معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ثقوب في الرقابة العسكرية الصهيونية
12/04/2022

ثقوب في الرقابة العسكرية الصهيونية

د. علي عبادي

فضحت عمليات المقاومة الفلسطينية الأخيرة في الداخل المحتل نقاط ضعف في أداء أجهزة الإحتلال العسكرية والأمنية التي تهافتت بصورة فوضوية للتصدي لمقاوم واحد كان يتنقل بين شارع وآخر لاصطياد أهدافه. مجموعة من وحدات النخبة التي تُعتبر رمز الإقتدار والسرية مثل "سييرت متكال" التابعة لرئاسة الأركان و"اليمام" التابعة للشرطة تم تداول صور لها عبر أجهزة الهاتف وهي تتحرك بشكل مكشوف (في العادة تغطّى وجوه أفرادها لمنع إظهار هويتهم) وعلى نحو غير منسق، الأمر الذي أدى الى كشف بعض الوجوه وأظهر أداء الوحدات على نحو ضعيف. وبعد انتشار الصور، وجهت سلطات الاحتلال عبر تطبيق واتس اب رسائل الى الصهاينة تطلب فيها إليهم عدم تناقل "الإشاعات" عبر مواقع التواصل، وخاصة تداول بعض الصور من مواقع العمليات، وكذلك التهديدات التي تصدر عن فصائل المقاومة بتنفيذ عمليات مماثلة.  

وأدت "الشائعات" المنتشرة عبر مواقع التواصل أثناء عملية "تل أبيب" الأخيرة الى توجيه جهود الأجهزة الأمنية الى مطاردات في مواقع عدة بحثاً عن المنفذ، وما صاحب ذلك من ضوضاء وهلع بين مستوطني المدينة، قبل أن يتضح أن المنفذ ما زال طليقاً في مكان آخر.

ويشير هذا الأمر مرة أخرى الى تحول في "المجتمع" الصهيوني ناتج عن معطى تكنولوجي يجتاح بقية أنحاء الكوكب، حيث أصبحت مواقع التواصل وتطبيقات الاخبار السريعة في الهواتف المحمولة الى مصدر أساسي للمعلومات لدى المستخدِمين. ويؤدي ذلك الى تراجع منسوب السيطرة الذي تمارسه الرقابة العسكرية منذ وقت طويل.

من المعلوم أن الأخبار الأمنية في الكيان المؤقت تخضع لرقابة مشدَّدة متوارَثة منذ عهد "الإنتداب" البريطاني. ذلك أن كل الأخبار والصور ذات الطابع الأمني لا بد أن تمر بجهاز الرقابة وتُدمغ - في حالة المصادقة على نشرها - بعبارة: "سُمح بالنشر"، للإشارة الى أنها معلومة كانت محل تحفظ مؤقت لدى الأجهزة التي تتحكم بمسارب المعلومات قبل أن تقرر الإفراج عنها.

هذه الثقافة الإعلامية متسالَم عليها مؤسَّسيًا وتعكس بنية "المجتمع" الصهيوني الذي جُبل على إعطاء أولوية للشأن العسكري والأمني وتقديسه لمنع "العدو" من الإفادة من المعلومات. إضافة الى ذلك، تُعتبر وسائل الإعلام في الكيان ممراً مقصوداً لتسريب الأجهزة الأمنية معلومات تخدم السياسات الصهيونية بهدف ردع "العدو" وإدخال انطباع في وعيه بأن الكيان يتمتع باليقظة الأمنية ويعلم الكثير عما يدور في المحيط بأسره. وفي بعض الحالات، إذا رأت الأجهزة الإستخبارية أن لا مصلحة في نشر معلومات حساسة عبر وسائل الإعلام الاسرائيلية، تسرَّب الى وسائل إعلام أجنبية (البريطانية مثلاً) لتجنب تبنيها مباشرة ولإضفاء مصداقية عليها كونها تأتي من الصحافة الأجنبية المرموقة.

تتبع الرقابة العسكرية على الصحافة والاتصالات سلاح الاستخبارات في جيش الإحتلال (المعروف باسم "أمان")، ومهمتها المراقبة المسبقة للأخبار ذات الصلة بأمن "إسرائيل". وهي تقوم بشطب ومنع نشر أي معلومات ترى أنها تمس أمن الدولة أو سلامة "الجمهور" والنظام العام، وهذه مصطلحات مطاطة تمكّنها من التدخل في ما يُنشر من تقارير ومعلومات مطبوعة ومذاعة ومتلفزة.

وللدلالة على دور الرقابة العسكرية في التحكم بالمعلومات، كشفت الحركة لحرية المعلومات أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية شطبت في الفترة الممتدة ما بين سنة 2011 وسنة 2016 نحو ألفي تقرير وخبر، كما تدخلت في نصوص 14 ألف خبر وهو ما يساوي 20% من مجمل الأخبار التي راجعتها قبل النشر، وأصدرت عام 2016 أمراً يُلزم بعض المدونين المعروفين (Bloggers) بتقديم نصوصهم للرقابة.
وإلى جانب الرقابة العسكرية، توجد "هيئة رؤساء التحرير" وهي آلية للرقابة الذاتية هدفها التنسيق بين وسائل الإعلام التقليدية والجهات الأمنية وصناع القرار.

كل هذه القيود أدت الى تراجع الثقة بالإعلام، وأشار تقرير "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" لسنة 2018 إلى أن 58% من أفراد الجمهور الاسرائيلي ما زالوا يعتقدون أن المؤسسة الإعلامية فاسدة، على رغم تحسن الثقة بالإعلام قياساً الى السنوات السابقة، وارتفاعها الى 31 % !

فهل تفتح المقاومة وعملياتها ثغرات جديدة وواسعة في أجهزة التحكم الصهيونية في عصر تطبيقات التواصل السريعة؟
 
 

مواقع التواصل الاجتماعيوسائل الإعلام

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل