آراء وتحليلات
تحويلات المغتربين: انعاش حوالي ربع سكان لبنان
د. محمود جباعي
يعاني لبنان منذ أكثر من عامين أزمة اقتصادية ومالية حادة ساهمت في انهيار كبير في سعر صرف الليرة اللبنانية اتجاه الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، مما أدى الى حصول ارتفاع قياسي في معدلات التضخم الجامح وارتفاع قياسي في معدلات البطالة والفقر.
رغم تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي إلا أنها لم تقدم أي شيء مما كان منتظرًا منها، لعدة أسباب سياسية داخلية وخارجية. والأخطر أن هذه الحكومة لم تأتِ بأي جديد يذكر أو حلول واقعية يمكن البناء عليها، فترك المواطن اللبناني وحيدًا في مواجهة شبح الفقر والعوز وخاصةً بعد رفع كل اشكال الدعم تقريبًا عن السلع والادوية التي تمس مباشرةً الحياة المعيشية للطبقات الوسطى والفقيرة. ولم يبقَ لهذا الشعب سوى بعض المعونات الصغيرة التي تقدمها جهات محلية وتحويلات خارجية تأتي شهريًا من قبل المغتربين اللبنانيين الى ذويهم وتشكل حبل خلاص لحوالي 25% من سكان لبنان.
* حجم التحويلات السنوية بالأرقام
يقدّر حجم التحويلات المالية بالعملات الأجنبية التي ترد من قبل المغتربين الى عائلاتهم في لبنان بقيمة تتراوح بين 7 و8 مليارات دولار سنويًا، وفقًا للاحصاءات الرسمية للمصارف وشركات تحويل الأموال على أنواعها. هذه المبالغ يجب أن يضاف اليها ما يتم ادخاله بشكل مباشر من قبل المسافرين القادمين الى لبنان على مدار السنة، علمًا أنها تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار سنويًا، مما يرجح أن القيمة الاجمالية للمبالغ التي تدخل الى لبنان سنوياً تقدر بين 11 و12 مليار دولار.
تستفيد من هذه التحويلات المالية -سواء كانت عبر القنوات الرسمية أو عبر المسافرين القادمين الى لبنان- حوالي 220 ألف عائلة، أي حوالي ربع سكان لبنان فعليًا.
* الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للتحويلات الخارجية:
1- تشكل اقتصادا رديفا يخلق حركة استهلاك واسعة.
2- تساعد على توفير استقرار اجتماعي ومعيشي لحوالي 25% من السكان.
3- تساهم في تحريك الدورة الاقتصادية لقسم كبير من القطاعات الاقتصادية.
4- تحد بشكل نسبي من الانهيار النقدي، علمًا أنها لا تدخل في حسابات المصارف ومصرف لبنان مما يحد من امكانية استغلالها بشكل كبير كعنصر مواجه لانهيار الليرة.
5- تمكن جزءا من المواطنين على الصمود في وجه الأزمة لأنها توفر قدرة شرائية معقولة للمستفيدين منها.
* التحويلات خلقت اقتصادًا نقديًا موازيًا
رغم الايجابيات العديدة لوصول هذا الكم الكبير سنويًا من التحويلات المالية إلا أنها خلقت عن غير قصد اقتصادًا نقديًا موازيًا. أي بمعنى أكثر وضوحًا فإن هذه المبالغ لا تدخل في إطار الانتعاش النقدي الرسمي بالعملات الأجنبية لأنها تصل الى أيدي الجمهور ولا تصل الى محفظات المصارف ومصرف لبنان، لكي يتم استعمالها دوريًا في عملية ضبط الانهيار النقدي وفي تحويلها الى استثمارات عبر قروض مالية يستفيد منها الاستثمار في القطاعات الانتاجية مما يخلق حالة من الانتعاش الاقتصادي الذي يمكن أن ينعكس ايجابًا على كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد (بحسب المفترض وليس القائم).
لا يُلام في ذلك أصحاب التحويلات وذووهم، بل كل اللوم يقع على الدولة والمصرف المركزي وعلى القطاع المصرفي، لأن هذه الجهات ساهمت في تدمير كل أنواع الثقة في الاقتصاد اللبناني مما حرمها وحرم الاقتصاد اللبناني من مقدرات سنوية كبيرة كفيلة وحدها اذا استعملت ووجهت بالشكل الصحيح أن تساهم في خروج لبنان من أزمته بمعزل عن اللجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي الذي سيقدم للبنان قروضًا تصل بحدها الأقصى الى 4 مليارات دولار سنويًا علمًا أن التحويلات وحدها تشكل أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا.
تعتبر التحويلات المالية للمغتربين نعمة اقتصادية توازي في أهميتها مقدرات نفطية تعتمد عليها بعض الدول في العالم لذلك وجب على الدولة والقطاع المصرفي العمل سريعًا على اعادة الثقة للاقتصاد من خلال ايجاد حل معقول لاعادة أموال المودعين مما يعيد الثقة في المستقبل ويساهم في اعادة هذه الرساميل الى مسارها الطبيعي في خلق مناخ استثماري يساهم في عودة النمو الاقتصادي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024