معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

زيارات أميركية ــ أطلسية لجورجيا.. ما الهدف؟
02/05/2022

زيارات أميركية ــ أطلسية لجورجيا.. ما الهدف؟

د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي

على الدوام شكلت الجمهوريات التي كانت تتبع للاتحاد السوفياتي سابقًا، هدفا أمريكيًا لسلخها عن الاتحاد الروسي، كان قد بدأ مع أوكرانيا، ولم ينته في كازاخستان (وحاليا عينها على جورجيا)، حيث تصبّ واشنطن اهتماماتها على هذه الدول، في محاولة للتغلغل فيها، وتحويلها الى قواعد متقدمة لمواجهة روسيا.

ومع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ازداد التركيز الامريكي ــ الاطلسي، بشكل كبير على هذه الجمهوريات وفي مقدمتها جورجيا التي أصبحت قبلة لمسؤولين وسياسيين من الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، حيث كان قد زارها في 21 نيسان/ أبريل الحالي وفد من الكونغرس الأمريكي" "لمناقشة تعزيز التحالف عبر الأطلسي".
 
الملفت في الأمر أن أعضاء الوفد التشريعي الأمريكي كانوا جميعًا من "الحزب الديمقراطي"، وترأسه رئيس اللجنة الفرعية للاعتمادات المعنية بعمليات الولايات والعمليات الخارجية، السيناتور كريستوفر كونز، إضافة الى آخرين. ما يجدر التوقف عنده كثيرًا، وتوقع تداعياته لاحقًا، هو اجتماع وفد الكونغرس في تبليسي مع مسؤولين حكوميين جورجيين وقادة المعارضة والمجتمع المدني، الذين عادة ما يكونون أداة واشنطن لافتعال الأحداث، والتحريض والتخطيط للانقلابات وزعزعة استقرار الدول (والثورات الملونة إلتي وقعت في عدد من البلدان بما فيها أوكرانيا خير شاهد على ذلك).
 
ما أهداف هذه الزيارة؟

عند التدقيق في كلام الوفد الأمريكي عن أهمية جورجيا لواشنطن، يتضح لنا أن الزيارة لم تكن عادية من حيث توقيتها أو الغاية منها، (انطلاقًا من هذه الأهمية) لا سيما أن أمريكا تنظر بعين الرضى والتقدير للموقف الجورجي المتشدد ــ الذي أثار انتباه المراقبين ـــ تجاه روسيا، على مستوى منطقة القوقاز والعالم.
 
النقطة الجوهرية في هذه الزيارة أن امريكا تتطلع إلى دور جورجي ما مستقبلًا في الأزمة الأوكرانية، وهو ما عبّر عنه السيناتور كونز خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي، حيث تحدث المشرّع الأمريكي عن "عدوان" روسيا على أوكرانيا، والرد الجورجي على الصراع. ولنلاحظ هنا مصطلح "الردّ".
 
أكثر من ذلك، اتّسمت الزيارة بطابع احتفائي امريكي للتعاطي الجورجي مع روسيا، إذ طغت عبارات المديح والثناء والشكر والامتنان والتقدير لمعارضتها القوية والصريحة للعمليات العسكرية للكرملين،  فضلا عن البيانات التي أصدرتها تبليسي في أعقاب هذه العلميات، والمساعدة التي تقدمها الى أوكرانيا.
 
كيف كان موقف جورجيا من موسكو مع بداية العملية العسكرية في أوكرانيا؟
 
ترى جورجيا أن "أوكرانيا تقاتل ليس فقط من أجل سيادتها وحريتها، وضد الهجوم الروسي عليها، لكن أيضا من أجل حرية وسلامة أوروبا بأسرها". وبناء على ذلك، اتسم الموقف الجورجي من خطوة روسيا العسكرية، بالحدةّ والانحياز العلني للغرب. فعلى الرغم من الحذر الشديد الذي تبديه الحكومة الجورجية عادة في التعامل مع روسيا، إلا أنها صوتت ضد موسكو في جميع المحافل الدولية الرئيسية، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.

ليس هذه فسحب، إذ شاركت تبليسي في رعاية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الذي اعترضت عليه روسيا) لدعم أوكرانيا، وذهبت بعيدًا في معاداتها لموسكو، وذلك من خلال دعمها لمبادرة الولايات المتحدة والدول الأوروبية للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في "جرائم الحرب الروسية المزعومة" في مدينة بوتشا الأوكرانية.

علاوة على ذلك، لم يتوقف التعاطي الجورجي الحاد مع موسكو عند هذا الحدّ، حيث فرضت تبليسي قيودا مالية غربية على الأفراد الروس والكيانات التي تعتبرها غير قانونية والمقيمة داخل جورجيا.

ما الذي تريده جورجيا مقابل تشددها مع موسكو؟
 
تعتبر جورجيا أن تصرفها كطرف في المواجهة مع روسيا يجب أن يقابله المزيد من الضمانات الأمنية من الغرب كون القوات الروسية المتمركزة في أوسيتيا الجنوبية لا تبعد سوى 40 كيلومترا عن العاصمة الجورجية.

وعليه، أبلغ المسؤولون الجورجيون الوفد الأمريكي، أن "تبليسي تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم واشنطن وإلى تمتين وتقوية العلاقات بين البلدين"، وهو ما أفصحت عنه الرئيسة زورابيشفيلي بعد مناقشتها مع وفد الكونغرس الأمريكي الزائر تطورات الاوضاع في المنطقة. حيث توجهت الى اعضاء الكونغرس قائلة "بمجيئكم إلى هنا، تؤكدون أن الشراكة الاستراتيجية بين جورجيا والولايات المتحدة ليست مجرد كلمة، بل هي حقيقة واقعة، فالولايات المتحدة وجورجيا تعملان معا لضمان أمن البحر الأسود واستقرار منطقة جنوب القوقاز".
 
وبحسب رؤية زورابيشفيلي، فإن قدوم الوفد الأمريكي لجورجيا، يّعد رسالة الى موسكو، مفادها أن تبليسي ليست لوحدها، وأن أحدا من حلفائها الغربيين لن يتخلى عن حريتها واستقلالها، خصوصًا أن الولايات المتحدة وجورجيا تعملان معًا لضمان أمن البحر الأسود واستقرار منطقة جنوب القوقاز.
 
الاكثر أهمية هو أن القيادة الجورجية، تتطلع الى نقل البلاد كاملة الى الضفة الأمريكية، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي غاريباشفيلي، أثناء اجتماعه مع المشرعين الأمريكيين، إذ أكد مجددًا استعداد حكومته "للتعاون الوثيق" من أجل زيادة تعزيز الشراكة الثنائية في مجالات الدفاع والتجارة والاقتصاد والاستثمار.

كما طمأن غاريباشفيلي ضيوفه الأمريكيين، بأنه بالامكان الاعتماد على جورجيا في المستقبل، فهي كانت ولا تزال شريكا قويا وموثوقا به للولايات المتحدة في منطقة البحر الأسود، وخارجها.
 
من هي الشخصية الأطلسية التي زارت جورجيا ايضا؟

بالتزامن مع زيارة الوفد الأمريكي، وصل جيمس أباثوراي، نائب الأمين العام المساعد لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى تبليسي لمناقشة دعم الحلف لجورجيا في ظل العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، والتأكيد (على سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها حلف شمال الأطلسي لاغراء الجورجيين) ، لا سيما وان أباثوراي شخصية رئيسية في تحديد سياسة الحلف تجاه جورجيا وجنوب القوقاز.

وبالمثل كرر أباثوراي وقوف دول "الناتو" وبذلهم المزيد من الجهد لدعم جورجيا التي وصفها باقرب الشركاء، وقال "لهذا السبب أنا هنا. نريد أن نشارك في جورجيا أيضًا، والتي من الواضح أنها تعاني بالفعل من صعوبات كبيرة من روسيا". وأضاف "يوجد بالفعل عدد كبير من أعضاء الناتو في جورجيا، لكننا نريد جلب المزيد من الناتو إلى جورجيا، والمزيد من جورجيا إلى الناتو".
 
ومع ذلك، فهذه التصريحات الداعمة لجورجيا من قبل سياسيين أميركيين وأوروبيين مؤثرين وكذلك مسؤولين في حلف شمال الأطلسي، لا تعني بحسب دبلوماسيين غربيين، أن جورجيا ستحصل قريبًا على خطة عمل للعضوية للانضمام إلى التحالف عبر الأطلسي أو أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي (والدليل اوكرانيا).
فجلّ ما في الأمر، أنه على خلفية الازمة الأوكرانية، نما اهتمام الغرب بجورجيا بشكل كبير لأن جورجيا تحتل موقعًا جغرافيًا رئيسيًا بالقرب من البحر الأسود وفي جنوب القوقاز.
 
ماذا عن الموقف الشعبي الجورجي من الغرب وروسيا؟
 
أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي نشرها المعهد الديمقراطي الوطني (NDI) في 21 نيسان/ أبريل  الماضي أن العمليات الروسية ضد أوكرانيا، أدت الى زيادة نسبة المواطنين الجورجيين، المؤيدين لمسار التقارب الجورجي مع الغرب.

وعلى ذمة "المعهد"، فقد ارتفع عدد أولئك الذين يدعون إلى علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي إلى 42 في المائة، بعد أن كانوا 29 في المائة في شباط الماضي. فيما انخفضت بالمقابل نسبة الذين يدعمون فكرة التعاون مع الاتحاد الروسي إلى 13 في المائة، بعد أن كانت 16 في المائة.
 
كما عارض (ودائما والكلام للمعهد) ما يقرب من ثلثي المواطنين الجورجيين (66 في المائة) إعطاء مواطني الاتحاد الروسي تأشيرات للقدوم إلى جورجيا، فيما أعرب حوالي 23 بالمائة فقط من المشاركين  عن تأييدهم لهذا الإجراء.

في المحصلة، بعد أن وضعت أمريكا أوكرانيا في دائرة النار الروسية، ها هي واشنطن، تحاول أن تحدث ثقبًا آخر في جدار الاتحاد الروسي، فهل تكون جورجيا حصان طروادة أمريكي آخر لتحقيق مخططات واشنطن الهادفة لتقويض نفوذ موسكو في منطقة القوقاز؟
الجواب في الأيام القادمة.

الناتو

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات