آراء وتحليلات
الطبقة الوسطى تتلاشى في لبنان
د. محمود جباعي
ما زال لبنان منذ أيلول/ سبتمبر عام 2019 يعاني من أكبر أزمة اقتصادية ومالية منذ نشأته، وتؤثر بشكل مباشر على الحياة المعيشية لمعظم مواطنيه بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بصورة كبيرة جداً.
مؤشر الأسعار أصبح أعلى بكثر من حجم الرواتب والأجور التي يتقاضاها معظم العاملين في القطاعين العام والخاص، علمًا أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لبداية سنة 2022 سجل ارتفاعًا وقدره 239.69 % بالنسبة لبداية سنة 2021. أما مؤشر الرواتب والأجور فلم يرتفع أكثر من 20 % كمعدل وسطي بين عامي 2021 و2022 مما يؤكد أن لبنان بات اليوم من بين أكثر دول العالم غلاءً مقارنة بين مؤشر الأسعار ومؤشر الأجور. وهذا يعني أن حجم الطبقة الوسطى في لبنان بدأ بالتقلص بشكل كبير ما ينذر باقتراب لبنان من الوصول الى معدلات كبيرة جداً من الفقر قد تتخطى حدود الـ 60 % من نسبة السكان اللبنانيين المقيمين في البلد وهذا ينذر بدوره باقتراب وصول شبح المجاعة قريبًا الى منازل العديد من الأسر اللبنانية.
الأسعار تتضاعف بصورة مرعبة
إن المعدل الوسطي لارتفاع الأسعار وصل إلى أكثر من 800 % تقريبًا مقارنة بالمعدل الوسطي للأسعار في عام 2019 ومن المتوقع أن يتخطى حدود الـ 1000 % وفقًا لكل المعطيات والاحصاءات الرقمية خاصةً مع استمرار ارتفاع أسعار المحروقات من بنزين ومازوت حيث تخطى سعر صفيحة البنزين عتبة 600 ألف ليرة وسعر صفيحة المازوت عتبة 700 الف ليرة، ولهذا الارتفاع تأثير مباشر على ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار اشتراكات المولدات الكهربائية التي وصل سعر اشتراك 5 أمبير فيها الى حدود 4 ملايين ليرة.
إن التضخم الكبير الحاصل في أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات الأخرى مرتبط بالدرجة الأولى بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وخسارتها لقيمتها التي وصلت الى حدود 96% منذ آواخر عام 2019 الى اليوم. ومن المتوقع بحسب كل الاحصاءات والدراسات أن يستمر هذا التضخم خاصة مع توقع المزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة وكذلك مع رفع الدعم المطلق من قبل الدولة، وأيضًا بفعل غياب أي إجراء فعلي من قبل المعنيين في البلاد، علمًا أن ارتفاع الأسعار هو أمر طبيعي في ظل الأزمة الحالية ولكن بالتأكيد آلية التسعير غير منطقية ويوجد فيها خلل جذري متمثل بعدم وجود جهة رسمية تحدد الأسعار وارتفاعها بشكل موضوعي لأن ارتفاع الأسعار اليومي قطعًا هو أكثر من ارتفاع سعر صرف الدولار بفعل التخبط اليومي في سعر الصرف وعدم استقراره.
من ينقذ الطبقة الوسطى في لبنان؟
من الواضح أن الطبقة الوسطى في لبنان أصبحت في خطر وجودي بفعل الانهيارات المتتالية في القدرة الشرائية للمداخيل بسبب ارتفاع معدل التضخم المالي العام والذي تخطى حدود الـ 800 % منذ بداية الازمة، حيث كانت الطبقة الوسطى تشكل أكثر من 50 % من نسبة السكان المقيمين في لبنان بينما تقلصت اليوم الى حدود الـ 25% بظل المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان. علمًا أن الحفاظ على الطبقة الوسطى وزيادة حجمها يجب أن يعتبر من أولويات أي حكومة محلية في أي بلد في العالم لأن المواطنين في هذه الطبقة هم العمود الفقري لطبقة العمال المنتجة والفعالة والتي بدورها تساهم في تعزيز الناتج المحلي الاجمالي الذي يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي للدول.
من هنا وجب على الدولة اللبنانية وضع خطة عاجلة لحماية هذه الطبقة وانقاذها من خلال تفعيل القطاعات المنتجة في البلاد عبر دعم انشاء مشاريع متوسطة وصغيرة وقروض ميسرة وحوافز ضريبية، كذلك من خلال تخفيف الهوة بين مؤشر الأسعار ومؤشر الأجور عبر تنويع مصادر الدخل للقوى العاملة من جهة ومراقبة الأسعار وتعزيز المنافسة من أجل القضاء على الاحتكار من جهة اخرى وإلا فمع كل أسف هذه الطبقة ستتلاشى في القريب العاجل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024