آراء وتحليلات
كيف لعب بوتين ورقة باكستان لضمان حياد الهند؟
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
في 24 شباط الماضي، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس حكومة باكستاني منذ ما يقرب من 23 عامًا إلى الكرملين، حيث ناقش الزعيمان قضايا إقليمية وثنائية مهمة، في اجتماع دام أكثر من ثلاث ساعات.
ما هي أهمية هذه الزيارة؟
حملت هذه الزيارة أبعادًا استراتيجية بالغة الأهمية انطلاقًا من عدة اعتبارات، أولها: أنها جاءت في توقيت سياسي حساس، إذ ان وصول خان إلى العاصمة الروسية قبل ساعات فقط من إصدار الكرملين أوامر لقواته العسكرية المحتشدة على الحدود الأوكرانية لبدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، أثار استياء الغرب، وأدى كذلك، الى ارتفاع بعض الأصوات داخل باكستان، لدعوة خان لتأجيلها.
ثانيها، تزامن حصولها، مع الاصطفافات العالمية المتعارضة بشأن العمليات الحربية على أوكرانيا التي أصبحت بمثابة الاختبار الأساسي الذي يمكن من خلاله تقييم موقف الحكومات الأخرى سواء كانت تقف مع الغرب، أو مع روسيا.
ثالثها، كونها أتت بناء لدعوة بوتين نفسه، وهو ما قرأته الهند جيدًا، وحاولت سريعًا، الالتفاف على الزيارة، من خلال رسائل الحياد في مجلس الأمن كما سنرى لاحقًا.
ماذا عن أهداف القمة الروسية ــ الباكستانية وعلاقتها بالهند؟
لم تسلم من الاتنقادات الداخلية والخارجية، والتي تركزت بمعظمها حول نقطة أساسية هي أن عقدها وسط الأزمة المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا يرسل اشارات سلبية إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربما يؤدي الى توتر العلاقات بين اسلام اباد وهذه الدول. لكن في الواقع، يبدو أن الرسائل المنبثقة عن الاجتماع الروسي ــ الباكستاني رفيع المستوى لا تستهدف الغرب، بقدر ما هي موجهة الى الهند التي تلقفتها سريعًا واستجابت لها.
رغم كونها عضوًا في مجموعة الرباعية مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة، اختارت الهند الانضمام إلى الصين (والإمارات العربية المتحدة)، في 25 شباط الفائت، بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار كان من شأنه إدانة موسكو بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما دفع بادارة الرئيس جوزيف بايدن الى تكثيف الضغوط على نيودلهي بشأن هذه القضية.
غير أن الهند أدارت ظهرها لواشنطن، وأكثر من ذلك، لم يعط رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، آذانًا صاغية لنداء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عندما طلب منه الدعم السياسي (لاوكرانيا) في الأمم المتحدة.
ليس هذا لافحسب، إذ لم تمضِ أيام قليلة، حتى وجهت نيودلهي صفعة ثانية لواشنطن، بعدما امتنعت في 2 آذار الحالي، مجددًا (كواحدة من 35 دولة) عن التصويت في الأمم المتحدة، وهذه المرة على قرار للجمعية العامة يدين "العمليات الحربية الروسية ويطالب بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الروسية من أوكرانيا". وقد تسبب ذلك، بخيبة أمل كبيرة للادارة الأميركية التي فشلت جهودها ومحاولاتها لدفع الهند لاتخاذ موقف نهائي (يصب في مصلحة التحالف الغربي) بشأن القضية الأوكرانية قبل أيام من التصويت، رغم التهديد الذي أطلقه بايدن في وقت سابق، وقال فيه إن "أي دولة تقبل العدوان الروسي السافر على أوكرانيا سوف توسم بالتبعية".
ما كان هدف بوتين من هذه القمة في هذا التوقيت؟
في الواقع أجاد بوتين لعب "الورقة الباكستانية" بشكل صحيح وذكي، وذلك من خلال دعوة خان إلى موسكو، تاركًا الهند بلا خيار سوى الامتناع عن التصويت ضد روسيا على المسرح الدولي.
بمعنى أوضح، وجدت الهند نفسها بعد قمة بوتين وخان - الخصم اللدود لباكستان - في معضلة بشأن الأزمة الأوكرانية. فمن جهة، تحاذر الوقوف إلى جانب الغرب ضد الكرملين، ومن جهة اخرى، تتجنب إدانة العمليات الروسية.
وبناء على ذلك، استقرت حسابات نيودلهي على تقديم مصالحها على أي اعتبار آخر، إذ ان وقوف الهند إلى جانب الغرب، يعني حتما أنها ستخسر موسكو - حليفتها القديمة وأكبر مورد للأسلحة اليها - وتوفر بالتالي لباكستان فرصة للاقتراب من روسيا على حساب الهند.
ماذا عن العلاقة بين روسيا وباكتسان؟
أدت الحقائق الجيوسياسية المتغيرة بسرعة، إلى دفع باكستان نحو التركيز أكثر على موسكو بصفتها أحد أقرب الشركاء الدوليين للصين، وفي هذا السياق افترض بعض المراقبين في الولايات المتحدة أن الصين كانت مسؤولة عن ترتيب رحلة رئيس الوزراء الباكستاني إلى العاصمة الروسية. وأكد هؤلاء أن الهدف كان تحديدًا منح الكرملين فرصة لمنع الهند من الانضمام إلى الغرب في إدانته عمليات موسكو في أوكرانيا.
زد على ذلك، أن زيارة خان لموسكو عززت العلاقة بين بكين وموسكو وإسلام أباد، حيث كان هذا التجمع الثلاثي قد تطور بالفعل، خلال حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. فرئيس الوزراء الباكستاني عُدّ ثاني زعيم، بعد بوتين، يظهر تضامنه مع الصين وسط مقاطعة الغرب للالعاب الاولمبية. وبالمقابل، فإن وجود بوتين في موسكو، هدف لكسب دعم الصين في مواجهته الغرب، كما أصبح معروفًا في الأوساط الدولية.
خلاصة الأمر ان الهند أظهرت عدم استعدادها لتعريض علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والتقنية مع روسيا للخطر بسبب علاقاتها الأوثق مع الغرب، لذلك، أثبت بوتين نجاحًا إلى حد ما في إحداث انشقاقات داخل المجموعة الرباعية حول عملياته الحربية في أوكرانيا من خلال إبعاد الهند عن الموقف الذي يدافع عنه أعضاء المجموعة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024