آراء وتحليلات
هل يأتي زيلنسكي بخراب أوكرانيا وأوروبا على حد سواء؟
عبير بسّام
في النظام العالمي المستجد خلال العشرين عامًا الماضية، لم تعد أميركا قادرة على دعم نمط الدكتاتوريات العسكرية كتلك التي فرضتها في أمريكا الجنوبية في ستينيات القرن الماضي كبديل لنظام وطني منتخب. ولكن أصبحت هناك حاجة لتبديل وجه النظام الغربي الجديد ولو عبر الثورات المفتعلة. ففي بوليفيا في العام 2019، جاءت جانين آنيز المدعومة من الولايات المتحدة، لرئاسة الحكومة المؤقتة في انقلاب عسكري، بمسمى ثورة، وبواجهة مدنية. كما كانت هناك تحركات مماثلة وفاشلة في كل من فنزويلا وكوبا. والأمر ينطبق على الثورة البرتقالية الأوكرانية، والتي أوصلت الممثل الكوميدي فولوديمير زيلنسكي إلى الحكم، مما يخبر بالكثير عن ماهية الثورة وعمن وراءها، فهي جاءت كواجهة لدعم الحركات العنصرية التي اجتاحت أوكرانيا. الأميركيون يفضلون المهرجين والفاسدين في الحكم، اذ يمكنونهم من وضع اليد على البلاد لاحقًا والتحكم بمفاصلها.
بحسب CNN، أهم ما يميز زيلنسكي أنه يهودي، وهذا ما عبر عنه بايدن في أحد خطاباته حين قال "أن يشهد العالم انتخاب رئيس يهودي في دولة مسيحية فإن هذا أمر يبعث على الأمل". وجود زيلنسكي الدمية بيد أميركا إنما يؤكد المحاولات الأميركية والغربية للتحكم في دول البحر الأسود وبحر قزوين لما تتميز به المنطقة من خزان طبيعي للغذاء العالمي وللثروات الباطنية وبخاصة النفط والغاز والفحم وعدد من المعادن الهامة في الصناعة.
من أهم هذه الدول روسيا بالتأكيد! ولا يمكننا نفي دور الأغنياء اليهود في هذا البلد والذين يشكلون دعمًا قويًا لأميركا و"إسرائيل". ويلعب يهود روسيا دورًا أساسيًا في العلاقة الحالية بين موسكو والكيان "الإسرائيلي"، وهم عميقو التأثير في الاقتصاد الروسي. والأمر ذاته ينطبق على يهود أوكرانيا، ورجال الأعمال اليهود منهم، وهم من أصحاب المليارات والذين يعملون في مفاصل أساسية باقتصاد أوكرانيا ومنها الفحم والتعدين. لكن، ما يكفي أن نعرفه هنا هو أن أهم رجال الصناعة والمال في دونيتسك هو اليهودي رينات أخميتوف، والذي انتقل من دعم زيلنسكي ليقف إلى جانب روسيا في المرحلة الحالية.
ملياردير كأخميتوف، يسيطر على مناجم الفحم الحجري وصناعة التعدين، يعتبر خسارة كبيرة لأوكرانيا. وهذا الانتقال يشكل إحدى نتائج السياسات التي انتهجها زيلنسكي عندما أدخل بلاده في صراع عبثي مع الروس. فدور زيلنسكي في المرحلة الحالية جليّ. المهرج يلعب دوره بسذاجة، وهو يدفع نحو إعادة تجميع الآلاف من اليهود الذين تحتاجهم "تل أبيب" من أجل إسكانهم في المستوطنات الفارغة التي تبنيها في النقب والضفة والقدس وفي الأراضي التي استولت عليها حديثًا. وبذا يمكننا أن نتساءل عن الدور "الإسرائيلي" في هذه المرحلة التاريخية. بحسب فرانس 24 في 12 آذار/ مارس فإن الصهاينة يتأهبون لاستقبال أكثر من 100 ألف من اليهود الأوكرانيين والروس اللاجئين، والذين سيتم نقلهم من مطار ياش في رومانيا عبر جسر جوي إلى فلسطين. وفي مقال نشرته وكالة بلومبيرغ، وفيه لقاء مع يهود روس، يظهر حجم الحملة من أجل دفع اليهود الروس للهجرة نحو فلسطين.
زيلنسكي يحوّل اوكرانيا الى "بؤرة" مرتزقة
بالمقابل ستصدر "اسرائيل" لأوكرانيا عوضًا عن اليهود المستقدمين إلى فلسطين، مرتزقة يحاربون مع قواتها. وهذه مساهمة "إسرائيلية" في الحرب وفي رفد أوكرانيا بمرتزقة. وبالمقابل يقاتل ضمن صفوف الجيش الأوكراني مرتزقة من دول مختلفة من بينهم من وصفهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"النازيين الجدد" ككتيبة آزوف المؤلفة من العنصريين النازيين الأوكرانيين، الذين تدربوا على أيدي "الناتو" وارتكبوا المذابح والمجازر بمواطنين من أصول روسية في الدونباس.
ويبدو أن فرص العمل الجديدة تنتظر مرتزقة "مؤسسة بلاك ووتر"، التي عرض مؤسسها، إريك برنس، بحسب مجلة التايم البريطانية في السابع من هذا الشهر على أوكرانيا صفقات دفاعية ضخمة من أجل القتال إلى جانب القوميين العنصريين. بلاك ووتر، ارتكبت جرائم بحق المدنيين في العراق وفي كل مكان حلت فيه. وقد كشفت التايم عن رصد مبلغ وقدره 10 بلايين دولار من أجل بناء مصانع للأسلحة وتشكيل جيش خاص من المرتزقة في اوكرانيا.
إضافة إلى ما سبق، تلعب تركيا تلعب دورًا من خلال تواجدها في "الناتو"، ودورها كوسيط في نقل آلاف المقاتلين الإرهابيين، والذين سيقاتلون ضد الجيش الروسي. وهذا امر كشفته وسائل الإعلام كروسيا اليوم ودويتشه فيله.
في سياق متصل، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد خطابته الأخيرة عن إعادة تجميع الإرهابيين، وكشفت المخابرات الروسية الدور الذي تلعبه المخابرات الأميركية في إعادة تجميع "داعش" في شرق الفرات والتنف لإرسالها إلى أوكرانيا لقتال روسيا.
إن تجميع هذا العدد الهائل من المرتزقة والإرهابيين على الأراضي الأوكرانية لن ينعكس ايجابًا على اوروبا. فهذه المجموعات عادة ما تنحرف عن الخطط المحددة لها. وفي نظرة سريعة إلى ما يحدث مع الإرهابيين في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، يمكننا أن نفهم إلى أين ستؤول الأمور في أوكرانيا: الحرب في أفغانستان امتدت من التسعينيات وحتى اليوم، وفي العراق من 2003 وحتى اليوم، وفي سوريا وليبيا منذ 2014 وحتى اليوم، حروب داخلية وهدم للبنى التحتية.
سيعلم الأوكرانيون أن دخول المعمعة ليس كالخروج منها. بالطبع الهدف الأساس من إدخال هذه المجموعات هو إلهاء الجيش الروسي بحروب مع إرهابيين من جميع الجنسيات والأعراق والأديان، وبالتالي، ستقع أوكرانيا رهينة المجموعات المسلحة المتصارعة على أرضها ولزمن طويل. زيلنسكي، الذي يطالب كل يوم "اسرائيل" والدول الأوروبية و"الناتو" والولايات المتحدة بالتدخل وارسال "المتطوعين"، ليس قادرًا على استيعاب النتائج الكارثية على البلاد التي عين رئيسًا عليها.
التحركات العنصرية
تصعيد التحركات العنصرية في أوكرانيا سيمتد صداها إلى أوروبا بالتأكيد، والتي ستنجر وراء هذا النوع من التحركات لسببين رئيسيين: الأول: أن هناك تصاعدا في الحركات اليمينية في أوروبا والتي تطالب بالتسليح لمساعدة أوكرانيا، والسبب الثاني، أن أوروبا ستطالها آثار الحرب في أوكرانيا، نتيجة لشح الوقود والغاز. وسيزداد التضخم نتيجة لهذه الحرب العبثية والتي اختارت أوروبا أن تكون طرفًا غبيًا وتابعًا للولايات المتحدة وبريطانيا فيها مما سيرفع فيها أسعار السلع، خاصة أن خزان الغذاء في أوروبا ولا سيما القمح يقع في روسيا وأوكرانيا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024