معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

اغتيال الكاظمي.. ابحثوا عن المستفيد
10/11/2021

اغتيال الكاظمي.. ابحثوا عن المستفيد

بغداد - عادل الجبوري

    هناك سياق منطقي يطرح عند البحث والتحري عن أي جريمة ترتكب، يبدأ من السؤال التالي:

من المستفيد من ارتكابها؟

   ولا يختلف الأمر سواء كانت الجريمة ذات طابع سياسي أو غير سياسي.

   وعند التحري والتدقيق والبحث في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فجر السابع من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، لا بد من استحضار هذا التساؤل والانطلاق منه عند تحليل الوقائع والمعطيات، وتفكيك بعض الشبهات والفرضيات التي ربما تبدو بعيدة عن الواقع.

   ولأكثر من سبب وجهت اصابع الاتهام سريعًا الى فصائل المقاومة -أو الى البعض منها- ومن بين هذه الأسباب، مقتل عدد من المتظاهرين أمام احدى بوابات المنطقة الخضراء -احتجاجا على نتائج الانتخابات البرلمانية- برصاص القوات الأمنية، وتم تحميل المسؤولية لرئيس الوزراء باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. والسبب الثاني، أن هناك موقفًا سلبيًا تبنته بعض فصائل المقاومة منذ وقت مبكر حيال الكاظمي، ارتباطًا بجملة أمور، قد يكون أبرزها، طبيعة سياساته ومواقفه المتماهية مع الولايات المتحدة الاميركية ومحورها في المنطقة. والسبب الثالث، يتمثل في ان استهداف منزل الكاظمي بطائرات مسيّرة، كان مشابهًا الى حد كبير مع عمليات استهداف طالت مواقع عسكرية ودبلوماسية اميركية في اوقات سابقة، في بغداد واربيل وصلاح الدين، والتي إما أعلنت المقاومة مسؤوليتها عنها، أو أن المؤشرات العامة كانت تذهب بهذا الاتجاه.

   وفي ظل الأجواء والظروف الراهنة، ما تعلق منها بالانتخابات وتداعياتها، أو ما يرتبط منها باستحقاقات الانسحاب الأميركي الكامل من العراق نهاية العام الجاري، من الصعب جدًا العثور على مبررات ودوافع مقنعة يمكن أن تعود بالنفع على فصائل المقاومة من وراء عملية اغتيال الكاظمي، سواء كانت قد نجحت أو فشلت، فهي بصرف النظر عن نتيجتها، لن تفضي الى تصحيح أخطاء الانتخابات وتعيد حقوق الذين ضاعت أصواتهم، ولن تسرع بمغادرة الاميركيين، إن لم يحصل العكس تمامًا بالنسبة لكلا الأمرين.

   مختلف قادة فصائل المقاومة، عبروا في بياناتهم وتصريحاتهم عن الآثار والتبعات الخطيرة لاستهداف الكاظمي، هذا فضلًا عن تحركهم الايجابي مع الجهات الحكومية وغير الحكومية لاحتواء الموقف والحؤول دون خروج الأمور عن السيطرة، لوجود قناعة راسخة أن هناك من يسعى الى خلط الارواق واشعال الفتنة.

    ولأن محاولة الاغتيال جاءت بعد وقت قصير جدًا من مقتل واصابة عدد من المتظاهرين أمام المنطقة الخضراء، وبعد تحميل الكاظمي مسؤولية ما حصل، وتزايد الضغوطات والانتقادات الموجهة له، فإن البعض اعتبر أن محاولة الاغتيال لا تعدو كونها تمثيلية، تم اعدادها واخراجها من قبل الكاظمي نفسه، وعلى ضوء مقترحات وتوصيات من مقربين منه واطراف متعاطفة معه ومؤيدة له. ولكن مثل هذه الفرضية، قد لا تصمد هي الأخرى كثيرًا أمام حقائق الواقع، لا سيما اذا عرفنا أن الكاظمي حتى لو استفاد منها آنيا، فإنه على المدى الأبعد لن يستفيد منها، خصوصًا في حال تكشفت الأسرار والخفايا بعد حين. نعم، قد يكون الكاظمي قد حظي بتعاطف وتأييد محلي واقليمي ودولي كبير، بيد أن ذلك لن يكون كافيا له للانتصار على خصومه، اذا افترضنا ان هناك معركة من نوع ما بين الطرفين، ناهيك عن ان خلط الاوراق بمقدار كبير، وعبر سيناريو اغتيال مفبرك، لن يقتصر وتنحصر آثاره السلبية على خصوم الكاظمي فحسب، بل انها ستنعكس عليه عاجلا أم اجلا.

   الفرضية الثالثة، تقوم على وجود طرف ثالث، يسعى الى ارباك المشهد العراقي العام وخلط اوراقه، وبالتالي دفع الأمور الى غياهب مجهولة ومظلمة، في مثل هذا المنعطف الحساس والخطير، الذي لا يتطلب سوى عود ثقاب صغير لتضطرم النيران في كل مكان، وكما أشار الامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي الى "محاولة جهات مخابراتية استهداف المنطقة الخضراء والقاء التهمة على فصائل المقاومة، وذلك عقب الصدام بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات".

   والملاحظ ان كل الاطراف الداخلية والخارجية، تحدثت عن مخططات خلط الاوراق واثارة الفتنة، وهي تعلق على محاولة اغتيال الكاظمي او تحلل ابعادها وتتعمق وتغوص في دوافعها، حتى ان الحديث تمحور حول حقيقة ان العملية لم تستهدف قتل رئيس الوزراء العراقي بقدر ما أريد من ورائها تصعيد الموقف.

   وفي هذا الاطار تثار جملة أسئلة واستفهامات، من قبيل لماذا لم تعمل منظومة (C.RAM) الاميركية المتخصصة في التصدي لأي هجوم يستهدف السفارة الاميركية ومحيطها في داخل المنطقة الخضراء؟ ولماذا تم استهداف منزل بدا مهجورًا يخلو من الأثاث، وهذا شيء غريب بالنسبة لمكان يستخدمه رئيس الوزراء، سواء كان للاستخدام الرسمي أو الاستخدام الشخصي الخاص، وكيف أحدثت الطائرة المسيّرة دمارًا ماديا كبيرًا في المنزل، كما ظهر من الصور والمقاطع المتداولة، بينما اقتصرت الاضرار البشرية على اصابات طفيفة طالت سبعة من عناصر الحماية، فضلا عن اصابة الكاظمي بساعده الايسر؟

   وسائل الاعلام الاميركية الواسعة الانتشار، كصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمر، وشبكة سي ان ان، ومراكز ابحاث مهمة، وغيرها، تحدثت عن هدف "خلط الاوراق" من وراء استهداف الكاظمي. ولعل واشنطن الطرف الاكثرة استفادة من خلط الاوراق، مع اقتراب موعد انسحاب قواتها بالكامل من العراق، ومع سعيها المحموم على ابقاء حالة التشظي والتشرذم والانقسام هي السائدة في المشهد السياسي العراقي.

   وبحسب ما يرى بعض اصحاب الرأي، "تجد الإدارة الأميركية طريقها نحو سحب القوات الأميركية في أواخر العام الحالي، لكنها بحاجة إلى القيام بترتيبات معينة تحفظ لها مصالحها في العراق، وتكفل لها السيطرة على القرار فيه، وتثبيت نفوذها في مرحلة ما بعد سحب القوات". وهنا يمكن ان نعثر على نقطة او نقاط تلاقٍ بين احداث ووقائع متقاربة في توقيتاتها الزمنية وفي ميادينها المكانية، دون ان يعني ذلك عدم وجود جهات اقليمية دخلت على خط الاغتيال والتصعيد وخلط الاوراق، كأطراف مساعدة ومساهمة مع المستفيد الاكبر من كل ذلك، وهي ذات الاطراف المتهمة بالتورط في التلاعب بنتائج الانتخابات ومخرجاتها الجدلية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات