة المغشوشة لتسميم الناس، وصارت سيارات الاسعاف تجمع يومياً مئات الموتى من المشردين في الشوارع في مدينة موسكو وحدها. وبدأ الانهيار الديموغرافي وانخفض عدد السكان أكثر من عشرة ملايين نسمة في غضون بضع سنوات فقط. أي: صراع بقاء وحرب ابادة حقيقية ضد الشعب الروسي.
كل ذلك أحدث صدمة في المجتمع الروسي. حتى كاتب منشق (سابقا) وموال للغرب مثل الكسندر سولجينستين بدأ ينفخ في بوق القومية الروسية المهددة بالزوال، انطلاقا من غريزة حب البقاء على الاقل.
ولكن في عزّ فرحتهم ببداية مرحلة نهش وابتلاع روسيا، فإن جهابذة الجيوبوليتيكا اليهود والاميركييان و"الفاتيكانيين" والغربيين، فاتتهم ثلاث حقائق تاريخية جوهرية وهي:
الأولى ـ إن الشعب الروسي ـ ومنذ أيام نظام العبودية في الدولة الرومانية القديمة التي سمّت الـ Slav (الروس السلافيين) عبيدا (slave) ـ وجد فوق أرضه كشعب حر، عنيد، صعب المراس ولا يهزم، وكعدو وجودي للعبودية الغربية.
الثانية ـ رغم أن "إلغاء الاتحاد السوفياتي كان خطأ تاريخيا كبيرا" وفق ما قال بوتين فيما بعد، الا أن انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي أديا أيضاً الى أن منظومة الارهاب الايديولوجي ـ الدموي المركب، الستاليني والنيوستاليني، دفنت أيضاً بدون مراسم وذهبت إلى مزبلة التاريخ. ولم يعد بالإمكان إرسال مئات آلاف ضباط الجيش الاحمر الاشاوس والمناضلين الشيوعيين غير الذيليين الى منصات الاعدام، وعشرات ملايين المواطنين الروس المؤمنين بالاشتراكية الانسانية الى معسكرات الاشغال الشاقة حتى الموت، وهم يهتفون: "عاش ستالين العظيم!" كما لم يعد بالامكان ارسال الدبابات لسحق انتفاضة المجر الاصلاحية سنة 1956 او سحق "ربيع براغ" سنة 1968 باسم الدفاع عن "الاشتراكية!".
الثالثة ـ مع سقوط المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي، سقطت أيضاً اتفاقية يالطا. وبالتالي سقط التفويض الستاليني والنيوستاليني لأميركا بالهيمنة على العالم. وأصبح يتوجب على أميركا أن تقلع شوكها بيديها دون أي دعم ستاليني ونيوستاليني.
وبالتدريج، ولكن بسرعة مذهلة لم تتوقعها جميع الدوائر والمخابرات الغربية، تشكل في روسيا تيار قومي روسي ـ اورثوذوكسي، وقف ضد الهجمة الغربية ـ اليهودية العالمية على روسيا، وقام بإزاحة يلتسين عن السلطة والمجيء بفلاديمير بوتين من الصفوف الخلفية للكا جي بي.
والمكونات الرئيسية لهذا التيار تتألف من:
ـ1ـ الجيش الروسي الذي لا يقهر، والذي قدم أعظم التضحيات خلال الحرب العالمية الثانية، واستطاع ـ بالرغم من كل الخيانات التي ارتكبها النظام الستاليني ـ سحق الأفعى النازية في وكرها ذاته، والقادر اليوم على تحطيم وسحق كل عدو يهدد الأمن القومي لروسيا.
ـ2ـ التيار القومي الروسي ـ الاورثوذوكسي في الصفوف الخلفية لـKGB (البوليس السري، او البوليس السياسي) الذي كانت تعتمد عليه الستالينية والنيوستالينية في الارهاب الايديولوجي – الدموي ضد الجيش الروسي خاصة والشعب الروسي عامة. وعلينا التأكيد هنا أن كل النزاعات الداخلية في روسيا منذ بداية عهد ستالين حتى نهاية عهد يلتسين، كانت تتمحور حول النزاع بين KGB والجيش الاحمر (الروسي). ولأول مرة في تاريخ روسيا الحديث تعود الوحدة بين KGB والجيش الأحمر كما كانت في المرحلة اللينينية (1917 ـ 1924) من الحكم السوفياتي.
ـ3ـ المجمّع الصناعي الحربي، الذي يضم آلاف مراكز الابحاث والمختبرات وميادين التجارب والمنشآت والمصانع والمستودعات والمجمعات السكنية والمدن العلنية والسرية، فوق وتحت الارض؛ والذي تصب فيه تسعة اعشار الدورة المالية ـ الاقتصادية للدولة؛ والذي يعمل فيه مئات الآلاف من المبتكرين الطليعيين والعلماء والخبراء، وعشرات ملايين الاختصاصيين والعمال المهرة والعاديين القادرين على صنع كل شيء (حرفيا كل شيء) من الدمية ـ لعبة الاطفال - الى صاروخ "سارمات" النووي الاسرع من الصوت والعابر للقارات والذي تزن آخر نسخة منه 200 طن.
ـ4ـ الكنيسة الاورثوذوكسية التي تعتبر العمود الفقري التاريخي والآني للقومية الروسية وللدولة الروسية المؤلفة من عشرات الاديان والمذاهب والاتنيات والاقليات القومية الكبيرة والصغيرة.
ومن أجل بقاء روسيا وتطورها، يضع التيار القومي الروسي ـ الاورثوذوكسي نصب عينيه الآن مهمة القضاء التام على الهيمنة العالمية للدولة الاميركية واليهودية العالمية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024