آراء وتحليلات
الوجه الاخر لبايدن .. اختلاق القصص البطولية وتحريف الوقائع والاحداث
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
انتهت زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى السعودية، وبغض النظر عن النتائج والاهداف التي حققها كل طرف، الا ان تراجع البيت الأبيض عن الكلام الذي ادعى بايدن انه قاله لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، خلال لقائهما ـ وكان اثار لغطا جدلا واسعا ـ قد كشف للرأي العام (عدا ركله الالتزام بقضايا حقوق الانسان وتخليه عنها مقابل زيادة انتاج السعودية للنفط) الوجه الاخر لبايدن، ومدى اضطرابه وضعف شخصيته وخفتها، واجادته فن "الكذب والخداع وتحريف وتزوير الحقائق، والاهم ادعائه البطولات الوهمية.
فبايدن من خلال الترويج لمدى قوته خلف الأبواب المغلقة، كان يأمل امتصاص موجة الانتقادات التي طالته في الداخل، لتخليه عن وعد حملته، بجعل المملكة العربية السعودية "منبوذة"، لا سيما بعد تعرضه لهجوم شرس من قبل جماعات حقوقية ومنظمات إعلامية وشخصيات سياسية امريكية من كلا الحزبين، نددت باجتماعه بابن سلمان الذي قالت وكالة المخابرات المركزية إنه أمر بالعملية التي قتلت خاشقجي في العام 2018.
على الضفة الاخرى، كان السعوديون حريصين من ناحيتهم، على تقديم الاجتماع كدليل على أن العلاقات بين قادة حليفين قديمين، قد عادت الى طبيعتها المعتادة، مع انهم كانوا يفضلون عدم استحضار قضية خاشقجي بشكل دائم.
كيف تصرف الرجلان قبل اجتماعهما المغلق؟
كان بايدن وابن سلمان، منسجمين بشكل كبير مع الرقصات السعودية التقليدية. لكن، ما يثير الريبة، هو ان مصوري الأخبار الأمريكيين الذين يسافرون في موكب البيت الأبيض عادة، لم يُمنحوا أي فرصة للحصول على مكان لالتقاط صورة الرئيس الامريكي، وهو يحيي ولي العهد عند وصوله إلى القصر الملكي السعودي، وهي الصورة التي كان مساعدو بايدن يخشونها.
ليس هذا فحسب، فالفكرة الاساسية التي رغب بإظهارها السعوديون اثناء لقاء بايدن ــ ابن سلمان، هي تجنب أي تصور للاختلافات أو التوتر بين الرجلين.
من هنا حرصت الحكومة السعودية على تواجد مصوريها الرسميين في كل مكان، فالتقطوا عددًا لا يحصى من اللقطات للرجلين معًا، وجرى نشرها على الفور على الإنترنت، في رسالة الى الخارج والعالم، عن تراجع بايدن عن كلامه بما خص "نبذ" ابن سلمان الذي بدا مزهوا منتشيا بهذا الزيارة.
بايدن يختلق الوقائع ويحور الأحاديث ويحرفها؟
بايدن، بطبيعته، راوي قصص، ولديه ميل إلى الدجل والتأليف وتزوير الحقائق، إذ كثيرا ما روى قصة لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2011 كنائب للرئيس وقوله له: "أنا أنظر إلى عينيك، ولا أعتقد أن لديك روحا". المضحك، ان الآخرين الحاضرين (في هذا اللقاء) في ذلك الوقت، لم يتذكروا ان شيئا من هذا القبيل قد حدث.
أكثر من ذلك، وصف بايدن مواجهة صريحة (لم تحدث ايضا) في عام 1993 مع سلوبودان ميلوسيفيتش، الزعيم القومي الصربي المتطرف، الذي ارتكب مجازر دموية في البلقان. وفقا لمذكراته عام 2007، "وعود يجب الوفاء بها"، فإن بايدن الذي كان آنذاك عضوا في مجلس الشيوخ، قال لميلوسيفيتش "أعتقد أنك مجرم حرب لعنة، ويجب أن تحاكم". المفارقة هنا، انه في وقت لاحق، اكد بعض الأشخاص الذي كانوا حاضرين في الغرفة، إنهم لا يتذكرون شيئا عن هذه المواجهة المزعومة.
ليس هذا فحسب،
ما يجدر معرفته، انه في كثير من الأحيان، فإن السياسيين الذي كانوا يرافقون بايدن ويحضرون جلساته ولقاءاته، يقولون إن بعض ما ينقله ويصفه الرئيس الامريكي قد حدث بالفعل، ولكن ليس بنفس القدر من العرض المسرحي المعد للكاميرا.
وانطلاقا من هذه النقطة، فإن تمسك بايدن غير الرسمي بالبيانات الدقيقة والكاذبة قد أوقعه في المشاكل طوال حياته السياسية. فهو كان انسحب من حملته الرئاسية الأولى عام 1987، بعد ضبطه وهو يروي قصة سياسي بريطاني كما لو كانت قصته. كما انه بالغ في سجله الأكاديمي، وفي مشاركته في احتجاجات الحقوق المدنية في الستينيات، وادعى زوراً أنه تم اعتقاله في جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري، والانكى انه أشار إلى "قضاء بعض الوقت في "كنيس شجرة الحياة" في "بيتسبرغ" بعد حادث اطلاق نار استهدف كنيسا يهوديا في مدينة "بيتسبرغ" بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عام 2018 ، في حين أنه في الواقع أجرى مكالمة هاتفية، وليس زيارة شخصية.
في الختام، صحيح ان زيارة بايدن للسعودية حققت زيادة في إنتاج النفط (لم تتجاوز مليوني برميل يومياً)، من اجل تخفيف فاتورة الوقود على المواطن الامريكي، واستثمار ذلك في الانتخابات النصفية الخريف المقبل، لكنها بالمقابل اضرت بصورته بشكل كبير، وقد تنهي حياته السياسية بعد انتهاء ولايته الحالية، خصوصا وان استطلاعات الرأي تظهر ان الديمقراطيين بدأوا بالبحث عن مرشح اخر اكثر قوة واتزانا من بايدن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024