معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

العراق في قمة جدّة.. ما الجديد؟
19/07/2022

العراق في قمة جدّة.. ما الجديد؟

بغداد ـ عادل الجبوري

من بين احدى وعشرين نقطة، تضمنها البيان الختامي لقمة جدّة (15 تموز/ يوليو 2022)، التي شاركت فيها دول مجلس التعاون الخليجي الى جانب الولايات المتحدة الاميركية والعراق ومصر والاردن، خصصت نقطة واحدة للعراق، الا وهي النقطة الحادية عشرة، حيث جاء فيها، "جدد القادة دعمهم الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره، ونمائه ورفاهه، ولجميع جهوده في مكافحة الإرهاب. كما رحب القادة بالدور الإيجابي الذي يقوم به العراق لتسهيل التواصل وبناء الثقة بين دول المنطقة". وهذه العبارة الفضفاضة الى حد كبير، الايجابية والجميلة ضمن حدودها النظرية، قد لا نجد للشق الاول منها مصاديق حقيقية على الارض، ان لم يكن العكس عند الكثير من المحطات والمنعطفات. لكن الشق الثاني منها يبدو معبرا عن حالة واقعية، كانت لها مخرجات عملية مثمرة، لاسيما على صعيد حلحلة العقد المستعصية بين طهران والرياض.

ولان العراق، كان وما زال وسيبقى في قلب تفاعلات المنطقة وازماتها ومشاكلها، ويعد احد ابرز بؤر الاهتمام العالمي، فأنه لا يمكن بأي حال من الاحوال، فصل ملفاته وقضاياه الداخلية عن مجمل الاوضاع الاقليمية والدولية، وهو ليس معنيا فقط بالنقطة المشار اليها، آنفا، بل بمجمل نقاط البيان الختامي للقمة، بيد ان الاشكالية هنا تتمحور حول موضوعة ان مشاركة العراق، كانت مثار جدل وسجال سياسي وشعبي واسع منذ وقت مبكر، ارتبط بحقيقة وطبيعة اهداف واجندات القمة، وهوية ومنهج الطرف المؤثر فيها والموجه لها، المتمثل اساسا بالولايات المتحدة الاميركية.    

وبقدر ما بدا البيان الختامي نمطيا حاله حال البيانات الختامية لمختلف القمم والمؤتمرات والمحافل السياسية، بقدر ما شغلت الولايات المتحدة الحيز الاكبر فيه، سواء بصورة صريحة او بصورة ضمنية، وهذا في واقع الامر مثل انعكاسا لما تريده الادارة الاميركية من هكذا ملتقى وفي مثل الظروف والاوضاع الراهنة التي يعيشها العالم ومعه دول المنطقة. صحيح ان اسم "اسرائيل" لم يرد في البيان، ولكن من يقرأ ما بين السطور، يكتشف ان معظم نقاطه صيغت كما لو انها فصلت مسبقا على مقاسات الكيان الصهيوني، اكثر منها على مقاسات الاطراف المشاركة والمعنية، فالحديث والكلام عن التنمية والاستقرار والامن واحلال السلام العادل والشامل وتأمين وحماية مصادر الطاقة وضمان تدفقها بسلاسة، كله يصب بمصلحة واشنطن وتل ابيب اولا واخيرا، وينسجم مع كل الاطروحات والمشاريع التي يراد منها دمج الكيان الصهيوني في المنظومات السياسية والاقتصادية والثقافية لدول وشعوب المنطقة، تحت يافطة كبيرة وواسعة هي "التطبيع"!.

ومن يدقق في جزئيات وتفاصيل الامور، يجد ان هناك فهما وادراكا وتقييما صائبا لفحوى ومغزى واهداف قمة جدّة الخفية، التي ربما يجهل جانب من جزئياتها حتى بعض المشاركين فيها. وقد يكون البحث والتمحيص في الهوامش والاثارات التي تبدو جانبية وثانوية، اكثر اهمية من التوقف طويلا عند ظاهر القضايا المطروحة بلغة دبلوماسية رصينة ومحكمة.

ومن بين تلك الهوامش، ما صرح به وزير الكهرباء العراقي عادل كريم، تعقيبا على ما يقال ويتردد عن الاثار والانعكاسات الايجابية لمشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج، قائلا: "ان الربط الكهربائي مع دول الخليج لن يحل سوى 5% من مشكلة الطاقة في العراق"!، هذا في الوقت الذي راحت اوساط سياسية عراقية وغير عراقية، تتحدث عن ذلك المشروع وكأنه سيكون الحل الشامل والكامل لاكبر واعقد مشكلة في العراق منذ تسعة عشر عاما او اكثر.

ومن بغداد ايضا، ردت السفارة الصينية بتغريدة شديدة اللهجة على تصريحات الرئيس الاميركي جو بايدن في قمة جدّة، والتي قال فيها، "لن نترك فراغا في المنطقة لصالح روسيا والصين وإيران"، اذ قالت السفارة في تغريدتها التي صدرت بتوقيع المتحدث الرسمي لها "وانغ وينبن"، "الشرق الأوسط هو ملكٌ الشعوب المنتمية إليه، وليس باحةً خلفيةً لأي أحد غيرهم، ولا يوجد هناك ما يسمى (فراغ)".

وبما ان طهران وموسكو، كانتا مع بكين في مرمى تصريحات بايدن، فانهما لم تتركا تلك التصريحات تمر مرور الكرام دون رد. فالمتحدث الرسمي بأسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني، اكد "ان المزاعم والاتهامات التي قالها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته الشرق أوسطية، ومنها تصريحاته في قمة جدّة مرفوضة ولا أساس لها، وإن هذه المزاعم الفارغة تأتي في سياق استمرار السياسة الأمريكية لخلق الفتن وبث التوتر في المنطقة، وان ماضي الولايات المتحدة يتمثل في انها أول دولة استخدمت القنبلة النووية، واستمرارها في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وقيامها بالاحتلال والعدوان العسكري، وبيع السلاح بالجملة، والترويج للعسكرة في المنطقة". وبذات النبرة والمضمون، تحدث مسؤولون روس كبار، فضلا عن ان زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للجمهورية الاسلامية الايرانية والقمة الثلاثية الايرانية - الروسية - التركية في طهران بعد عدة ايام من جولة بايدن وقمة جدّة، تعزز تلك الرؤى والتصورات.

ولعل واحدة من الاشكاليات والمؤاخذات التي تطرح بخصوص قمة جدّة، تتمثل في ان بعض الاطراف التي تدعي او تسعى للتوصل الى حلول ومعالجات لمشاكل وازمات المنطقة، هي في الواقع تعد جزءا من تلك المشاكل والازمات، او انها متورطة فيها ومسؤولة عنها بشكل او باخر، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية، وحتى المملكة العربية السعودية. ولاكثر من عقدين من الزمن، كان العراق ضحية لسياسات وتوجهات واجندات واشنطن والرياض وعواصم اخرى.

والمسألة الاخرى، هي ان مجمل التحشيد السياسي والتعبئة الاعلامية لجولة بايدن الشرق اوسطية وقمة جدّة، اشر الى ان الهدف الحقيقي والجوهري لها، يكمن في سعي واشنطن الحثيث ومن ورائها تل ابيب، الى تعزيز الجبهات والمحاور والاصطفافات والتحالفات المناهضة لايران ومحور المقاومة، وللخصوم الدوليين، كروسيا والصين، وهذا ما تحدث به وكتبه بايدن بكل صراحة ووضوح، قبل مجيئه للمنطقة وخلال تواجده فيها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل