آراء وتحليلات
هل تلقفت السعودية من صنعاء طوق النجاة؟
إسماعيل المحاقري
في أعقاب عملية كسر الحصار الأولى في الحادي عشر من شهر آذار/ مارس الجاري كتبت مقالًا بعنوان اليمن ومعادلة "النفط مقابل الحصار" من يصرخ أولًا؟ وكان الصراخ السعودي أكبر مما توقعته حينها مع تجدد الضربات في العمق السعودي بعملية كسر الحصار الثانية بصواريخ مجنحة وطائرات باليستية دكت منشآت أرامكو النفطية في أكثر من مدينة، إذ سارعت الخارجية السعودية على وقع العملية بحجم تسارع الأحداث لمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل بحزم لوقف ما أسمته الهجمات "الحوثية" مخلية مسؤوليتها من زيادة الاضطرابات في أسواق النفط العالمية هروبا من أي استحقاقات أمريكية لإجبارها على زيادة الإنتاج للحد من تداعيات الازمة الأوكرانية والعقوبات المفروضة على موسكو.
المؤشرات ما بعد العمليتين رغم فاعليتهما وتأثيرهما على عصب الاقتصاد السعودي والعالمي لم توحيا بأن المملكة في وارد السلام، وأن حكامها بصدد مغادرة مربع الغطرسة والاستكبار بالإمعان في الحصار واحتجاز السفن النفطية، وبتجاهل حقيقة أن السلام لا يعني شيئا إذا لم يكن الجانب الإنساني على مقدماته وفي السطور الأولى من اهتماماته.
وتنفيذا لتهديدات القوات المسلحة اليمنية وتحذيراتها من مغبة التمادي في تعميق الأزمة اليمنية أضاءت صواريخ اليمن وطائراته المسيرة مجددا ليل السعودية الحالك، بعملية كسر الحصار الثالثة، الأوسع والأكثر فاعلية في هذه المرحلة والتي وصل صداها إلى العالم أجمع، بإعادة ضرب منشآت أرامكو في جدة ورأس تنورة ورابغ وجيزان ونجران، قبل أن تمتد لتطال أهدافا حيوية وحساسة في الرياض وظهران الجنوب وأبها وخميس مشيط.
وبطول أمد العدوان انتقلت الحرب إلى داخل المملكة، ذلك لم يعد محل نقاش وجدل، والإعلام السعودي الذي طالما عمد إلى إنكار وتحجيم الضربات اليمنية خلال الأعوام الماضية، أطلق العنان لفضائياته لتنقل مشهدية السحب الدخانية وهي تغطي سماء جدة في ليلة رأس العام الثامن من العدوان، بفعل النيران المشتعلة في خزانات أرامكو بجدة على وقع الضربات اليمانية، وما هي إلا ساعات حتى اشتعلت أسعار النفط لتتجاوز مئة وعشرين دولارا للبرميل.
المشهدية كانت صادمة للنظام السعودي ومشغليه، وهي أوضح رسالة بأن عاصفة الحزم المزعومة هي أبعد ما تكون عن الحسم اليوم، ولأنها كذلك اتجهت السلطة في صنعاء ممثلة برئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط من منطلق القوة والاقتدار لأن ترمي بطوق النجاة للسعودية، لدفعها إلى الخروج من المستنقع اليمني بقليل من ماء الوجه بالإعلان عن مبادرة أحادية الجانب كخطوة عملية تبني الثقة وتنقل الجميع من مربع القول إلى الفعل.
وفي ظل التأكيد أن ما بعد عمليات كسر الحصار بمراحلها الثلاث لن يكون كما قبلها أعلن الرئيس المشاط تعليق الضربات الصاروخية والطيران المسير والأعمال العسكرية كافة باتجاه السعودية برا وبحرا وجوا لمدة ثلاثة أيام، ولنفس المدة وقف المواجهات في عموم الجبهات الميدانية وتشمل مارب تحت سقف مبادرة السيد القائد وسط استعداد صنعاء لتحويل هذا الإعلان لالتزام نهائي وثابت إذا التزمت السعودية بإنهاء الحصار ووقف غاراتها على اليمن بشكل نهائي وسارعت لسحب جميع القوات الخارجية من أراضينا ومياهنا ووقف دعم مليشياتها المحلية في بلادنا.
في دلالات المبادرة وتوقيتها ما يعزز حقيقة أن صنعاء مع السلام العادل والشامل الذي يحفظ استقلال البلد وكرامة وحرية شعبه، وليست ضده كما يحلو لأمريكا أن تصوره، وتروج له، كذلك عامل الوقت ليس للسعودية فيه متسع ونحن على اعتاب مرحلة جديدة من التصعيد اليد الطولى فيها للشعب اليمني.
المبادرة لم تغفل أيضا أن تسمي الأشياء بمسمياتها، فالسعودية طرف معتدٍ وليس وسيطا للسلام، وتحت هذه القاعدة على الأمم المتحدة أن تبني مواقفها ورؤاها المستقبلية إذا أرادت أن تخطو للأمام لإيجاد الحلول العادلة للأزمة الأشد في العالم.
من الناحية العسكرية أشارت المبادرة إلى أن اليمن فرض تحولا كبيرا في موازين القوى، والتأثير العابر للقارات بما تسجله ضرباته على منشآت أرامكو من قلق دولي واضطرابات متسارعة صعودا في أسواق سعر النفط، وهذا يعني للغرب الكثير، ومن كان حريصا على أمنه الاقتصادي عليه أن يقر بمظلومية الشعب اليمني وحقه المشروع في الدفاع عن النفس.
في المبدأ رسمت المبادرة ملامح المرحلة القادمة وتؤكد أن اليمن لن يقبل بغير وقف العدوان والحصار، وإنهاء الاحتلال بديلا، ليأتي الدور على مرحلة جبر الضرر ومعالجة تداعيات الحرب في مختلف جوانبها من قبل الدول التي باشرت العدوان ومولته ودعمته، قبل أن تجد نفسها في مأزق الاستمرار أو الرجوع كخيارين أحلاهما مر، وإن كان الرجوع أسلم. وقبيل انتهاء المهلة اليمنية بساعات، أعلنت قيادة العدوان على اليمن وقف ما أسمته "العمليات العسكرية استجابة لدعوة أمين عام مجلس التعاون الخليجي تزامناً مع انطلاق المشاورات اليمنية - اليمنية، بهدف تهيئة الظروف لإنجاح المشاورات وخلق بيئة إيجابية خلال شهر رمضان"، دون الحديث عن الشرط اليمني لوقف النار وهو رفع الحصار.
وبذلك تتضح رغبة السعودية في وقف إطلاق النار، مع الإبقاء على شروط عسكرة الملف الإنساني، وهذا الأمر غير مقبول، تحت أي ظرف من الظروف، والعام الثامن من الصمود كفيل بتغيير كل السياسات والأساليب العدائية، ومن عنوانه يبدو أنه سيكون حافلا بالمفاجآت والتحولات والأعمال الدفاعية النوعية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024