معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الاقتصاد التركي يهدد مستقبل أردوغان.. ماذا عن المعارضة؟
04/12/2021

الاقتصاد التركي يهدد مستقبل أردوغان.. ماذا عن المعارضة؟

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

طوال العقود الماضية، لطالما كان يوصف الاقتصاد التركي  بـ"المعجزة"، بسبب القفزة النوعية التي حققها على مستوى النمو، وترجمت بالطفرة الانمائية والعمرانية التي شهدتها البلاد في فترة قصيرة نسبيا.

 لكن هذه النجاحات انقلبت فشلًا وانهيارًا اقتصاديًا، وبلغ التراجع ذروته مؤخرًا مع التهاوي غير المسبوق لليرة التركية، وارتفاع التضخم - الى مستويات كبيرة - ما ترك تأثيره المباشر على الأجور، وانعكس زيادة في تكلفة السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء والطاقة، واضطر وزير الخزانة والمالية التركي لطفي علوان الى الاستقالة من منصبة.

فماذا يحصل للاقتصاد التركي بالتحديد؟

 الأسبوع الفائت، فقدت العملة أكثر من 45 بالمائة من قيمتها هذا العام وما يقرب من 20 بالمائة، فقط خلال الأيام الأخيرة من تشرين الثاني الماضي. وواصلت انحدارها مطلع هذا الشهر. وفي ظل التراجع القياسي لسعر الليرة التركية أمام الدولار، عمد المصرف المركزي الى التدخل المباشر في سوق الصرف لأول مرة منذ 2014، وقام بسحب قيمة غير معروفة من احتياطي الدولار لدعم الليرة، وسط تخوفات من اضمحلال احتياطي البلاد من العملة الصعبة.

جاء الانهيار الأخير في العملة، بعد أن ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابًا الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، أوضح "فيه تصميمه على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة كوسيلة لتعزيز النمو الاقتصادي". وجدد في تصريحات أمام الصحفيين من على متن طائرته أثناء عودته من زيارة لتركمانستان الاثنين الفائت "معارضته لرفع الأسعار مرة أخرى"، وقال "لم أدافع أبدًا عن رفع أسعار الفائدة، ولا ادافع عنها الان، ولن ادافع عنها"، وأضاف "لن اتنازل ابدا عن هذه المسألة". وفي محاولة للتخفيف من وطأة الازمة، وعد أردوغان بأن "أسعار الفائدة المنخفضة ستساعد في تحسن الاقتصاد في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر".

لكن لخبراء الاقتصاد الأتراك رأي آخر.

 بالمقابل، يرُدّ خبراء الاقتصاد أزمة العملة الى التدخل المباشر للرئيس أردوغان في السياسة النقدية، وتصميمه على خفض أسعار الفائدة. فهؤلاء  قد أعربوا عن فقدانهم الثقة بسياسات الرئيس التركي في هذه المرحلة.

تقول محللة الاستثمار في شركة "غلوبال سورس بارتنرز" للأبحاث، في اسطنبول، أتيلا يسيلادا للصحافة الاجنبية: "لا أعتقد أنه سيحصل على ثقة الأمة بعد الآن". وتشير إلى أن "هناك مشكلة ملحة سيتعمق معها الفقر، فعجلات الاقتصاد تقترب من طريق مسدود".

وكشفت يسيلادا عن بعض الحقائق الصادمة التي تتعلق بالأمور الحيوية التي تمس حياة الناس، فلفتت الانتباه الى أن "النقص آخذ في الظهور، بما في ذلك الأدوية والمعدات الطبية المستوردة، وحتى في المخابز". موضحة أن "رغيف الخبز لا يزال يُباع بـ 2.5 ليرة، أي حوالي 20 سنتًا، لكن المخابز تشكو من أن تكلفتها تقترب من 4 ليرات للرغيف. قريبًا سيغلقون المخابز وبعد ذلك سنشهد أعمال شغب تتعلق بالخبز".

ما هو وضع اردوغان حاليًا؟

وضعت الأزمة الاقتصادية الرئيس اردوغان في موقف صعب، إذ ان تفاقمها يهدد قبضته على السلطة التي استمرت ما يقرب من عقدين من الزمان. حتى أن بعض المؤيدين المخلصين للرئيس التركي لم يستطيعوا الدفاع عن اجراءاته وسياسته.

 فلنأخذ مثلًا الكاتب الموالي للحكومة عبد القادر سلفي في صحيفة حريت اليومية التركية، الذي نقلت عنه صحيفة "نيويوك تايمز" قوله "إنه لا يتفق مع سياسة أردوغان الاقتصادية"، محذرًا من "عدم قدرتنا على تجاهل ما يحدث اليوم"، وأضاف: "يجب أن نظل أقوياء لكن لا ينبغي لنا أن نفوت حقيقة أن الاضطراب الاقتصادي الواسع له عواقب سياسية واسعة".

ماذا عن المعارضة؟ هل تملك مشروعًا بديلًا؟

العارفون بشخصية اردغاون، يدركون أنه لن يتهاون مع أية حركة قد تهدد حكومته أو تؤثر على مستقبل حزبه. ففي خطوة استباقية، الهدف منها وأد أي تحرك للمعارضة في أرضه، صعّد أردوغان من الضغط على خصومه من خلال اعتقال متين جوركان، المحلل العسكري والسياسي والعضو البارز في حزب معارض ناشئ يدعى "DEVA"، بتهمة التجسس.

وتم اعتقال العشرات في عدة أحياء باسطنبول تظاهروا احتجاجًا على إدارة الحكومة للاقتصاد، بعد انخفاض قياسي في الليرة، حيث كانت المعارضة قد دعت إلى سلسلة من المسيرات للمطالبة بتغيير الحكومة. وتأتي هذه الاضطرابات مؤخرًا (وهو أمر غير معتاد بالنسبة لدولة لا يُسمح فيها إلا بالمظاهرات المرخصة رسميًا، وتتبع القنوات التلفزيونية والصحف الرئيسية الخط الحكومي) بعد شهور من تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الأتراك.

لم تكتف أحزاب المعارضة بالاحتجاج، بل جددت دعوتها للحكومة للاستقالة، وطالبت أردوغان والبرلمان التركي باجراء انتخابات مبكرة. لكن المعارضة نفسها تعاني من مأزق عميق، فمن جهة لا تملك مقاعد كافية لإجبار البرلمان على التصويت لإجراء انتخابات مبكرة، ومن جهة اخرى تخشى من أن تدفع إثارة الاضطرابات أردوغان إلى فرض حالة الطوارئ، التي من شأنها تعليق الإجراءات الديمقراطية العادية. وانطلاقا من ذلك، قال دولت بهجلي زعيم "حزب الحركة القومية" إن أردوغان لن يدعو لإجراء انتخابات قبل موعدها المقرر في حزيران 2023".

وعلى خط مواز رفع "اتحاد النقابات العمالية التقدمية" الصوت عاليًا، وضم صرخته الى المعارضة عبر اصداره بيانًا قال فيه "هذا يكفي. نريد تغطية نفقاتنا، البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار، والفواتير تقصم ظهورنا".

والآن لنطلع على حقيقة المشهد الاقتصادي بلسان المواطنين الاتراك:

على الارض يبدو أن السيناريو اللبناني في طور التكرار في تركيا، إذ خيّم الجمود على الأعمال التجارية في جميع أنحاء البلاد، حيث يخيف التضخم المتسوقين المحليين ويدفع المنتجين والتجار إلى تخبئة السلع. فهذا صاحب متجر للملابس في اسطنبول يقول للصحافيين: "لم أبع أي شيء منذ الصباح. لقد هُجرنا، هذا الأسبوع، بسبب الدولار".

بدورها قالت موظفة بنك متقاعدة تبلغ من العمر 80 عامًا إنها كانت تعيش على بطاقات الائتمان. وأردفت "قوتنا الشرائية انخفضت، أموالنا لم تعد لها قيمة".

التذمر أيضًا طال فئة الطلاب. يقول خريج مدرسة ثانوية "لقد توقفت حياتنا الاجتماعية، والآن يبدو الأمر كما لو أننا نعيش فقط من أجل البقاء". فيما يعبّر زميل له عن قلقه بشكل خاص بشأن فواتير الخدمات والسلع الأساسية مثل الزيت والسكر والدقيق، مؤكدًا أن "الكثير من الشباب يغادرون البلاد للعمل في وظائف كعمال نظافة ونوادل في الخارج.. عندما أتخرج، ينتظرني مستقبل قاتم".

أما كبار السن والعائلات فهم أكثر من يعانون من الأزمة الاقتصادية، وهو ما صرح به رجل ستيني لصحيفة "واشنطن بوست" قائلا "لا يمكننا تجاوز ذلك، ارتفع الإيجار من 1500 ليرة إلى ما يقرب من 2500 ليرة منذ العام الماضي".

وسأل رجل "ماذا يمكنني أن أقول لمستقبل أطفالي؟ نحن في حالة يرثى لها. يحاول كل منهم تناول وجبة واحدة في اليوم. لا يمكنهم حتى التفكير في اليوم التالي. لا يمكنهم التخطيط لمستقبلهم. هذا ليس هو الحال بالنسبة لي فقط، ولكن بالنسبة لتركيا بأكملها"، وختم: "على القادة أن يتغيروا. مجرد قرار لإجراء انتخابات مبكرة من شأنه أن يجعل الليرة تكتسب بعض القيمة".

في المحصلة، لا ريب أن عدوى لبنان قد أصابت تركيا وإن بشكل أخف، مع فارق أن انقرة لديها عدة مقومات وربما موارد وقدرات (والاهم الجرأة)، قد تتيح لها التغلب على ازمتها، يكفي، مثلا، ان يلوح اردغان غدا لاوروبا بفتح البحر أمام النازحين، حتى تهرول اليه صاغرة فاتحة خزائنها أمامه (وهو سبق ان لمس فعالية هذه الورقة جيدا)، بينما حكام وطننا الذين افقروا البلاد والعباد (ولا يزالون)، لا يعرفون من اساليب الحكم، سوى الاستجابة وتنفيذ مآرب وسياسات الخارج والرضوخ لاملاءاته حتى لو كانت تضر بمصالح  لبنان وشعبه. فهل ننتظر من سلطة تبيع كرامتها وسيادتها في بازار المشيخات أن تبني وطنًا واقتصادًا؟

رجب طيب أردوغان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل