آراء وتحليلات
قمة بايدن ـ مودي: ما تفرّقه روسيا تجمعه الصين
د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي
حتى الآن، فشلت جميع الضغوط الأميركية، في دفع الهند الى تغيير موقفها من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والانخراط في حملة المقاطعة والعقوبات الدولية المفروضة عليها، والأهم جعلها توقف استيرادها للنفط من موسكو.
عكست نيودلهي تمسكها بموقفها في المحادثات الافتراضية التي أجراها (عبر تقنية الفيديو) الاثنين الماضي كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأظهرت تمسك الطرفين برؤيتهما وسياستهما ومقاربتهما للأزمة في أوكرانيا، مع محافظتهما على العلاقة الاستراتيجية وتحالفهما الوثيق في منطقتي المحيط الهادي والهندي بمواجهة الصين.
ماذا تريد واشنطن من الهند بالتحديد؟
في الواقع، تعتبر الولايات المتحدة ومعها أوروبا، أن الهند تتحدى ما تعتبر اجماعًا عالميًا يسعى إلى محاصرة روسيا ومعاقبتها بسبب عملياتها العسكرية في اوكرانيا، وذلك من خلال مساعدة الكرملين في الالتفاف على العقوبات. حيث تسعى الهند وروسيا إلى وضع آلية دفع بالروبية والروبل لتسهيل المبادلات التجارية وتجاوز العقوبات الغربية المفروضة على البنوك الروسية. ومع أن واشنطن تؤكد أنها لا تطالب الهند بالتوقف عن شراء النفط من روسيا، ولكنها فعليًا، تحث نيودلهي على عدم زيادة مشترياتها والتقليل منها.
المفارقة، أن الهند تعد ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم إذ تستورد 80 في المائة من نفطها من الخارج، وتأتي حوالي 2 إلى 3 في المائة فقط من مشترياتها من روسيا، والمثير أنها تستورد أكثر بأضعاف، أي حوالي 10 في المائة من الولايات المتحدة نفسها.
غير أنه أكثر ما يقلق أمريكا، ليس فقط تمنّع الهند عن الانضمام الى الجهود الأمريكية لشدّ الخناق العالمي على موسكو، بل أيضًا أنها اشترت هذا العام ما لا يقل عن 13 مليون برميل من النفط الخام الروسي بسعر مخفض، وهذا يمثل ارتفاعًا حادًا عن العام الماضي.
وأمام تشبث الهند بموقفها، عدّلت الادارة الامريكية في لهجتها بشأن واردات الهند من الطاقة من روسيا (في تحوّل كبير) وأشارت الى أن واردات الطاقة ليست محظورة من روسيا، ونيودلهي لا تنتهك العقوبات الأمريكية.
ليس هذا فحسب، وفي محاولة لاغراء الهند بالتخلي عن روسيا، عرض بايدن أثناء اللقاء المساعدة في تقليل اعتماد الهند الاستراتيجي على روسيا (تعد موسكو اكبر مورد للاسلحة للهند إضافة الى سلع اخرى)، كذلك رحب الرئيس الامريكي بالمساعدات الإنسانية الهندية لأوكرانيا. كما استطلع الطرفان (مودي وبايدن) المساهمة الهندية المحتملة في معالجة نقص الغذاء العالمي الناجم عن الحرب الأوكرانية.
ماذا عن موقف الهند المقابل؟
ترى نيودلهي، أن ضغط ادارة بايدن عليها لوقف شراء النفط من روسيا غير مقبول، وتنطلق في مقاربتها أن هذا قرار سيادي يعود لها حصرًا، وليس لأحد أن يملي عليها قراراتها التي ليست بوارد التراجع عنها، خصوصًا أنه ومن حقها السعي وراء مصالحها الخاصة كما تفعل كل دولة.
على المقلب الآخر، يتجاوز الاختلاف بين الهند والولايات المتحدة بشأن أوكرانيا مسألة النفط. فالهند استغرقت بعض الوقت للتصالح مع رد الفعل السياسي العنيف في الغرب ضد "فتح روسيا جبهة عسكرية" في قلب أوروبا.
إذ ان نيودلهي، اعتادت منذ فترة طويلة على النظر إلى أوروبا من خلال عيون روسية، لذا لم ترغب (لحظة اطلاق روسيا عمليتها العسكرية) التعبير عن رفضها لما قامت بها موسكو، واتخذت نهجًا متوازنًا يأخذ في عين الاعتبار علاقاتها مع كل من روسيا والعالم الغربي، وهو ما شاهدناه بامتناعها عن التصويت ضد روسيا في كل القرارت التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي، ومؤخرًا مجلس حقوق الانسان، وتسلحت بالحياد الذي ترجمته عبر المكالمات التي بادر اليها مودي مع كل من الرئيسين فلاديمير بوتين، و فولوديمير زيلينسكي في 24 و 26 شباط، ودعوة وزيرة الخارجية الهندية شرينغلا في 25 شباط، إلى "الحوار" و "وقف المعارك".
أكثر من ذلك، حتى عندما تطرقت المحادثات مع بايدن الى قضية "بوتشا" (حيث زعم الغرب أن الجيش الروسي ارتكب مجازر فيها) التي اعتقد الرئيس الأمريكي أنها قد تحرج الهند، لم يذكر الرئيس الهندي اسم روسيا لكنه أثار مخاوف بشأن ما حصل "بوتشا". حيث قال مودي وفقا لموقع Business-standard "في الآونة الأخيرة، كانت الأنباء عن قتل المدنيين الأبرياء في بوتشا مقلقة للغاية. لقد نددنا على الفور بعمليات القتل ودعونا إلى إجراء تحقيق مستقل"، حسب تعبيره.
ما هي نقاط الالتقاء بين الطرفين خلال القمة؟
بالرغم من الخلاف في الرؤى حول الأمن الأوروبي (على خلفية ما يجري في أوكرانيا)، وعدم مسايرة الهند لرغبة واشنطن بهذا الملف، الى أن تقارب مصالحهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أثبت أنه عميق ودائم. من هنا تفضل نيودلهي أن تركز واشنطن على القضية المشتركة التي تجمع بينهما أب مواجهة الصين، والبناء عليها، أكثر من الأزمة الأوكرانية.
وتبعًا لذلك، فإن سلة بايدن لم تكن فارغة كليًا بعد اللقاء، إذ حققت أمريكا انجازًا يصب في خانة تعزيز التعاون الصناعي الدفاعي في القطاع البحري، حيث اتفق الجانبان على استكشاف إمكانيات الاستفادة من أحواض بناء السفن الهندية لإصلاح وصيانة سفن القيادة البحرية الأمريكية.
ومع أن هذا الأمر يعد خطوة صغيرة نسبيًا، لكنها مهمة جدًا، إذ إنه من المتوقع ألا يؤدي ذلك إلى زيادة تعزيز التجارة الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة فحسب، بل سيجلب أيضًا، أعمالًا إضافية إلى أحواض بناء السفن الهندية. اضافة الى أنه يعتبر تطورًا نوعيًا، كونه سيسهل مهام الأسطول البحري الأمريكي، لأنه يوفر له محطة للصيانة في منتصف طريق رحلته نحو منطقة المحيطين الهندي والهادي.
الجدير بالذكر، أن القمة الافتراضية، كان قد سبقها اجتماع وزاري بين الطرفين، وقد أطلق عليها اسم 2+2 نظرًا لأنها ضمت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الحرب الأمريكي لويد أوستن، وعن الجانب الهندي وزير الشؤون الخارجية إس جايشانكار، ووزير الدفاع راجناث سينغ. وقد كشف الاجتماع عن أبعاد أوسع للعلاقة الثنائية - حيث تم تسليط الضوء على مجالات المشاركة في التعاون الفضائي الذي سيسمح للهند والولايات المتحدة بتبادل المعلومات حول النشاط المتزايد في الفضاء الخارجي.
في المحصلة، لا خيار أمام الولايات المتحدة، سوى التعايش مع موقف الهند، وتفهم عدم قدرتها على اتباع نهج أكثر تشددا تجاه خطوات روسيا، وتجنب اغضابها ــ في ظل المعركة التي تخوضها واشنطن مع موسكو، كذلك نظرا لحاجتها في تثبيت التحالف ضد الصين ــ لأن أي اجراء أمريكي انتقامي بحق نيودلهي، سيأتي بنتائج عكسية، ويدفعها الى التقرب والاعتماد أكثر على موسكو، وهو آخر ما يريده البيت الأبيض في هذا التوقيت.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024