آراء وتحليلات
"البديل العظيم" في الانتخابات الفرنسية: تحولٌ الى اليمين المتطرف
د.علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في فرنسا واشتداد المنافسة بين المرشحين، يشهد المجتمع الفرنسي تحولات بنيوية خطيرة متوقعة، تتمثل بالتحول المخيف للمجتمع الفرنسي نحو اليمين المتطرف، وتبنيه الخطاب العنصري البغيض، الذي غذاه لجوء بعض المرشحين الى نظرية "المؤامرة" التي تستهدف وفق "مخيلتهم الخصبة" التغيير الديموغرافي لبلدهم، وهي بالمناسبة باتت تجد صدى واسعًا في أوساط شريحة كبيرة من الفرنسيين المعبئين بشكل واضح بالكراهية والتمييز ضد العرب والمسلمين والمهاجرين خصوصًا من القارة السمراء.
حتى العامين الماضيين، كانت النظرية المعروفة في الغرب باسم "البديل العظيم" ـ نظرية مؤامرة عنصرية مفادها أن السكان المسيحيين البيض يتم استبدالهم عمدًا بالمهاجرين غير البيض ـ غير شائعة في فرنسا لدرجة أن رئيسة حزب "التجمع الوطني" الفرنسي المحسوب على اليمين المتطرف مارين لوبان، رفضت استخدامها بشدة.
لكن في السباق الرئاسي الحالي الذي وسّع حدود القبول السياسي في فرنسا، استخدمت مرشّحة حزب الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الفرنسية فاليري بيكريس العبارة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، خلال خطاب تخللته هجمات مشفرة ضد المهاجرين والمسلمين.
ومع أن استخدامها هذا الشعار أثار انتقادات كبيرة بين خصومها وكذلك حلفائها داخل حزبها، غير أن عددا من الخبراء السياسيين الفرنسيين، يقولون إن ذلك يؤكد أيضًا على تحول فرنسا إلى اليمين، خصوصًا ناخبي الطبقة الوسطى، وهذا بالطبع يعود سببه الى التأثير الساحق للأفكار اليمينية، وحملات التحريض والكراهية التي يقودها المرشحون اليمينيون المتطرفون ضد المسلمين.
ما ينبغي معرفته، أن نظرية "البديل العظيم"، والتي تبناها العديد من المتعصبين البيض في جميع أنحاء العالم، كانت "ألهمت" القائمين على عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة ونيوزيلندا.
كيف نشأت نظرية "البديل العظيم" في فرنسا؟
يعود استحضار "البديل العظيم" إلى الكاتب الفرنسي رينو كامو عام 2010. في مقابلة أجريت معه عام 2019، تحسّر كامو على حقيقة أن كبار السياسيين رفضوا الشعار. في البدايات حوّل الشعار كامو إلى شخص منبوذ في الأوساط الأدبية والإعلامية الفرنسية، مما أجبره على نشر كتبه الخاصة.
لكن في الأشهر الأخيرة، لاقى مفهومه استحسانًا من قبل بعض وسائل الاعلام، وتمت دعوة كامو للعودة إلى البرامج الحوارية التلفزيونية، حيث تفاخر في مقابلة صحافية في 15 شباط/ فبراير الحالي، بعنصريته قائلًا "يسعدني استخدام تعبير "بديل" رائع خلال حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية هذه". وإذ لفت الى أن "القضايا الأخرى للحملة مثل الوباء والقدرة الشرائية للمستهلكين، كانت ثانوية إلى جانب الواقع الذي يصفه الشعار"، رأى أن "الباقي ليس له أهمية بالمقارنة مع هذا "البديل العظيم"".
بعد كامو، كان إريك زمور، الكاتب اليميني المتطرف والمحلل التلفزيوني والمرشح الرئاسي الفرنسي الآن، الشخصية الرائدة في الترويج لهذا المفهوم في فرنسا في العقد الماضي، ووصف هذا "البديل" بأنه تهديد حضاري ضد البلاد وبقية أوروبا.
كيف يستفيد المرشحون من نظرية المؤامرة؟
تظهر استطلاعات الرأي حلول بيكريس ولوبان وزيمور في المراكز التالية بعد ماكرون في الجولة الأولى من التصويت المقرر إجراؤها في 10 نيسان المقبل. ومن شأن أحدهم أن يواجه في الجولة الثانية (24 نيسان/ أبريل) ماكرون الذي تحول أيضًا إلى اليمين، لا سيما في السنتين الماضيتين من سنوات رئاسته.
كان "البديل العظيم" بمثابة الورقة الرابحة بالنسبة لهؤلاء المرشحين الثلاثة (زمور وبيكريس ولوبان).
فلنبدأ من زمور، ساهمت هذه النظرية في صعوده المفاجئ كمرشح. لجأ الى ضخ "البديل العظيم" وقضايا متفجرة أخرى في حملاته الانتخابية، مما أجبر المرشحين الآخرين من "اليمين الوسط" على ضبط مواقفهم بشكل دقيق، لتلائم "اليمين المتطرف".
وعلى خطى زمور، وفي خطاب مدته 75 دقيقة أمام 7000 مؤيد في باريس تبنت بيكريس رؤية زمور، قائلة: "ستحدد الانتخابات ما إذا كانت فرنسا أمة موحدة أو أمة منقسمة، فرنسا ليس محكوما عليها بـ "البديل العظيم"".
في الخطاب ذاته، ميزت بيكريس بين ما أسمته "اللغة الفرنسية للقلب" و"اللغة الفرنسية للأوراق" - وهو تعبير يستخدمه اليمين المتطرف للإشارة إلى المواطنين المتجنسين ـ تعهدت بعدم إخضاع فرنسا، وقالت إن "ماريان، رمز فرنسا، ليست امرأة محجبة"، في إشارة إلى رفضها للحجاب الإسلامي.
وتعقيبًا على ذلك، قال الخبير في اليمين المتطرف الذي يدرس في معهد الدراسات السياسية في ليون فيليب كوركوف إن بيكريس "باستخدامها مصطلح "البديل العظيم" منحته الشرعية ووضعت أفكار اليمين المتطرف في صلب النقاش حول السباق الرئاسي".
الأخطر في كلام المرشحة بيكريس، هو أنه عندما تحدثت عن "الأوراق الفرنسية"، كانت تجاهر بنيتها التمييز بين الفرنسيين مستقبلًا وفقًا لمعايير عرقية، وخصوصًا أن ازدراءها للحجاب الإسلامي هو نفس منطق اليمين المتطرف.
في هذا السياق، قالت المرشحة الاشتراكية للرئاسة ورئيسة بلدية باريس الحالية آن هيدالغو إن "ترداد عبارة كانت تقتصر في السابق على اليمين المتطرف من قبل بيكريس كان بمثابة خطوة لا تراجع فيها".
في الواقع، انطلقت بيكريس في تركيزها على هذا المصطلح، بحسب أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في اليمين نيكولاس ليبورغ من حسابات سياسية، بعدما تحول أنصار الطبقة الوسطى التقليديون من اليمين الوسط، إلى اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة".
وأوضحت ليبورغ أنه "منذ عام 2010، كان هناك تشدد كبير من قبل ناخبي الطبقة الوسطى العليا ضد الهجرة والإسلام، لكننا لم نشهد آثارها السياسية حينها.. لذا فإن ما نشهده الآن هو انقلاب جزء من الطبقة الوسطى والطبقة المتوسطة العليا".
نصل الى لوبان. صحيح أنها رفضت الشعار صراحة، وانتقدته باعتباره نظرية مؤامرة، لكن المقارفة أن رئيس حزبها، جوردان بارديلا، بدأ بالإشارة إليه في الأشهر الأخيرة.
وبناء على ما تقدم، يبدو أن هذا الانقلاب في مزاج ناخبي الطبقة الوسطى واستجابتهم لمفهوم "البديل العظيم"، وتحولهم نحو التطرف، يدق ناقوس الخطر من هذا التبدل الحاصل في نظرة هذه الطبقة للإسلام، والذي قد يؤدي الى زيادة الهجمات والاعتداءات على المسلمين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024