آراء وتحليلات
ثغرات اقتراح قانون "الكابيتال كونترول" المُقَدم ومخاطره
د. محمود جباعي
منذ بداية الازمة الاقتصادية والمالية ارتفعت الأصوات مطالبة بوضع حد للاستنسابية التي تنتهجها المصارف في التعاطي مع المودعين، حيث كان يلاحظ منذ بداية الأزمة وجود ارتياب مشروع لدى معظم اللبنانيين من ان تستفيد فئات معينة مما تبقى من أموال على حساب باقي المواطنين. وقد انتهجت المصارف استنسابية عالية في حجم المبالغ المعطاة ولم تكن عادلة في توزيع الودائع على مستحقيها. والأخطر هو السماح لمجموعة من كبار رؤوس الأموال المدعومين سياسيًا أو بالأحرى السياسيين أنفسهم ومن لف لفهم من كبار المودعين بتحويل مليارات الدولارات الى خارج البلاد، مما فاقم الأزمة تعقيداً وقضى على ما تبقى من ودائع في المصارف والمصرف المركزي.
اقتراح قانون دولة الرئيس نجيب ميقاتي
بعد تقديم عدة اقتراحات من قبل لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي لمشروع قانون كابيتال كونترول والتي كانت كل مرة ناقصة ولا تفي بالغرض منها في حماية حقوق المودعين والتي خضعت لعدة نقاشات في المجلس النيابي، قدم الرئيس نجيب ميقاتي وفريقه مشروع قانون اكثر تطرفاً ضد المودعين، وقاموا بجهود حثيثة لتمرير المشروع على غفلة، متحججين بشروط صندوق النقد الدولي لتشريع تبديد ما تبقى من أموال المودعين. فبدل أن يقف دولة الرئيس الى جانب المودعين أو بالحد الأدنى الى جانب الصالح العام، انحاز بشكل فاضح الى صالح المصرف المركزي والمصارف من أجل تحميل كامل الخسائر للمودعين وحدهم مع اعفاء الدولة والمصارف والمصرف المركزي من كامل المسؤولية التي يجب أن يتحملوها بفعل ما قاموا به من اهدار للمال العام واموال المودعين.
أخطر ما جاء في مسودة المشروع:
1- اجبار المودعين على سحب ما تبقى من ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية قسراً على سعر يحدده مصرف لبنان وفق منصاته المختلفة مما يشرع له القيام بهيركات على مقاسه ومزاجه وفقاً لمصلحة المصارف من دون الاكتراث لمصلحة المودعين أو للتوزيع العادل للخسائر.
2- اعفاء المصارف من أي مسؤولية مترتبة على احتجازها للودائع من خلال تشريع ذلك من خلال قانون يصدر عن المجلس النيابي والسلطة التشريعية.
3- انشاء محكمة خاصة لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين تكون أحكامها مبرمة غير قابلة للاستئناف متجاهلا بذلك دور القضاء المختص، وهذا يصب فقط في مصلحة المصارف.
4- اطلاق يد مصرف لبنان في اتخاذ معظم القرارات الأساسية المتعلقة بتنفيذ قانون الكابيتال كونترول علمًا أنه جزء من الأزمة ومتهم أساسي فيها بل ويعتبر المسؤول الأكبر عن حصولها.
5- الاستنسابية الفاضحة من خلال التمييز بين دولار محلي قديم ودولار فريش حديث متجاهلاً حقوق معظم المودعين.
6- التميز المخالف للقانون بين وديعة بالدولار ما قبل 17 تشرين 2019 ووديعة بالدولار بعد 17 تشرين علماً أن كل الودائع المحولة هي قانونية وحصلت بموافقة مسبقة من المصرف المركزي وباشراف المصرف المعني.
7- تشريع الاستنسابية للمصارف عبر اعطائها الحق في رفض طلبات التحويل الى الخارج المستثناة من مشروع القانون وذلك فقط خدمةً لمصالحها.
8- اعتبار بنود المشروع نافذة حتى في حال تعارضها مع أي بنود أخرى في قوانين مختلفة بما فيها قانون النقد والتسليف.
الكابيتال كونترول حاجة ملحة
بلا شك نحن نحتاج اليوم الى اقرار قانون الكابيتال كونترول في المجلس النيابي على الرغم من تأخره لسنتين بعد السماح بتحويل وتهريب مليارات الدولارات من الودائع. ولكن نحن نحتاج لمشروع قانون في هذا الشأن يحدد طبيعة العلاقة السليمة بين المصارف والمودعين ويعمل على الزام الدولة والمصرف المركزي والمصارف التجارية بتحمل مسؤولياتهم اتجاه المودعين ولا نحتاج الى قانون يشرع للسارق سرقته ويحمل المظلوم كل التبعات عن ذلك.
من هنا اصبح لزاماً على كل نواب الامة العمل الفوري على اقرار مشروع قانون يكفل ويحمي ويثبت حقوق المودعين مع تحديد كيفية اعادة تلك الودائع الى أصحابها ضمن مهل معقولة. لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي من خلاله يمكن أن نعيد الثقة في قطاعات الدولة والقطاع المصرفي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024