معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل أتاك حديث الجنود؟ تقرير الفضيحة لجيش الفضائح
18/11/2021

هل أتاك حديث الجنود؟ تقرير الفضيحة لجيش الفضائح

ايهاب زكي

الجيش الذي ظل على مدى ستة عقود، وهو يحاول ترسيخ قاعدة أنّه الجيش الذي لا يُقهر، أصبح ومنذ الهزيمة الصدمة عام 2006 في لبنان، لا يجيد التمييز بين التوهمات والوقائع، وأصبح أكثر عجزاً عن ملاحقة الثغرات الهائلة في جدرانه، هذه الجدران التي تتهالك مع مرور الزمن، وتزداد تهالكاً مع كل مناورة، وحتى الساعة لا يعرفون لرأبها سبيلاً، ولن يعرفوا.

للمرة الأولى تنشر"يديعوت أحرنوت"، تقرير الجيش"الإسرائيلي" عن تقدير الموقف شمالاً وجنوباً، ويخلص التقرير إلى تراجع إمكانية حدوث حرب، خصوصاً على الجبهتين السورية واللبنانية، ويبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية اندلاعها جنوباً في غزة. والحقيقة أنّ هذه خلاصة رصينة، ويتفق معها كل من يراقب موازين القوى وميزان الردع، وكل من يتابع الواقع والوقائع. وبما أنّ هذه الخلاصة ليست استنتاجاً خالصاً لجيش العدو، فهي خلاصة سطوه على استنتاجات الآخرين، لأنّ منطلقاته وحيثياته للوصول لهذه النتيجة، شديد العوار والتهالك حد الفضيحة، خصوصاً في الجبهتين اللبنانية والسورية.

يقول التقرير"إنّ احتمالية أن يقوم أعداء "إسرائيل" بالمبادرة للحرب منخفض، وكذلك احتمال تصعيد مفاجئ تراجع في الساحة الشمالية، أما في غزة، فقابلية الانفجار عالية وكذلك في الضفة، أما في الساحة اللبنانية والسورية أو العراقية، فإنّ أرجحية تأجج مفاجئ منخفضة، وستظل منخفضة السنة المقبلة 2022، وهذه أخبار جيدة، بشرط ألّا تؤدي لاطمئنان في الجيش الإسرائيلي".

هذه الخلاصة أعادها التقرير إلى أربعة عناصر، وهنا تكمن الفضيحة الثانية بعد فضيحة السطو على استنتاجات الآخرين، والعناصر باختصار هي:

العنصر الأول: "تم كبح التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وتم الحد من تعاظم حزب الله والميليشيات الموالية لإيران وحيازة أسلحة استراتيجية - صواريخ وطائرات دون طيار- وكذلك عرقلة التزود ببطاريات دفاع جوي، والتي تهدد حرية عمل سلاح الجو، وهذا نتيجة مباشرة لفعالية المعركة بين الحروب"، حسب تعبيره.

العنصر الثاني: "الرئيسان بوتين والأسد معنيان بخفض التوتر واستقرار سياسي، للبدء بإعادة الإعمار، مع رغبة جميع القوى على الأرض السورية بإنهاء الحرب الأهلية.. تمركز إيران في سوريا يتم بالرغم من استياء الأسد.. في المؤسسة العسكرية يعتقد الكثيرون بضرورة مساعدة الأسد على بسط سيطرته على سوريا كلها، للتخلص من الإيرانيين على حدودنا، والسعي لدى واشنطن لمساعدة الأسد على إعادة الإعمار، للحد من التأثير الروسي"، حسب زعمه.

العنصر الثالث: "الميزانية الجديدة التي تسمح للجيش تحسين مخطط هجمات إحباط الهرولة الإيرانية نحو السلاح النووي"، حسب تعبيره.

العنصر الرابع: "التعاون الاستخباري والأمني مع دول المنطقة، ومناورة (علم أزرق) التي جرت بقيادة سلاح الجو (الإسرائيلي) في البحر الأحمر بمشاركة إماراتية بحرينية، وزيارة رئيس سلاح الجو عميكام نوركين إلى الإمارات".

هناك عنصران إضافيان أضافهما التقرير:

الأول: أنّ "حزب الله مربك سياسياً وجماهيرياً، وتراجعت جاهزية السيد نصر الله للخروج إلى مواجهةٍ مدمرة مع "إسرائيل"، وهذه نتيجة جيدة للمعركة بين الحروب"، على حد قوله.

الثاني: "قدرات الجبهة الداخلية على مواجهة خطر الصواريخ الجوالة والطائرات دون طيار، عبر دمج تكنولوجيا لايزر، أشعة كهرومغناطيسية، مجسات ووسائل كشف، سايبر وذكاء اصطناعي"، حسب زعمه.

إذا بدأنا من أخيراً والأسباب الإضافية، فإنّ معركة سيف القدس كانت دالّة جداً على العجز "الإسرائيلي"، في مجال الدفاع الجوي، وضعف القدرة على مواجهة الصواريخ، التي لا تُقارن قدرة ودقة بالصواريخ الإيرانية، أو ما تقوله "إسرائيل" عما يمتلكه حزب الله من صواريخ دقيقة. أمّا عدم جاهزية السيد نصر الله للخروج إلى حربٍ مدمرة مع "إسرائيل"، نظراً لأنّ الحزب مربك سياسياً وجماهيرياً، فالحقيقة لم يستمع أحدٌ إلى أنّ السيد نصر الله تحدث عن مبادرةٍ للحرب، بل كل كلامٍ قاله أو تهديد أو تحذير وجهه، إنّما كان في إطارٍ دفاعيٍ بحت، بينما إرجاع ذلك للارتباك السياسي والجماهيري، هو ليس عواراً فقط، بل عمىً كلي حد الفداحة والفضيحة؛ فأكثر الأحزاب رصانة وحكمة واتزاناً سياسياً هو حزب الله. المربك لا يستطيع ضبط نفسه أمام سيل الدماء في الطيونة أو خلدة، والمربك لا يتسامح مع الاعتداء على سلاحه في بلدة شويا، لأنّ المربك لا ضابط لحركته سوى ارتباكه، وهذا السلوك من الحزب وردات فعله، إنّما تنم عن ثقةٍ بالنفس، وعن حكمةٍ وعن فكر استراتيجي منضبط ومنظم، أمّا القدرة على الحشد الجماهيري، فلا يمكن مقارنة قدرة الحزب بأي حزبٍ لبناني على الإطلاق.

بالعودة للعنصر الأول، حيث النتائج المبهرة التي يصورها التقرير لما تسمى المعركة بين الحروب من كبح تمركز إيران وحزب الله، فإنّ الواقع الميداني لا علاقة له بالفضيحة التي يوردها التقرير عن معركة بين الحروب الفاشلة. الواقع أنّ سوريا انتصرت، والنتيجة الحتمية لهذا الانتصار، هو تخفيض عديد القوات بما فيها قوات الجيش السوري، وهذا ما نلاحظه من عمليات التسريح التي تتم، وقد كانت مستبعدة ولا تحدث إبان اشتعال الجبهات. ثم من قال إنّ قدرة الحزب تقلصت لناحية الصواريخ والطائرات دون طيار؟ هذا أقله يتناقض مع تقديرات الجبهة الداخلية لأعداد الصواريخ التي ستتلقاها وقت اندلاع المواجهة، وإنّ منع الحزب من التزود بسلاح دفاعٍ جوي، لا أحد يستطيع إثباته أو نفيه على الإطلاق إلّا الحزب أو ميدان الحرب، فكيف يقفز تقرير الجيش لهذا التأكيد؟ إنّها مجازفة لا يمكن لطفلٍ بدأ لتوه تعلم الكلام القفز إليها، و"إسرائيل" التي تقف على "رجل ونص"، كلما لاحت لها سبابة السيد نصر الله، تحدثنا عن كبح قوة الحزب ومنجزات المعركة بين الحروب، لذا أخلاقها الحميدة حصراً، هي التي تردعها عن مهاجمة لبنان!

أمّا العنصر الثاني، فلا يبدو أكثر من لوثةٍ عقلية، أو في أفضل الأحوال تأثراً بإعلام النفط شديد السطحية والببغائية، وهي فضيحة على أي الحالتين. إنّ خروج إيران من سوريا لا يتطلب سوى توقيع الرئيس الأسد، لأنّ مستشاريها العسكريين دخلوا سوريا بذات التوقيع، بينما سيناريوهات الدسائس، وتوافق المصالح السورية الروسية "الإسرائيلية"، لا يصلح حتى للتفنيد، لأنّه يحتمل كماً هائلاً من السخافة. إنّ المصلحة السورية العليا هي الحاكم في التعامل مع الغارات "الإسرائيلية"، كما هي مصلحة محور المقاومة مجتمعاً، حيث لا يمكن السماح للعدو بفرض توقيت المعركة، طالما أنّه يلتزم الخطوط السورية الحمراء، ويبتعد قدر استطاعته وبكل ما أوتي من حرصٍ وحذر، عن خطوط المحور عالية التردد، وهذا لا ينفي الدور الروسي والتنسيق القائم، لكنه في ذات الوقت لا يعطي إنجازاً للاستراتيجية الفاشلة المسماة معركة بين الحروب.

يبدو هذا التقرير موجّهاً للجبهة الداخلية، التي تزداد قلقاً مع كل ساعة، خصوصاً مع المناورة الأخيرة، التي أثبتت عدم قدرتها على مواجهة اندلاع الحرب، وأنّها جبهة هشة على كل المستويات، التقنية واللوجستية والنفسية، لذا جاء هذا التقرير ليعطيها دفعاً معنويا. لكنه دفعٌ بلا طائل، بل على النقيض من ذلك، سيصبح أعداء "إسرائيل" أكثر إدراكاً أنّها أوهن من بيت العنكبوت، وأنّ جيشاً بهذه القدرة على اختلاق الوهم، لا يمكن له مواجهة الحقائق في الميدان. إنّ هذا التقرير الفضيحة، يصلح للبدء بكتابة تقرير الموت الدماغي لكيانٍ فاخر ولا زال بالعقلية اليهودية، التي تريد العرب أيديَ عاملة في خدمة عقلها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات