آراء وتحليلات
اللبناني مسروق بالجملة: أسعار السلع مرتفعة 35 % عن سعر الصرف
د. محمود جباعي
يعاني اللبنانيون منذ بداية الأزمة الاقتصادية الأخيرة من سيناريو مرعب يعرف بالاحتكار والتضخم. ترتفع أسعار كافة السلع والخدمات بشكل يومي بل وتشهد احيانًا ارتفاعًا صاروخيًا، والحجة معروفة للجميع وهي ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، علمًا أن هذا الأمر صحيح من حيث المبدأ في بلد اقتصاده مدولر بفعل الاستيراد الكبير لمعظم السلع من الخارج، وهو ما يجعل جزءًا لا بأس به من سعرها بتغير مع ارتفاع وانخفاض سعر صرف الدولار اليومي.
لكن في الواقع الصريح، يستغل التجار تقلبات سعر صرف الدولار لزيادة أرباحهم من خلال اعتماد عملية احتكارية ممنهجة تبدأ من رأس الهرم المرتبط بالمستوردين المحميين بفعل وكالات حصرية تمكنهم من السيطرة على رقاب المواطنين وتمر بالموزعين وصولًا إلى أصحاب المتاجر الذين يرفعون الأسعار بدورهم وفق ما يحلو لهم، وحسب مصالحهم، حيث يكون دائمًا معدل ارتفاع الأسعار أكبر بكثير من نسبة ارتفاع سعر الدولار. ولذلك ترتفع الاسعار وتتبدل دون حسيب أو رقيب من أي جهة رسمية، مما يجعل من المواطنين فريسة سهلة أمام جشع هؤلاء التجار ومَن خلفهم.
آلية التسعير غير دقيقة من الأساس
من المعلوم أن السلع المستوردة من الخارج يتم شراؤها من قبل التجار الكبار بالدولار الأميركي، ولكن من المعلوم أيضًا أن نسبة كبيرة من التكاليف كانت لا تزال تحتسب على سعر الصرف الرسمي أو على أسعار المنصات المختلفة والتي هي بدورها تكون دائمًا أدنى بنسبة كبيرة من سعر دولار السوق الفعلي. وهذا يعني أن ما يتراوح بين 30 و40 % من سعر أي سلعة يجب أن تحتسب كلفته على دولار 1500 ليرة كالرسوم والضرائب الجمركية والضرائب الاستهلاكية فضلًا عن الرواتب والأجور التي يحتسب قسم منها على سعر الصرف الرسمي والقسم الآخر على سعر 3900 ومن ثم اليوم 8000 مع وجود نسبة قليلة جدًا من الشركات التي تدفع رواتبها بالفريش الدولار. وبمثال توضيحي يمكننا إجراء العملية الحسابية كما يلي:
لنفترض أن كلفة الاستيراد لقطعة واحدة من سلعة ما هي 7 دولارات أميركية، والتكاليف التشغيلية والتكاليف الأخرى لهذه القطعة 3 دولارات وتكاليف الرسوم والضرائب لهذه القطعة أيضًا دولاران يكون مجموع التكاليف للقطعة 12 دولارًا مقسمة على النحو التالي:
7 دولارات ضرب سعر الصرف الفعلي (25 الف ليرة) =175 الف ليرة
3 دولارات ضرب سعر الصرف المعتمد في الرواتب والاجور (4 آلاف كحد وسطي) = 12000 ليرة
دولاران ضرب سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة) = 3000 ليرة
المجموع المنطقي لكلفة السلعة = 175000 الف ليرة، أضف اليها هامش ربح بحده الاقصى 20% يصبح سعر مبيعها العادل = 175000 + 35000 =210000 ليرة
بينما التاجر الكبير، يقوم بتسعير السلعة بالكامل على سعر دولار السوق (25 ألف) ليصبح سعرها = 12 دولارًا ضرب 25 الف = 300000 ليرة أي بزيادة 90 ألف ليرة على سعرها الحقيقي، وهذا ما يؤكد أن الأسعار مرتفعة دائمًا عن سعر صرف الدولار بنسبة تتراوح بين 33 و 35 % مما يرفع معدلات التضخم المالي بنسبة أعلى من ارتفاع الدولار. وهذا المثل الحسابي المصغّر يمكن اعتماده مع كافة السلع المستوردة على اختلاف أسعارها.
الدولار ينخفض والأسعار لا تنخفض في نسب متساوية
إضافة الى التسعير الخاطىء كما أسلفنا في المثال أعلاه، نلاحظ أنه عند ارتفاع الدولار بأي نسبة تقفل المحال التجارية أبوابها من أجل زيادة الأسعار بنسبة أعلى من نسبة ارتفاع الدولار، حيث اذا كان سعر الدولار 30 ألف مثلًا تعتمد المحال التجارية سعر 35 ألف للدولار مما يرهق القدرة الشرائية للمواطن أكثر من التدهور الحاصل في سعر صرف العملة. ويلاحظ بدقة أنه اذا انخفض الدولار مثلًا من 30 الفًا الى 25 ألفًا لا تقوم المحال التجارية بتخفيض الأسعار إلى ما كانت عليه عندما كان الدولار يساوي 25 ألفا بل هي تقوم فقط بتخفيض الأسعار بما قيمته 5 آلاف ليرة، متجاهلةً عمدًا أنها كانت قد رفعته 10 آلاف ليرة مما يحرم المواطن من حقه المسلوب عندما ارتفع سعر صرف الدولار. بعبارة أخرى، سرقة المواطن تتم عند الارتفاع مرة وعند الانخفاض مرتين لأنه مع أي ارتفاع لسعر الصرف ستعود الأسعار الى الارتفاع بشكل مضاعف مجددًا.
وزارة الاقتصاد أم وزارة ربطة الخبز؟
يتحفنا معالي وزير الاقتصاد يوميًا بجهده الحثيث في تحديد سعر ربطة الخبز متناسيًا معاليه أن المواطن لا يستهلك فقط الخبز بل هناك حاجات استهلاكية يقوم المحتكرون باستغلاله فيها يوميًا بفعل غياب أي إجراء لوزارة الاقتصاد التي لا عمل لها سوى رفع سعر ربطة الخبز أو تخفيض وزنها.
على وزارة الاقتصاد التوقف عن الحركات الاستعراضية بين الفترة والأخرى ومراقبة آليات التسعير لدى المستوردين وكيفية وصول السلع الى المستهلك وتحديد تكاليفها الحقيقية، وبعدها، يحين دور البائعين المباشرين للسلع لأن الحل الأساسي يا معالي الوزير يبدأ من رأس الهرم، لذلك الاستعراضات الاعلامية على بعض المحال التجارية لن تعالج المشكلة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024