احاطة عامّة للوضعية الحالية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 

عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية 

بحلول الرابع و العشرين من تموز / يوليو 2022 يُنهي الجيش الروسي شهرَه الرابع على بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا والمستمرة  بوتيرة، يصفها ساسة وخبراء الإعلام الغربي بالبطيئة، بينما تؤكد مصادر القيادة الروسية، وعلى رأسها وزارة الدفاع أنها تسير وفق ما هو مخطط لها من الألف الى الياء.

في مقالتنا هذه، سنحاول الإحاطة بالعملية العسكرية ايَّاها، و لكن بشيء من الإيجاز، على أن نستتبع ذلك بسلسلة من المقالات التفصيلية، نبرز من خلالها الأوضاع العسكرية والسياسية والإقتصادية الراهنة هناك.

---

مع انطلاق المعركة، خال الكثير من الخبراء أنّ العملية ستكون خاطفة وسريعة، وستؤدي الى انهيار مؤسسات أوكرانيا، وعلى رأسها الجيش و وحدات الدفاع الإقليمي وكتائب النازيين الجدد، ذات المسمَّيات المختلفة.

بالمقابل، فإنّ عدداً قليلاً من الخبراء كان يدرك مسبقاً، بأن العملية ستأخذ وقتاً أطول ممَّا هو متوقَّع، نظراً الى مجموعة من العوامل، نذكر منها:
_ عدد القوات الروسية المحدود، والذي لم يتجاوز  الـ 130 ألف ضابط وجندي .
_ رغبة الرئيس بوتين بعدم رفع وتيرة العمليات، عبر استدعاء الاحتياط واقتصارها على الوضعية الحالية، لأسباب سياسية داخلية
_ ترك الجزء الأكبر من وحدات الجيش الروسي في أماكن تموضعها الأساسية تجنباً لمزيد من الخسائر في الأرواح و العتاد.

بالنسبة لاتجاهات الاندفاع، فقد اندفعت الوحدات الروسية على ثلاثة اتجاهات رئيسية:
_ إتجاه الشمال على محوري كييف، وتشيرنيغوف.
_ إتجاه الشرق على محاور خاركوف، وسومي، وإقليم الدونباس.
_ إتجاه الجنوب على محوري خيرسون، وزابوروجيا.

1ـ على الجبهة الشمالية،  بدا واضحاً للقليل من الخبراء، أن الجيش الروسي ينفذ مناورة جذب وتثبيت للقوات الأوكرانية، من خلال الإيحاء لجميع المعنيين بالوضع في أوكرانيا وفي الغرب خصوصاً، أن العقبة الرئيسية التي تحول دون تقدُّم وحدات الجيش الروسي، ترتبط أولاً و أخيراً بالسيطرة على العاصمة كييف، خصوصاً أن  عملية التموضع الأولى حصلت في تشيرنوبيل، وضواحي تشيرنيغوف، شمال شرق وغرب العاصمة، ومن ثم البدء بدفع القوات نحو غوستوميل وأربين وصولاً حتى ماكاريف شمال غرب كييف ووصول الوحدات الروسية الى ضاحية بروفاري شرق كييف، ما أجبر القيادة الأوكرانية على سحب عشرات الوحدات العسكرية من جبهتي الشرق والجنوب، لتعزيز الدفاع عن العاصمة ومن بين هذه الوحدات أكثر من نصف وحدات النخبة التي كانت تتمركز في جبهة إقليم الدونباس.
وبتحقق عملية الجذب وتثبيت القوات الأوكرانية، كان الجيش الروسي يعمل على خطة، يشُل بموجبها قدرة القوات التي تمركزت عند المحور الشمالي على تنفيذ الحركة مجدداً، وهو ما لا يزال مستمراً حتى اللحظة، بسبب السيطرة شبه الكاملة لسلاح الجو الروسي والرقابة العالية لقوات الاستطلاع الروسية، واستهداف الوسائط القتالية الدائم لهذه الوحدات، بغرض منعها من إعادة تنظيم تشكيلاتها وإبقائها في أماكن تموضعها، والحد من قدرتها على تقديم الدعم على الجبهة الرئيسية التي انتقل اليها جهد الجيش الروسي بعد الانسحاب من كامل مواضع السيطرة في الشمال والشمال الشرقي .
2ـ على الجبهة الشرقية نفذّت وحدات الجيش الروسي إعادة تموضع، وأبقت على بعض وحداتها قريبة من شمال مدينة خاركوف، وعززت الاندفاع نحو الجنوب على جبهتي روبيجنايا وإيزيوم بشكل أساسي، وهو ما أدّى الى تطوير العمليات باتجاه سيفير ودونيتسك، وهي العمليات التي لا تزال مستمرة بالتزامن مع عمليات مماثلة، كانت قد بدأت على الجبهة الجنوبية، أُريد من خلالها آنذاك السيطرة على ماريوبول، وفولنافاخا، نقاط الارتكاز الرئيسية.
3ـ على الجبهة الجنوبية، قطعت وحدات الجيش الروسي شوطاً كبيراً في عمليتها الرامية  الى السيطرة التامة على شواطئء بحر آزوف ومساحات واسعة من مقاطعتي خيرسون وزابوروجيا، إضافة الى السيطرة على ميناءي ماريوبول وبرديانسك على شواطئ بحر آزوف، والسيطرة على أكثر من 50% من شواطئ أوكرانيا على طول ساحل البحر الأسود، فضلاً عن تأمين شبه جزيرة القرم  وربطها براً عبر إقليم الدونباس بعمق آمن وكبير.
ختاماً، يمكن القول أنّ ما تقدّم، يشكل عناوين أساسية لإحاطات واسعة، سيتم استعراضها في الأيام القادمة من جوانبها المختلفة، علماً بأنّه لا بدّ من الإشارة الى أن الزخم الأساسي للمعركة، كان و لا زال يتركَّز في منطقة قوس الدونباس، والتي سنستعرضها لاحقاً بالتفصيل، و ذلك حال شروعنا في وضع تصورنا العام لمآلات العملية والنتائج التي ستترتَّب عليها، سواء على المستوى العملياتي أوالإستراتيجي، و ذلك بالرغم من أن أغلب العمليات الحالية تحمل طابعاً تكتيكياً، ما يشي بأن القيادة الروسية اعتمدت منذ البداية مبدأ النصر بالنقاط (نقطة تتلوها نقطة)، وليس بالضربة القاضية، وهو ما سنقاربه أيضاً بشيء من التفصيل في مقالاتنا المقبلة.

خاركوفكييفالدونباس

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات