معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

البرازيل دمرها صندوق النقد وأحياها الإقتصاد المنتج
12/04/2022

البرازيل دمرها صندوق النقد وأحياها الإقتصاد المنتج

د. محمود جباعي

يحاول القيمون على السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان ترسيخ مفهوم خاطىء جداً في أذهان معظم اللبنانيين وهو أن صندوق النقد يعتبر الملاذ الآمن والوحيد لخروج لبنان من أزماته المتفاقمة على الأصعدة الثلاثة التي يديرون شؤونها على مدى أكثر من ٣٠ عامًا، علماً أن نتائج سياستهم الكارثية لا تبشر بالخير ولا بالأمل الذي يحاولون جاهدين إقناع اللبنانيين فيه من خلال مؤسسة قروض دولية تدعى صندوق النقد الدولي. وتشير التجارب السابقة لهذه المؤسسة مع العديد من الدول إلى أن قروضها وشروطها كانت سبباً في تفاقم أزمات هذه البلدان ولم تكن أبداً سبيلاً إلى الحل كما حصل مع تجربة البرازيل التي عانى شعبها من كوارث معيشية واقتصادية بسبب صندوق النقد قبل أن تقرر الدولة البرازيلية التخلي عن هذه الشروط والمضي قدماً نحو إعادة تفعيل النشاط الاقتصادي بمعزل عن قرارات صندوق النقد.

*تجربة البرازيل المريرة مع صندوق النقد

على الرغم من استجابة البرازيل لكل شروط الصندوق من دون أي مخالفة، تفاقمت الأزمة المالية والاقتصادية أكثر من قبل بعد مساهمة شروط الصندوق في حصول تمركز فاضح للمداخيل حيث أصبح حوالي ١ بالمئة فقط من السكان يحصلون لوحدهم على أكثر من نصف الدخل القومي مما ساهم في تقليص الطبقة الوسطى وهبط ملايين المواطنين البرازيلين تحت خط الفقر. مما دفع الحكومة إلى الاقتراض من الصندوق مرة جديدة بقيمة ٥ ملايين دولار في إعتقاد منهم أن صندوق النقد كما يعتقد اللبنانيون الآن هو الخلاص الوحيد للخروج من أزماتهم. ولكن الحقيقة الصارخة كانت عكس ذلك حيث تدهورت الأمور بشكل أكبر وانتشر الفساد بصورة أوسع وتضاعف الدين العام حولي ١٠ مرات وانهارت العملة أكثر وأكثر مما وضع البرازيل ضمن الدول المفلسة فعلياً بسبب تماشيه مع قرارات الصندوق الذي تديره دول لا تريد أي صلاح لدولة مهمة جداَ في أميركا اللاتينية حتى لا تشكل خطرًا على مصالحهم في تلك المنطقة.

* التخلي عن الصندوق أعاد إنعاش الاقتصاد

استمر الاقتصاد البرازيلي بالتعثر حتى العام ٢٠٠٣ حيث انتخب البرازيلون رئيساً جديداَ وهو لولا دا سيلفا. وعمد الرئيس فوراً إلى التخلي عن العمل مع الصندوق الذي لم يجر للبلاد إلا الخراب والدمار وأطلق العمل ضمن خطة تعافي إقتصادي تعتمد على الاستثمار في قطاعات الزراعة والصناعة مستغلاً الأراضي الشاسعة التي تملكها الدولة مقدماَ حوافز ضريبية وتسهيلات للاستثمار مما جذب المستثمرين الأجانب والمغتربين البرازيليين الذين عاد منهم ما يقارب ٢ مليون نسمة من أجل العمل والاستثمار بعد الحوافز المفروضة من الدولة مما ساهم في حصول نتائج إقتصادية مذهلة حيث ارتفع الإنتاج وزاد معدل الصادرات وتوسعت الأرباح مما مكن البرازيل في غضون ٤ سنوات على تسديد كل القروض المتوجبة عليها بل حصل شيء أكبر من ذلك حيث استدان صندوق النقد الدولي مبلغ ١٤ مليار دولار من البرازيل نفسها بعد حصول الازمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨.

*خلاصة وعبر

البرازيل كانت نموذجًا حيًا عن سياسات صندوق النقد التي لا تخدم إلا مصالح مشغليه ولم تستطع الخروج من أزماتها إلا بالاعتماد على طاقتها المحلية عبر خطة تحفيزية مشجعة للاستثمار ومنفتحة على جميع العروض.. فهل يتعظ لبنان من هذه التجربة؟

 

البرازيلصندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة