آراء وتحليلات
رسائل المقاومة الحاسمة.. وخطيئة الاستهانة بها
إيهاب شوقي
يخطئ بما يرقى إلى مرتبة الخطيئة الاستراتيجية كل من يستخف برسائل المقاومة السياسية والعسكرية التي تضمنها خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله والذي كان مكونًا من بند واحد وهو الاستحقاق الذي دخل به لبنان بالفعل، المتمثّل بمواجهة نهب العدو للغاز والنفط اللبناني.
وهنا لا بد من سرد ملاحظتين قبل التطرق لأهمية الخطاب وجديته، وللأسباب التي تجعل من عدم تلقف رسائله بجدية من الأخطاء القاتلة:
1- القضية التي طرحتها المقاومة هنا تتخطى مسألة الترسيم والتنقيب والقضايا الفنية والتي يمكن وضعها تحت بند القانون الدولي، حيث تتعلق بقضايا النهب الاستعماري والاستقواء السياسي وتوازنات القوى والتي توضع تحت بند الصراع الدولي.
2- رسائل المقاومة كانت بمثابة راجمة صاروخية متعددة الإطلاقات، إلا أنها تتميز عن راجمات الصواريخ، بأنها تحمل صواريخ موجهة بدقة خلافًا للراجمات التي تشتهر بقوة تدميرها لا بدقتها، حيث كانت الرسائل واضحة ومفهومة ولا تحتمل لبسًا وتفسيرات متعددة لكل من خاطبهم السيد نصر الله في الداخل والخارج.
ولا شك أن اللحظة الدولية والإقليمية هي لحظة تاريخية مفصلية، تشهد تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب دون انتقالات سلسة تسمح بتفادي انفجارات كبرى ودون هوامش أمان تقطع الطريق على حرب عالمية مدمرة، حيث يرفض القطب الأوحد الذي ينزل عن عرشه تسليم الراية للأقطاب الصاعدة.
وهو ما ينعكس على الإقليم الذي يشهد توازنات جديدة، حيث ترفض أمريكا أيضا الاعتراف بتراجعها في الإقليم وتحاول التشبث بمبدأ الاحتفاظ بالكلمة النهائية في إنهاء الصراعات، والتمسك بتوقيعها على أي اتفاقية مكتوبة أو ضمنية للتسويات، وهو ما يعكس تأثيرات هنري كيسنجر على السياسة الأمريكية والتي يتعلق أبرزها برؤيته للاستقرار، حيث يرى أن الاستقرار لا يكمن في الاتفاقيات أو المصالحات، وإنما يكمن في الحفاظ على توازن القوى.
هنا يمكننا استنتاج ملامح رؤية أمريكا للمنطقة، بأن المقاومة ومحورها أصبحا قوة كبرى وبالتالي فإن وجود إيران أو لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن في موقع الدول القوية أو الغنية، مع تنامي القدرات العسكرية، هو إخلال بالتوازن.
وبالتالي فإن أمريكا فشلت في وقف تنامي القدرات العسكرية سواء بالترهيب أو الترغيب، ولم يكن أمامها إلا سلاح إضعاف الدول وحصارها وإفقارها، على أمل الحفاظ على توازن القوى ومنح العدو الصهيوني فسحة من الوقت وتعطيل زواله.
وهنا يمكن لنا الولوج في أهم الرسائل التي يحملها الخطاب والتي يجب تلقيها بجدية كبيرة لأن اللحظة الراهنة هي لحظة جدية ولا تحتمل الهزل أو الاستخفاف أو المناورات والسجالات:
أولًا: أقام السيد نصر الله الحجة الكاملة على أمريكا باعتبارها صاحبة الحصار والتعطيل والأزمة الخانقة، وكان التوصيف للمتهم الحقيقي متزامنًا مع لحظة الإجماع الوطني اللبنانية لمواجهة العدوان والنهب، وبالتالي فإن هذا الإجماع الوطني يجب أن يتعلق أيضًا بإجماع على تحديد العدو الحقيقي والمتهم الرئيسي وهو أمريكا.
ثانيًا: كانت رسالة المقاومة أنها تتابع الملف بدقة رسالة مزدوجة، فهي موجهة للعدو، وأيضًا موجهة لكل من يتخاذل ويخرج عن الإجماع الوطني ويرتكب جريمة التفريط في حقوق الشعب اللبناني، وكانت الرسالة حاسمة بأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى الحقوق تنهب.
وهنا الرسالة هي أكبر رسالة دعم للمفاوض اللبناني الذي يجب أن يستند الى هذه القوة التي وفرتها المقاومة من جهة، وأكبر حجة على كل من تسول له نفسه التخاذل والتواطؤ مع العدو، من جهة أخرى.
ثالثًا: أبدت المقاومة جهوزيتها للعملية العسكرية الخاصة بمنع العدو من الاستخراج والنهب، وأوصلت رسالة بأنها درست الخيارات المختلفة وأعلنت أنها لديها الضمانات لنجاح العملية العسكرية، ويعلم العدو جيدًا أن المقاومة لا تستخدم شعارات جوفاء وإنما هي المقاومة صاحبة الوعد الصادق.
رابعًا: أبدت المقاومة جهوزيتها لجميع التطورات والانزلاقات ولوّحت بأن لبنان لن يكون بمفرده، وأن المواجهة ستكون وجودية، وهو ما يعني أن رؤية المقاومة شمولية للخطوة الصهيونية وأنها تتخطى حدود نهب لبنان وثرواته، لتصل إلى محاولة المساس بمصداقية محور المقاومة وفرض الأمر الواقع، وهو ما لن تسمح به المقاومة وما لن يسمح به المحور ككل، حيث قام المحور بتثبيت قواعد للاشتباك تجاوزت فرض الأمر الواقع الذي كان ينتمي لأزمنة غابرة في الصراع.
خامسًا: وسعت المقاومة دائرة الاشتباك بحيث تشمل داعمي الكيان الصهيوني من الشركات أو الكيانات وحملتهم مسؤولية العدوان على لبنان وثرواته، وهو إجهاض لما يحاول أن يصوره الكيان الصهيوني على أنها انجازات جيوستراتيجية وهمية.
سادسًا: أبرزت المقاومة عامل الوقت باعتباره عاملا حاسما في هذه القضية، وهو ما يعني أن القضية لا تحتمل السجالات أو التحايل أو الرهانات، وهنا فإن الرسالة في غاية الجدية والحسم بها يجب أن يكون عاجلًا وفوريًا.
لا شك أن ربط السيد نصر الله لهذه القضية بقضية التحرير في العام 2000 هو ربط ينطوي على دلالات ينبغي تأملها واستيعابها، فهو كما يحمل ثقة بالنصر والنجاح، يحمل أيضا إشارات لانسحاب ايهود باراك من لبنان ودحر قواته وعملائه الذين عملوا لصالح العدو دون اتفاق، أي أن هذه القضية أيضا ستهزم العدو هو وعملاءه بالداخل اللبناني، ودون اتفاقات أو أوهام بالتطبيع مع الكيان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024