آراء وتحليلات
الإمارات.. تكريس العودة العربية إلى الحضن السوري
عبير بسام
منذ بداية العام الحالي ابتدأت الهجرة العربية باتجاه دمشق. وفود دبلوماسية وأمنية وتجارية على حد سواء. وفود دول حاربت سوريا في المحافل الدولية، وأرسلت لها الإرهابيين ومولتهم واتبعت خطط أصحاب القرار في قتال سوريا وتقسيمها، وبعد أحد عشر عاماً من الحرب على سوريا يعودون إلى حضنها، لأنّه الحضن الوحيد الصادق والقوي، القوي بصمود أسطوري للجيش والشعب والقيادة. الأسود الصامدة في عرينها بدأت الضباع بالتقدم نحوها، لتقدم فروض الاحترام.
كان الجميع ينتظر انتهاء سوريا التي حمت عرينها ليبدأ بعدها تقسيم البلد وتقاسم خيراته من غاز، فسوريا البلد الثاني عالميًا، والأول عربيًا في مخزون الغاز، والذي لم يمس بعد، والبترول، والمحاصيل الزراعية، والفوسفات، الذي لا يعرف حتى اليوم مقدار المخزون أو الإنتاج السوري منه، وهو من أنواع الفوسفات التي يمكن أن تتحول إلى يورانيوم مخصب، والذي يثير قلق الجميع حول من سيكون المستفيد الأول منه.
استقبلت سوريا على طول هذا العام وفودًا عربية مختلفة، منها دول وقفت على الحياد خلال الحرب على سوريا ومنها دول كانت جزءًا من غرفة الموك الاستخباراتية في الأردن ومنها السعودية وقطر والإمارات بحضانة الأردن. أوقفت المخابرات الأميركية دعم هذه الغرف في زمن دونالد ترامب، ولكنها لم تغلق تكتيكياً إلّا منذ فترة وجيزة، بعد أن حلّ اليأس منها، لأنه ثبت على أرض الواقع حجم فشل هذا التكتيك. ويبدو أنّ ترامب كان أقدر على قراءة الواقع من سلفه وخلفه على حد سواء، ولو خرج الأميركي منذ أن اتخذ ترامب قراره لكان وفر 5 سنين من الحرب المجحفة على الشعب السوري. صحيح أن التدفق العربي والغربي قد تأخر، ولكن المثل العربي يثبت معناه في سوريا فقط: "سألوا شعبان ليش ما بتجي برمضان، فقال لأن كل شي بوقته حلو". وهذا ما حدث بالضبط، لقد أنهكوا جميعًا، وبقيت سوريا صامدة مع حلفائها، وفي الحقيقة إنهم باتوا أقوى؛ ولأن الأجندات الخفية بعد توقيع معاهدة ابراهام فضحت.
بالتأكيد لم تكن العودة الإماراتية خارج نطاق التوافق الإماراتي مع كل من الصهيوني والأميركي وبالتالي السعودي، وتتزامن مع الخروج الأميركي من المنطقة وهذا له دلالاته، وهي ليست إلّا بداية التدفق، والذي ستتمخض عنه عودة الجامعة العربية إلى سوريا، لأنّ سوريا لن تعود إلى أي جامعة للعرب يقودها العربان. والعودة تثبيت لدور سوريا المحوري في المنطقة، وخاصة مع وضوح الرؤية بخروج الأميركي منها. لم تنتهِ الزيارة الإماراتية عند هذا الحد فقد تبعتها مهاتفة من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للوزير الإماراتي عبد الله بن زايد. ثم كانت دعوة للوزير الإيراني إلى الإمارات حيث النتائج لمصلحة محورٍ صمد ستتوالى.
ولكن لا يخطئن أحد البوصلة، فسوريا استقبلت العرب كعادتها وهي قوية ومنتصرة ومتماسكة، وأكثر صلابة في موقفها فيما يتعلق بقضية تحرير أراضيها، ووقوفها إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين، وقد شكلت حلفًا استراتيجيًا قويًا مع حلفائها وأولهم المقاومة في لبنان. ولا بد أن العلاقات العربية - العربية مع سوريا ستعود إلى مجراها، ولكن بالتأكيد ما عجز الجميع عن الحصول عليه بالحرب، لن يحصلوا عليه بالسلم وعبر العلاقات السياسية، وكلٌّ بات يعرف حجمه الحقيقي، حتى الأميركي.
ستحمل زيارة ابن زايد، بحسب مصدر لموقع "العهد" الاخباري، رسائل من أجل ضمان أمن الكيان العبري، وقد تحمل في طياتها الحديث عن العودة إلى معاهدات السلام مع "الإسرائيلي"، ولكن هذا الأمر لا يتعلق بالموقف السوري، وإنما يتعلق باستعداد الكيان للعودة إلى حدود 1967، واسترداد الجولان المحتل حتى حدود بحيرة طبريا. ولكن سوريا بالتأكيد لن تقبل بالتطبيع مع العدو الصهيوني. وإن جاءت زيارة الوزير الإماراتي بتوافق مع الأميركي المعترض صوريًا فقط.
أثبتت سوريا أهميتها في بناء البنيان العربي الأصيل، القادر على فتح أذرعته لاستقبال إخوانه مهما أبدوه من أسى، وهكذا يكون العربي الأصيل. وهذا ليس بالجديد فالقيادة السورية ابتدأت بالمصالحة والمسامحة مع أبنائها الذين خذلوها، ودخلت في التسويات التي أطالت عمر الأزمة 5 سنين في درعا، من أجل حقن الدماء السورية.
في نهاية اللقاء تسلم الرئيس الأسد دعوة لزيارة الإمارات. وقد يستشعر البعض من هذه الزيارة أنها محفوفة بالمخاطر، لذلك إذا تمت الاستجابة للدعوة هناك أولاً ضمانات يجب أن تعطى، وثانياً، ستكون دليلًا على شجاعة الأسد واستمرارية الصمود الذي أبدعت سوريا ورئيسها في احترافه منذ بداية الحرب عليها. وقد بدأت نتائج الغيث بالظهور، فبحسب وكالة "سانا" وقعت الإمارات عقد استثمار لبناء محطة كهروضوئية باستطاعة 300 ميغا واط مع وزارة الكهرباء في سوريا، وسيبدأ تسيير رحلات مباشرة لشركة أجنحة الشام بين دمشق وأبو ظبي. زيارة الإمارات ليست إلا فاتحة تمهد لقدوم السعودي بشخصه إلى سوريا، لتعود القيادة العربية إلى من هم أهلٌّ لها، أي سوريا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024