معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أوكرانيا تقسّم المانيا: لا دبابات لـ"كييف"
23/04/2022

أوكرانيا تقسّم المانيا: لا دبابات لـ"كييف"

د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي

لا يُحسد المستشار الالماني أولاف شولتز على الوضع الذي وجد نفسه فيه بسبب الضغوط التي يتعرض لها من الداخل والخارج، فضلا عن سهام النقد التي تأتيه من كل حدب وصوب بمن فيهم شركاؤه وحلفاؤه في الائتلاف الحاكم، وحتى من بعض اعضاء حزبه، وذلك على خلفية عدم موافقته ـ حتى الان ـ على منح اوكرانيا دبابات متطورة  لمواجهة روسيا.

كيف اثرت مطالب أوكرانيا بالدبابات على الائتلاف الحاكم في المانيا؟

مع بدء روسيا مرحلة جديدة من عملياتها العسكرية شرق أوكرانيا، ارتفعت الأصوات في المانيا مطلبة بمدّ الحكومة الاوكرانية بالمزيد من العتاد الحربي، وإلغاء قرار مجلس الوزراء الألماني بعدم "تصدير الأسلحة الثقيلة" في أقرب وقت ممكن.

يأتي على رأس هؤلاء شركاء شولتز في الحكم، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية أنالينا بربوك، وماري أغنيس ستراك زيمرمان ـ رئيسة لجنة الدفاع البرلمانية وأنطون هوفرايتر رئيس لجنة الشؤون الأوروبية. كذلك ضغط مشرعون بارزون من "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وهو حزب المعارضة الرئيسي، من أجل تزويد اوكرانيا بالدبابات.

اما الصفعة البارزة لشولتز، فقد جاءته من داخل بيته الحزبي، حيث شارك عدد من نواب "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" (اي حزبه) مع أعضاء  آخرين في البرلمان الالماني، في زيارة أوكرانيا الأسبوع الفائت، وقد ايد حينها الوفد مطالب كييف بالأسلحة الثقيلة.

كيف ينظر منتقدو المستشار الالماني الى مواقفه؟

بعيدا عن قضية الدبابات، هناك اجماع في المانيا، حول الحاجة لتولي برلين الزعامة الاوروبية، وسد الفراغ القيادي الذي تعاني منها القارة "العجوز" في هذه الفترة الحرجة، لا سيما مع تراجع الدور الفرنسي على الساحة الاوروبية والعالمية، وانصراف الرئيس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الى الاهتمام بتدعيم موقفه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لضمان حصوله على ولاية رئاسية جديدة. وعليه كان التعويل داخل المانيا ان يحتل شولتز هذا الفراغ. غير انه خيّب آمال الكثير من الالمان ولم يفعل ذلك.

يأخذ شركاء  شولتز وحتى معارضوه عليه، أنه تهرب إلى حد كبير من شرح موقفه من الأسلحة الثقيلة، وفوت فرصة وقف الجدل القائم حولها، وترك الباب مفتوحا امام التأويلات، وبالتالي تهرّب الاجابة بشكل، ينهي اللغط الدائر في المانيا.

وبناء على هذه النقطة، يجادل منتقدو شولتز، بأنه يحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر، إذ إنه من المهم أن تظهر ألمانيا "قيادتها" للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وألا تختبئ وراء دول أخرى.

لماذا يمتنع شولتز عن تزويد اوكرانيا بالدبابات؟

تحاذر الحكومة الالمانية، إعطاء موسكو الانطباع بأن برلين قد انخرطت عسكريا في الحرب ضد روسيا، من هنا يدافع سياسيون عن طريقة المستشار الالماني، القائمة على  تجنب  خطر الانجرار إلى حرب لن تضر ألمانيا فحسب، بل بحلفائها في حلف شمال الأطلسي.

ورغم ان برلين أرسلت بالفعل صواريخ ومدفعية إلى أوكرانيا، لكن كييف تريد أيضا مدفعية ثقيلة و100 دبابة من طراز" ليوبارد"، فضلا عن عربات مدرعة مثل "ماردر" التي تعتبر من بين الأفضل في العالم.

ولدحض مزاعم الشركاء والخصوم، يستشهد سياسيون من حزب شولتز بالإجراءات الضرورية  التي اتخذتها الحكومة، بعد انطلاق العمليات العسكرية الروسية،  حيث أعلن شولتز وقتها، عن إعادة تسليح ضخمة لألمانيا، تشمل حزمة مساعدات دفاعية لأوكرانيا، وقد شكل هذا الامر، قطيعة دراماتيكية مع عقود من السياسة السلمية التي كانت تنتهجها برلين، حتى ان المستشار الالماني نفسه، عدّها نقطة تحول تاريخية ـ لألمانيا.

إضافة الى ذلك، كرر شولتز خطة أعلن عنها الأسبوع الماضي، لتقديم مليار يورو (1.08 مليار دولار) كمساعدات عسكرية تسمح لأوكرانيا بشراء الأسلحة التي تحتاجها مباشرة من المصانع العسكرية الالمانية. ولفت المستشار الالماني الى إن برلين طلبت من مقاولي (شركات) الدفاع الألمان وضع قائمة بما يمكنهم توفيره بسرعة وأرسلتها إلى أوكرانيا. وأضاف أنه سيسمح لكييف أيضا بالشراء من دول حليفة أخرى.

كيف برر شولتز موقفه؟

برر شولتز،عدم استجابته لكل طلبات أوكرانيا، أنها تأتي مخافة ان يؤثر ذلك على تسليح ألمانيا نفسها، والتي لا يمكنها على حد قوله تحمل منح أوكرانيا المزيد من أسلحتها، خصوصا وانها لا تزال تفي بالتزاماتها الدفاعية الوطنية والتزامات "الناتو".

في الختام، ما يجدر التوقف عنده طويلا، هو انه وسط تصاعد التوترات بين برلين وكييف، كان لافتا جدا ردة الفعل الاوكرانية تجاه برلين، بعدما منعت اوكرانيا الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، من زيارة عاصمتها احتجاجًا على علاقاته التجارية الطويلة الأمد مع موسكو.

وبناء على ما تقدم، فإن اول ما يتبادر الى ذهن المرء السؤال التالي؟ إذا كانت برلين غير قادرة على رد الاهانة لكييف، وتستمر في "دلالِها"، فهل ستصمد حقا امام ضغوط واشنطن المطالبة بدعم كييف، ونتوقع منها القدرة على قيادة اوروبا؟ الاجابة في البيت الابيض. 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل