آراء وتحليلات
روحاني في بغداد قريباً.. أعمق من زيارة
بغداد - عادل الجبوري
منذ بضعة أيام، والعاصمة العراقية بغداد تشهد استعدادات وتحضيرات متواصلة لاستقبال الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، الذي من المزمع أن يقوم بزيارة رسمية للعراق في الحادي عشر من شهر اذار-مارس الجاري، وفق ما ذكرت مصادر سياسية واعلامية عراقية وايرانية معا.
نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، جاء الى بغداد، منتصف الاسبوع الماضي، والتقى بكبار المسؤولين العراقيين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وفي وقت لاحق هاتف وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف نظيره العراقي محمد علي الحكيم، وقبل ذلك زار محافظ البنك المركزي الايراني عبد الناصر همتي بغداد، وأجرى مباحثات تفصيلية ومعمقة مع محافظ البنك المركزي العراقي مهدي العلاق ومسؤولين آخرين معنيين بالشأن المالي الاقتصادي، بينما يجري فريق من السفارة الايرانية ببغداد، يقوده السفير ايرج مسجدي، اتصالات متتابعة مع الجهات العراقية المعنية، لتهيئة كل مستلزمات زيارة الرئيس روحاني.
وفي مؤتمره الصحفي الاسبوعي الثلاثاء الفائت، قال رئيس الوزراء العراقي رداً على سؤال حول زيارة الرئيس الايراني "عازمون على حسم ملفات استراتيجية مع الرئيس الايراني الذي يعتزم زيارة العراق قريبا بناء على دعوة رسمية من الرئيس برهم صالح، لبحث عدة ملفات مشتركة والعلاقات الثنائية بين البلدين".
وتعد الزيارة المرتقبة للرئيس الايراني حسن روحاني الى العراق الاولى من نوعها منذ توليه منصب الرئاسة في ايران منتصف عام 2013، ولا شك ان ذلك يعطيها اهمية استثنائية، تتعزز بدرجة اكبر حينما نأخذ بعين الاعتبار طبيعة الظروف والتحديات التي يواجهها كل من العراق وايران، وعموم المنطقة، وحاجة الطرفين الى المزيد من التعاون والتنسيق بما يضمن مصالح شعبي البلدين، ويجنبهما مخاطر وتبعات الاجندات والمشاريع العدوانية الخارجية، في وقت اعتبرت وكالة "تسنيم" الايرانية للانباء، أن "زيارة روحاني للعراق في هذا التوقيت تأتي في إطار توسيع التعاون الاقتصادي المشترك بين البلدين، لا سيما في مرحلة ما بعد العقوبات الأميركية المفروضة على طهران".
ولا شك أن البعد الاقتصادي لزيارة روحاني المرتقبة، سيحظى بحيز كبير وواسع من البحث والنقاش، حيث ان العراق يعد من اكبر الشركاء التجاريين لايران على مستوى العالم والمنطقة، وفي وقت سابق اكد روحاني ان التبادل التجاري بين طهران وبغداد يقدّر بحوالي اثني عشر مليار دولار، وهناك مساعٍ وطموحات لرفعه الى عشرين مليار دولار في غضون الاعوام القليلة المقبلة.
وتتمثل آفاق التعاون الاقتصادي - التجاري بين العراق وايران، بمجالات الطاقة والسلع الغذائية والمنزلية والسيارات والصحة والاسكان والسياحة وغيرها.
وطبيعي أن ذلك النشاط الواسع والمتعدد الجوانب والوجوه، يتطلب توفر بيئات سياسية وأمنية مناسبة، وهذا ما يعمل الجانبان عليه طوال الوقت. ومن دون أدنى شك فإن زيارة بمستوى زيارة الرئيس الايراني، يمكن أن تساهم الى حد كبير في معالجة جملة من الاشكاليات، وفك بعض العقد، والتغلب على عدد من العراقيل والمعوقات المتعلقة بقضايا من قبيل ترسيم الحدود وملف المياه المشتركة، وتعويضات حرب الثمانية اعوام (1980-1988) وفق القرارات الدولية.
وبما أن مسيرة العلاقات العراقية - الايرانية قد اتسمت بالتنامي والتطور الملموس طيلة الاعوام الستة عشرة المنصرمة في شتى الجوانب والمجالات، وبما ان ايران اتخذت مواقف داعمة ومساندة للعراق بقوة حينما تعرض للعدوان الداعشي في صيف عام 2014، وبما ان مساحات التفاهم والوفاق بين الطرفين كبيرة جدا، فإن أي حراك لا بد من أن يمنح المزيد من المكاسب والمنافع للجميع، لا سيما اذا كان ذلك الحراك على أعلى الصعد والمستويات.
واذا كانت زيارة روحاني لبغداد لا تنفصل عن معطيات ومخرجات زيارة برهم صالح لطهران في السابع عشر من تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، فإن الزيارتين تعدان استكمالا ومواصلة لزيارات متبادلة سابقة، قام بها الرئيس الراحل جلال الطالباني، وخلفه الرئيس فؤاد معصوم، والرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد، فضلا عن مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين.
ولأن وفداً كبيراً ومهمّاً سيرافق الرئيس روحاني، فإنه من المتوقع أن تشهد زيارته إبرام عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في عدة مجالات، الى جانب تفعيل اتفاقيات مبرمة سابقا، بيد انها لم تجد طريقها للتطبيق بالمستوى المطلوب لاسباب وظروف معينة.
وبينما سيلتقي روحاني في بغداد بنظيره العراقي برهم صالح، وبرئيس الوزراء عادل عبد المهدي وعدد آخر من كبار الساسة والمسؤولين، فإنه من المقرر أن يزور مدينة النجف الأشرف ويلتقي المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، وربما مراجع دين آخرين، وهو ما ينطوي على رسائل بالغة الاهمية في معانيها ودلالاتها عن طبيعة وحقيقة العلاقة بين المؤسستين الدينيتين في كل من العراق وايران، واثر تلك العلاقة في توجيه الامور بمساراتها الصحيحة والسليمة.
وبقدر ما ستبعث الزيارة التاريخية لروحاني الى العراق الارتياح لدى أوساط ومحافل داخلية وخارجية عديدة، فإنها ستوجد العكس لدى أوساط ومحافل أخرى، لها أجنداتها وحساباتها ومصالحها الخاصة، الا أن ما لا يمكن انكاره ولا نفيه هو أن العراق وايران يعدان من الأطراف المؤثرة والمحورية في المنطقة، وتعاونهما وتفاهمهما وتوافقهما يعني الشيء الكثير، وكذلك فإن ما لا يمكن انكاره والتغافل عنه هو العراق بعد أن تجاوز المحطات الحرجة والمنعطفات الخطيرة، بات يحظى بالكثير من الاهتمام الاقليمي والدولي، لذا ليس غريباً أن نرى خلال أسبوعين فقط وجود ثلاثة زعماء قادمين من طهران وانقرة وفلسطين، في بغداد، روحاني واردوغان وعباس.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024