آراء وتحليلات
تقارب النقاط بين ماكرون ولوبان.. والرئيس الأوفر حظًا
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
بعد أربعة أيام، أي في 10 أبريل/ نيسان الحالي، يتوجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المفضل في الجولة الأولى من الانتخابات، على أن تجري الجولة الثانية في 24 الجاري.
حتى الآن، ترجح جميع التقديرات واستطلاعات الرأي، فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولاية ثانية في قصر الإليزيه، رغم صعود زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الاستطلاعات، في كل من الجولتين الأولى والثانية.
ففي الأيام الـ 10 الماضية استخدم ماكرون سلاح التخويف من فوز لوبان، إذ أشار في تجمع كبير بالقرب من باريس السبت الماضي، إلى أن انتصار اليمين المتطرف في فرنسا من شأنه أن يتناسب مع نمط مقلق من "الفوضى العالمية الكبرى، الجيوسياسية والبيئية والصحية والاقتصادية".
لماذا لجأ ماكرون الى التهويل من وصول لوبان الى الرئاسة؟
لا شك أن استخدام الغلو وتكتيكات التخويف من قبل معسكر ماكرون، انما يدل على اهتزاز هذا المعسكر بعض الشيء، خصوصًا وأنه يحاول السعي جاهدًا لاستغلال أرقام الاستطلاعات لتنشيط قاعدته الناخبة.
فغداة بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا قبل ستة أسابيع، بدا فوز ماكرون مريحًا وأمرًا مؤكدًا، حيث صعد 7 نقاط في الجولة الأولى من الاستطلاعات في أسبوعين. غير أنه خلال الأسبوع الماضي، ضربت هزة من عدم اليقين بل وحتى الذعر المؤسسة السياسية الفرنسية، وذلك عندما وضع استطلاعان للرأي، من معهدي استطلاعات الرأي "إيلابي" و"إيفوب"، لوبان على بعد 5 نقاط مئوية من ماكرون في الجولة الثانية التي تضم مرشحين اثنين في 24 نيسان. وبالتوازي مع ذلك، لا تزال العديد من الاستطلاعات الأخرى تظهر فجوة 10-14 نقطة لصالح ماكرون.
ولكن لماذا يعتبر الحديث عن تقدم لوبان أقرب الى الوهم؟
على أرض الواقع، لم يكن هناك تحول في تقديرات الجولة الأولى من الاقتراع، فالتغيير كله كان داخل أقصى اليمين، حيث تقاسمت لوبان وإريك زمور فيما بينهما 32 في المائة من الدعم لمدة ثمانية أشهر. لكن في الأسابيع الأربعة الماضية، ارتفعت أسهم لوبان إلى ما بين 20-22 في المائة، فيما هبط زمور إلى 10 في المائة أو أقل.
وبالمثل، لم يحدث انهيار في توقعات نقاط الجولة الأولى لماكرون، بل حصل العكس. لمدة ثمانية أشهر أو أكثر، أظهرت استطلاعات الرأي الرئيس الفرنسي بشكل ثابت عند 23-24 في المائة. والمثير أنه بعد انطلاق المعارك في أوكرانيا، زادت النقاط بنسبة 30 في المائة في استطلاعات الرأي.
أما حاليًا فقد تراجعت إلى 27-28 في المئة، ومع ذلك لا يزال ماكرون متقدمًا بشكل كبير عن المستويات التي كان عليها قبل أوكرانيا ويتقدم بشكل مريح على لوبان، أي بشكل عام، عاد الاتجاه إلى 56 في المائة لماكرون مقابل 44 في المائة للوبان. وهذا يتقاطع مع معظم المؤشرات، التي تشير إلى تصدر ماكرون الانتخابات في الجولة الأولى، وفوزه في جولة الإعادة أيضًا بعد أسبوعين.
لماذا تقترب لوبان هذا العام من ماكرون الى هذا الحدّ مع الأسباب الوجيهة لفشلها مرة أخرى؟
مقارنة بعام 2017، تتمتع لوبان بصورة أكثر اعتدالًا، وقد ساهم جزئيًا بهذا الأمر المرشح المتطرف زمور، الذي زاد من أسهمها بشأن قضايا الهجرة والعرق والإسلام. وبعكس عام 2017، أصحبت لوبان تحظى بزخم في استطلاعات الرأي (حتى لو كان ذلك على حساب زمور في الغالب)، فلديها خزان من دعم اليمين المتطرف (زمور) والذي سينتقل إليها في الغالب في الجولة الثانية. زد على ذلك أن لوبان استغلت بذكاء قضية تكلفة المعيشة.
والأهم من ذلك كله، لم يعد بإمكان ماكرون الاعتماد على ما يسمى بالجبهة الجمهورية العريضة للتصويت ضد اليمين المتطرف في جولة الإعادة، حيث أقنع بعض ناخبي اليسار الراديكالي أنفسهم بأن ماكرون سيئ مثل لوبان.
من ناحية أخرى، فإن امتناع اليسار الكبير عن التصويت، وخاصة من قبل أنصار جان لوك ميلينشون وهو من اليسار المتشدد، قد تم حسابه بالفعل في استطلاعات الرأي، التي تظهر فجوة أضيق في الجولة الثانية بين ماكرون ولوبان هذا العام.
اللافت أنه، وفقًا لاستطلاع ضخم أجرته شركة إبسوس لصالح صحيفة لوموند الأسبوع الماضي، سيبقى نصف ناخبي ميلنشون في منازلهم.
من هي الأطراف التي ستصوت لماكرون؟
من المرجح أن ينتقل يساريون آخرون مرة أخرى إلى ماكرون، بما في ذلك 29 في المئة من الميلنشونيست، و37 في المئة من الشيوعيين، و65 في المئة من حزب "الخضر". وكذلك الحال بالنسبة لما يقرب من نصف الأصوات المتبقية من يمين الوسط، وحتى بعض الزموريين.
وعليه، وفي استطلاع إبسوس العميق، قال 50 في المائة ممن تم استجوابهم إنهم لن يصوتوا أبدًا للوبان، فيما ظهر الرقم المتوازن لماكرون وهو 38.5 بالمائة.
إضافة الى ذلك، هناك عامل آخر مهم يصب في صالح ماكرون، حيث يتركز دعم لوبان في المناطق التي تشهد عادة إقبالًا منخفضًا من قبل الناخبين لا سيما الشباب، الأقل تعليمًا والأقل ثراء، بينما ينصب التصويت لماكرون في الأجزاء التي يقبل فيها السكان على الاقتراع بشكل أكثر.
وفي حين أن لوبان كانت جيدة تاريخيًا في تعبئة ناخبيها، إلا أنها فشلت في "تحقيق طموحاتها" في كل انتخابات منذ نيسان 2017. وفي هذا السياق "أكدت" استطلاعات الرأي، انه في كل تصويت أجري في ذلك الوقت -سواء اكان برلمانيًا او اوروبيًا او بلديًا او قليميًا - فإن أجزاء من قاعدتها لم تشارك في التصويت أبدا.
وعليه، وللفوز في 24 نيسان، سيتعين عليها التفوق في استطلاعات الرأي. قد تكون هذه الانتخابات متقاربة - بشكل مخيف بالنسبة للبعض، لكن لا شيء يشير (حتى الآن) إلى أن لوبان قادرة على خلق أكبر صدمة في التاريخ السياسي الفرنسي الحديث.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024