آراء وتحليلات
حفظ إيران لأمنها القومي.. تعامل بالمثل
د.علي .أ.مطر
يعد أمن أي دولة جزءاً من منظومة العلاقات الدّوليّة، وهو ما يتم التركّيز من خلاله على حفظ أمن الدولة ضدّ المخاطر الخارجية وتحرّكات الوحدات الأخرى في السّاحة الدّوليّة. وقد برز تعبير الأمن القوميّ على الصعيد السّياسيّ بشكله الواضح في العصر الحديث، وارتبط بالأحداث العسكريّة على وجه الخصوص، وبالتّوازنات الاستراتيجيّة وصراعات القوى.
كما ارتبط ظهوره بعوامل الجغرافيا السياسيّة (القارات، المناطق المحيطة بالبحار، المناطق دون الأقاليم). وينطلق تعريف الأمن القومي للدولة من اعتباره السعي إلى حماية سيادة الدّولة وحدودها الجغرافيّة وحماية مواردها الشاملة الإنسانيّة والاقتصاديّة والبيئيّة، من خلال ما تملك من قدراتٍ على كافّة المستويّات المتعلّقة بهذه الموارد. ويكون مفتاح ذلك التّفاعل بين الدّولة والشّعب، لحماية هذه الثّروات، من خلال تأمين بيئةٍ داخليّةٍ وخارجيّةٍ. وتسمح هذه الحماية بمواجهة كلّ التّحدّيات المحتملة للدّولة.
ويعرّف هنري كيسنجر الأمن بأنّه "أيُّ تصرفٍ يسعى المجتمع عن طريقه لتحقيق حقِّه في البقاء"، أو هو " القدرةُ على التّحرّر من تهديدٍ رئيسيٍّ للقيم العليّا الفرديّة والجماعيّة، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على حقّ البقاء على الأقلّ، أو هو غياب التّهديد للقيم الأساسيّة."
وبحسب دائرة المعارف البريطانية؛ فإّنه يعني "حماية الأمّة من خطر القهر على يد قوّةٍ أجنبيّة".
وهناك من يرى أنّ الأمن قائمٌ فقط على القوّة العسكريّة، واستخدام القوّات المسلّحة لمنع التّهديد الخارجيّ، ويرى أصحاب هذه المدرسة الجانب العسكريّ أنّه العامل الأساسيّ في عمليّة بناء القدرة والأكثر أهمّية وحسماً في تحقيق الأمن.
وكذلك ينطلق "بيركو ويتز" و"بوك" في تعريفهما للأمن من اعتباره "قدرة الدّولة على حماية قيمها الدّاخليّة من التّهديدات الخارجيّة".
ويعد الركن العسكريّ للأمن الوطنيّ أو الإقليميّ، من أهم أركان الأمن القومي للدولة، وهو العامل الذّي يعني في مُجمله كلّ الإجراءات التّي من شأنها أن تحقّق أمن الدّولة ضدّ العدوان الخارجيّ. ويعتمد على عدّة ركائز تُمثّل إدراك التّهديدات سواء الخارجيّة منها أو الداخليّة، ومن ثمّ رسم استراتيجيةٍ لتنمية قوّة الدّولة، بالإضافة إلى توفير القدرة على مواجهة التّهديدات الخارجيّة والدّاخليّة ببناء القوّة المسلّحة وقوّة الشّرطة، وأخيراً إعداد سيناريوهات للتهديدات الداخليّة والخارجيّة، واتخاذ إجراءاتٍ لمواجهتها.
الحق الإيراني
من هنا يأتي حق الجمهورية الإسلامية في إيران، بحماية أمنها القومي من التهديدات الخارجية، خاصةً أن هناك مساعيَ واضحة لتقويضه من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والكيان الصهيوني المؤقت، الذي بدأ يعمل على حدودها بشكل فعال لضرب استقرارها وذلك من خلال تواجده في إقليم كردستان، والذي لا يعد جديداً بالنسبة للعلاقات الإسرائيلية ـ الكردستانية، حيث توطدت العلاقات بين الكيانين خلال زيارات مصطفى برزاني لفلسطين المحتلة في عامي 1968 و1973، فضلاً عن أن الإقليم يعد شريكاً أساسياً للولايات المتحدة الأميركية في العراق، وتربطه فيها مصالح نفطية. وبحسب بعض التقارير فقد تم استحداث مديرية الشؤون اليهودية داخل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الكردية في عام 2015، واعترفت "إسرائيل" في تلك الفترة بأن 75 في المئة من الوقود الذي تستورده كان يأتي من كردستان العراق، فضلاً عن إقامة مؤتمر للتطبيع فيها.
وقد حذرت طهران مراراً السلطات العراقية والكردستانية من أنه لا ينبغي استخدام أراضي العراق من قبل أطراف ثالثة لشن هجمات على إيران التي دائماً ما كانت تتوجس من الوجود الصهيوني في الإقليم، لذلك دائماً ما كانت تتابع هذا الموضوع، وقد بلغت الخطورة ذروتها نتيجة استخدام الموساد الإسرائيلي للأراضي العراقية كمنطلق لاستهداف إيران بإعلان رسمي بعد استهدف "كرمنشاه"، وهذا دفع الأخيرة للرد بالمثل على استهدافها من خلال الصواريخ على مركز الموساد في إربيل.
لقد تحول إقليم كردستان إلى أرض يستخدمها الكيان الصهيوني للعمل العدواني ضد إيران. ومن المسلم به أن هذه الأعمال هي أخطر شكل من أشكال اللجوء غير المشروع للقوة. وفي إطار النظام الدولي السائد منذ معاهدة ويستفاليا سنة 1648 وتأكيد سيادة الدولة، فالعدوان هو أخطر جريمة يمكن ارتكابها، حيث يمكن أن يقوِّض وجود الدولة وسلامة أراضيها، وعلى هذا النحو يقوِّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي.
ومن أعمال العدوان قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها الإقليمي المذكور، إلى ما بعد نهاية الاتفاق؛ وسماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة، وكذلك إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قِبَل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعددة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.
وبالتالي من خلال تنفيذ هذه العملية الصاروخية، فإن إيران تؤكد قرارها الواضح والحاسم، بحفظ أمنها القومي، والردّ على الجرائم الإسرائيلية والأميركية في أي ساحة من الساحات، بالطريقة التي تراها مناسبة، حيث إن حفظ الأمن القومي هو قاعدة ثابتة تتعامل فيها الدول، وكما تقوم أميركا والكيان الصهيوني بتقديم ادعاءات حول تهديد أمنهما القومي ويستخدمان قواتهما لحفظه، كذلك يحق لإيران حفظ أمن بلدها، وهذا ما أكدت إيران أنه ليس مساً بسيادة العراق، بل هو دفاع عن أمنها القومي، الذي يعد خطاً أحمر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024