آراء وتحليلات
تجنيد المرتزقة ودورهم في حماية مصالح اميركا والكيان الصهيوني
إيهاب شوقي
لا شك أن فكرة تجنيد المرتزقة وخصخصة الحروب تتصل بعالم العصابات الإجرامية، ولا تمت بصلة لفكرة الدول أو الأمم المتحضرة. وهناك فارق كبير بين التطوع للدفاع عن الحقوق المشروعة والقضايا العادلة والمقدسات الدينية، وبين الارتزاق من الجندية واعتبارها وظيفة لكسب العيش وعدم التورع عن القتل المأجور دون قضية أو مبدأ.
المعركة الدائرة الآن بين روسيا والنظام العالمي الذي يتخذ من أوكرانيا واجهة له، تشهد فصلًا جديدًا من استخدام المرتزقة تحت عنوان "الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا"!
وتقول التقارير التي أوردتها وكالة "سبوتنيك" الروسية أن الفصائل الموالية للجيش التركي شمالي سوريا افتتحت مكاتب خاصة لتجنيد مسلحين وإرسالهم إلى أوكرانيا، بالتزامن مع بدء عمليات شحن إرهابيين من قاعدة التنف غير الشرعية التي أنشأها الجيش الأمريكي شرقي سوريا، مع تحضيرات لتخصيص مجموعات من المسلحين الأكراد في تنظيم "قسد" الموالي للجيش الأمريكي، للغاية ذاتها.
كما أفادت التقارير عن بدء الجيش الأمريكي بشحن دفعات من مسلحي تنظيم "مغاوير الثورة السورية" إلى جانب مقاتلين ومعتقلين سابقين من تنظيم "داعش" الإرهابي الوهابي في قاعدة التنف للقتال مع الجيش الأوكراني.
وهذا يفتح ملف المرتزقة في الحروب ويثبت أن أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني هم رواد هذا الملف في العصر الحديث، ومن ورائهم إقليميا، تأتي الإمارات والسعودية في استخدام المرتزقة في حربهما العدوانية على اليمن.
أمريكا وبريطانيا:
وتعد أمريكا وبريطانيا من أكثر الدول التى استخدمت شركات توريد المرتزقة لتحقيق أهدافها وتبعهما فى ذلك عدد كبير من الدول، فهذه الشركات تعد بمثابة وكلاء لهذه الدول لخوض حروب أهلية أو دولية نيابة عنها تلافيًا للتورط المباشر. وتوفر الاستعانة بهذه الجيوش من المرتزقة مزايا عديدة منها تخفيف الضغط على الجيوش النظامية، تجنبًا لضغط الرأي العام في حالة سقوط قتلى أو التورط فى جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، فضلًا عن رغبة هذه الحكومات في عدم الإعلان رسميًا عن تورطها في هذه الحروب لأسباب عديدة، ويضاف إلى ذلك الضغط السياسي الممارس في هذه البلدان من أجل التخفيض من عدد القوات ومن ميزانية الجيوش، حيث تنفق الجيوش المحترفة في البلدان الأوروبية ما بين 60 إلى 70 % من ميزانية الدفاع على الأجور، بينما الشركات الخاصة تتقاضى مبالغ أقل خصوصًا أن عملها يكون لفترة محدودة طبقًا للعقد المبرم.
وقد انتهكت هذه الشركات القانون الدولي حيث يتم التعاقد معها لتنفيذ خدمات مثل خدمات الاستجواب أو خدمات التأمين التي تنطوي على استخدام القوة أو المشاركة فى النزاعات المسلحة، مثل مجزرة ساحة النسور التي وقعت في بغداد فى 16 سبتمبر 2007 ونفذتها عناصر أمنية من شركة بلاك ووتر، والتي قتل فيها 17 عراقيا وأصيب 20 بينهم أطفال وطلاب، وذلك عندما أطلقت عناصر من شركة بلاك ووتر الأمنية النار على مدنيين عراقيين.
وتنتشر في العالم حاليًا عشرات الشركات الأمنية الكبرى وتتبعها مئات من الشركات الملحقة والمساعدة، ولعل أهمها الشركات الأمريكية وأكثرها شهرة هي شركة "بلاك ووتر"، وهي شركة أمن أمريكية خاصة يقع مقرها الرئيسي فى ولاية كارولاينا الشمالية بالولايات المتحدة، أسسها في عام 1997 ضابط البحرية الأمريكي السابق إريك دين برنس وفق القوانين الأمريكية التي تسمح بمصانع وشركات عسكرية خاصة. عرفت سابقا باسم بلاك ووتر، ثم أعيدت تسميتها إكس آي للخدمات عام 2009، وتعرف حاليًا باسم "أكاديمي" منذ عام 2011 بعد أن حصلت الشركة على مجموعة من المستثمرين الخاصين. وتعد الشركة إحدى أبرز الشركات الخاصة في الولايات المتحدة، حيث تمتلك أكبر موقع خاص للرماية فى الولايات المتحدة يمتد على مساحة 24 كيلو مترًا في ولاية كارولاينا الشمالية.
وتأتي بعدها شركة "جي فور إس" وهي شركة للخدمات الأمنية، متعددة الجنسيات بريطانية الأصل، تأسست عام 2004، وتوصف بأنها أكبر "جيش خاص" في العالم، مقرها الرئيسي فى كرولي الواقعة جنوب لندن في ويست ساسكس.
وتعتبر هذه الشركة ثالث أكبر موظف قطاع خاص فى العالم بعد وول مارت وفوكسكون، ولديها أكثر من 657 ألف موظف، وتصنف بأنها أكبر شركة أمنية فى العالم من حيث العوائد والعمليات التى تشمل 125 دولة وقدر دخلها السنوى عام 2014 بنحو 6 مليارات و848 مليون جنيه إسترليني.
وشركة "داينكورب" تأسست في العام 1946، وهي واحدة من أكبر الشركات الأمنية الخاصة في العالم، توظف نحو 17 ألف شخص، وقدرت عائداتها عام 2010 بنحو 4 مليارات دولار.
وقد بدأت الجيوش الأوروبية والأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي باللجوء الى خدمات شركات عسكرية خاصة لتنفيذ المهام التي لم تعد قادرة على القيام بها، خاصة في القارة الأوروبية.
وهناك أيضًا العديد من الشركات العسكرية الخاصة التي لها مقرات في افريقيا أو في دول الخليج، وفي الواقع هي في معظمها شركات أمريكية تعمل بطريقة مُقنّعة حرصًا منها على أن لا يظهر لها اتصال بمقرات في الولايات المتحدة.
العدو الاسرائيلي:
بدأت فكرة الاستعانة بالمرتزقة لخدمة "إسرائيل" قبل تأسيس الكيان نفسه، فقبل عام 1948 جاء أكثر من 4400 متطوع من 56 دولة مختلفة للتجند في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتمت تسميتهم باسم مجموعة "ماشال"، وكان معظمهم من المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية، مما فتح الباب أمام الاستعانة بخبراتهم ومهاراتهم في تشكيل القوات الإسرائيلية الناشئة حينذاك.
وبعد تأسيس الكيان، أنشأت "اسرائيل" برنامجًا يسمى "محال"، الذي يعد اختصارًا لعبارة "متطوّعون من خارج البلاد"، ويهدف إلى تجنيد المرتزقة، والمتطوعين من اليهود ومن غير اليهود لأداء الخدمة العسكرية في الكيان. ويقوم البرنامج على تقديم إغراءات مادية ومعنوية للفقراء، والمهاجرين والجنود السابقين فى جيوش الدول الكبرى، للانضمام إلى وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الامارات والسعودية:
ومع العدوان السعودي على اليمن وتصاعد المعارك في جنوب اليمن حيث المليشيات الموالية للإمارات واستمرار عمليات التحشيد العسكري في ليبيا، برز الحديث عن استمرار الإمارات في عمليات تجنيد الآلاف من المرتزقة والدفع بهم في ساحات الصراع في المنطقة.
وتستعين أبو ظبي بالآلاف من الجنود السابقين في دول أخرى، وتجندهم ضمن وحدات خاصة في الجيش أو الأمن الخاص لحماية المنشآت التجارية والصناعية والنفطية، وبشكل أساسي لخوض صراعاتها وحروبها الخارجية وتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في المنطقة. ووسعت الامارات في هذا الاطار دائرة التعامل لتدشين وحدات قتالية وقيادة إدارات عسكرية كاملة عن طريق ضباط وجنرالات أجانب.
في سياق متصل، ذكرت مواقع يمنية أن الإمارات وقعت عقدًا بقيمة 529 مليون دولار مع شركة "ريفلكس رسبونسيز" للاستشارات الأمنية، التي يديرها حاليًا نفس مؤسس شركة "بلاك ووتر"، الضابط السابق بالجيش الأمريكي، إيريك برنس، الملاحق قضائياً بتهم عدة، بينها جنائية.
ولا تختلف السعودية كثيرًا، حيث نشرت قناة Dw الألمانية تقريرًا يكشف معلومات عن وجود "جيش مرتزقة من جنود ألمان سابقين يقومون بمهام خاصة لمصلحة السعودية تحت غطاء العمل الإنساني في اليمن".
وهنا نرى الفارق بين البطولة والشرف لمن يحاربون في سبيل استعادة الحقوق وفي سبيل القضايا العادلة، وبين من يشترون البشر لخدمة قضايا الهيمنة والسلب والاغتيالات، وهو ذات الفارق بين الدول والقوى والحركات الحرة والمقاومة وبين معسكر الهيمنة وذيوله وأتباعه ممن باعوا قضاياهم خدمة لعروشهم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024