معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عملية
18/03/2019

عملية "اريئيل" تُعمِّق أزمة نتنياهو وتستنهض الشارع الفلسطيني

جهاد حيدر

انطوت العملية البطولية التي نفذها مقاوم فلسطيني قرب مستوطنة "اريئيل" في الضفة الغربية، وأدت الى مقتل وجرح العديد من الجنود والمستوطنين، على أكثر من رسالة وباتجاهات متعددة. فقد كانت قاسية في أدائها ونتائجها، ومدوية في دلالاتها ورسائلها التي ترددت أصداؤها في مختلف أرجاء الكيان.

الدلالة الأولى التي حضرت بقوة في وسائل الاعلام الاسرائيلية، وعلى المستويين السياسي والأمني، هي نتائج العملية القاسية التي هزت الكيان وهيمنت على الأجواء العامة. وما أضفى عليها مزيداً من "التشويق" التكتيك الذي اتبعه المقاوم الفلسطيني، حتى بدا وكأن ما جرى هو من قصص هوليوود. فقد أكدت المعطيات الاسرائيلية أن العملية من تخطيط وتنفيذ "شخص واحد"، "بارد الأعصاب بشكل غير عادي وحازم"، ورجحت أن يكون قد تلقى "تدريبًا عسكريًا"، فقد اقترب المنفذ من مجموعة جنود تعمل على تأمين إحدى محطات الحافلات التي تقع عند مفرق مدخل مستوطنة "أريئيل"، فيما كان يخفي سكينًا في ثيابه حتى لحظة اقترابه من الجندي، حيث استل سكينه وطعنه طعنة قاتلة، واستولى على سلاحه وأطلق النار باتجاه الجنود الذين تواجدوا في المحطة. وبحسب المعلومات، فإن المنفذ استقل مركبةً هرب صاحبها منها قرب المحطة وقادها غربًا عدة كيلومترات باتجاه مفرق "جيتي أفيشار" جنوب نابلس، وهناك أطلق النار على مستوطنين تواجدوا في محطة حافلات، وتابع تقدمه حتى اقترب من المنطقة الصناعية الاستيطانية "بركان"، حيث شعر أن المركبة باتت تشكل تهديدًا عليه، فركنها على جانب الطريق، وتابع سيرًا على القدمين.

نتيجة هذا الاداء، خلصت التقديرات الى أن المنفذ تلقى تدريبًا عسكريًا جيدًا، ويعرف تفاصيل المنطقة، والبيئة المحيطة جيدًا، ما مكّنه من الاختباء والاختفاء عن قوات الاحتلال التي شرعت بمطاردته وأطلقت الرصاص الحي باتجاهات عديدة خلال عملية البحث.

تنفيذ العملية في منطقة الضفة الغربية، يشكل ثقلاً اضافياً على مؤسسة القرار، خاصة وأنها تمثل تكتيكا عملانياً يقيِّد العدو الاسرائيلي في ردود أفعاله، الى حد ما. أضف الى ذلك أن استهداف منطقة مستوطنة "اريئيل" المعروفة بتشددها، يشكل بذاته ضربة قاسية للمشروع الاستيطاني، فضلاً عن الصفعة التي تلقتها الأجهزة الأمنية الاسرائيلية.

مع ذلك، فإن تنفيذ العملية في ذروة الحملة الانتخابية، يرتب عليها نتائج سياسية اضافية، كونها تقوِّض مصداقية بنيامين نتنياهو في امكانية الجمع بين الاحتلال والأمن، وتبدد مقولة ان التشدد يمكن من خلاله قمع الشعب الفلسطيني. فضلاً عن أن تنفيذها بعد الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، في أعقاب اطلاق الصاروخين على منطقة غوش دان، يؤكد لقادة العدو، بشكل ملموس، امتلاك المقاومة العديد من الخيارات والأوراق التي يمكن من خلالها أن توجه ضربات مؤلمة له تحت سقف المعادلة القائمة الآن.

مع ذلك، فإن وعيد نتنياهو بالرد على العملية عبر توجيه المزيد من الضربات ليس إلا محاولة لاحتواء مفاعيل العملية، بهدف كسب تأييد الجمهور اليميني المتشدد. لكنه يدرك أنه لا في الماضي نجحت هذه الضربات في الحؤول دون تنفيذ مثل هذه العمليات، ولا الآن يمكن لها أن تنجح ايضا.  والواقع أن هذه العملية، عمَّقت أزمة نتنياهو السياسية، وهو يواجه خطر ادانته في المحكمة وامكانية سجنه، لكنها قد تجعله أكثر تطرفاً على المستويين السياسي والأمني.

قبل العملية كان القادة الاسرائيليون يكثرون الحديث عن فعالية قوة الردع الاسرائيلية، والاجراءات الأمنية المتخذة في الضفة الغربية، لكن تنفيذ هذه العملية شكَّل رداً على كل المزاعم الاسرائيلية. ويتركز القلق الاسرائيلي الآن في حالة الاستنهاض التي تحققها مثل هذه العمليات في صفوف الشباب الفلسطيني. وعلى هذه الخلفية، يتخوف الاسرائيليون من مفاعيل هذا النوع من العمليات على مسارين، الاول، تقويض الشعور بالأمن لدى الجنود وفي المستوطنات، وبدرجة لا تقل يخشون أيضا من أن تؤدي هذه العمليات الى تشجيع آخرين على تنفيذ عمليات مشابهة.

تبقى حقيقة أخرى، وهي أن العملية تشكل رداً موضوعياً على الانبطاح الخليجي، والاندفاع التطبيعي باتجاه الاحتلال الاسرائيلي، وتوجه رسالة الى كل من يعنيه الأمر، أن صفقة القرن لن تنجح في تصفية القضية الفلسطينية، بل إن الشعب الفلسطيني ومن ورائه محور المقاومة، قادران على تجويفها وتعطيل أهدافها ومنع محاولات تحويل كيان الاحتلال الى كيان طبيعي في المنطقة.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل