معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

استنفار عالمي في غلاسكو.. الطبيعة بخطر والبحار ترتفع سنويًا
03/11/2021

استنفار عالمي في غلاسكو.. الطبيعة بخطر والبحار ترتفع سنويًا

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

أنظار العالم كله متجهة هذه الأيام الى المملكة المتحدة، وتحديدًا الى غلاسكو في إسكتلندا، التي تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ الذي يمتد إلى 12  تشرين الثاني الجاري. البشرية جمعاء تنتظر الوصفة الأممية الانقاذية الموحدة والفعالة التي ستخرج عن المجتمعين، لتخفيف النزف الذي تعاني منه الطبيعة في كوكبنا، والذي دخل في حالة حرجة.

الآمال معلقةّ على هذا الحدث الذي بدأ في 31 تشرين الاول الماضي، ويشهد حاليًا اجتماع قادة من أكثر من 190 دولة، فضلًا عن آلاف المفاوضين والباحثين والمواطنين لتعزيز الاستجابة العالمية لتهديد تغير المناخ. إنها حركة محورية للمجتمع الدولي، أن يجتمع ويسرّع خطة العمل المناخية.

داخل قاعة الحرم الجامعي في غلاسكو (مكان القمة)، ثمة بند وحيد تجده في الاوراق الموضوعة امام القادة، ويتردد في خطاباتهم الا وهو "الاحتباس الحراري" ذلك الوحش الذي لم يكف عن النهش بالطبيعة التي يبدو انها فقدت مناعة مقاومته، ووضعتنا امام مسؤولياتنا، إذ لم يعد من مجال للمماطلة والتسويف للتعامل مع الاخطار الكبيرة القادمة نحونا بخطىً متسارعة، او تجاهل الكوارث الكبرى التي ستحل بنا ان استمررنا في ادارة ظهورنا للطبيعة، وهي قد بدأت تظهر لنا شيئًا فشيئًا، وهذه أبرز ملامحها:

كانت السنوات السبع الماضية هي الأكثر دفئًا وتسارعًا على الإطلاق في ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي منذ عام 2013، وقد وصلت إلى مستوى عالٍ جديد في عام 2021، وفقًا لتقرير مؤقت أصدرته "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية".

التقرير كان بمثابة جرس انذار أخير للعالم، وهو قد حمل عنوان "حالة المناخ العالمي 2021"، وصدر في جنيف في 31 تشرين الاول الفائت، مع انطلاق مؤتمر COP26 في غلاسكو، ويجمع بين المدخلات من وكالات الأمم المتحدة المتعددة، وخدمات الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا الوطنية، والخبراء العلميين.

بنى تقرير المنظمة (WMO) معطياته على أحدث الأدلة العلمية لإظهار كيف يتغير كوكبنا أمام أعيننا. من أعماق المحيطات إلى قمم الجبال، ومن ذوبان الأنهار الجليدية إلى الظواهر الجوية القاسية، تتعرض النظم الإيكولوجية والمجتمعات في جميع أنحاء العالم للدمار.
للتعرف على ما حلّ بكوكبنا في السنوات الأخيرة، فلنتابع سويا ما كشفه الأمين العام للمنظمة (WMO)، البروفيسور بيتيري تالاس الذي قال: "لأول مرة على الإطلاق، أمطرت السماء - بدلاً من تساقُط الثلوج - في ذروة الغطاء الجليدي في غرينلاند. عانت الأنهار الجليدية الكندية من ذوبان سريع. ودفعت موجة الحر في كندا والأجزاء المجاورة من الولايات المتحدة، درجات الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في قرية في كولومبيا البريطانية".

أكثر من ذلك، سجل وادي الموت في كاليفورنيا درجة حرارة 54.4 درجة مئوية خلال إحدى موجات الحرارة المتعددة في جنوب غرب الولايات المتحدة، بينما شهدت أجزاء كثيرة من البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة قياسية، غالبًا ما كانت مصحوبة بنيران مدمرة في العديد من بلدان العالم. اما السبب ففتش عن ظاهرة الاحتباس الحراري المقلقة.

وللمزيد من المصداقية لا بد من الاستعانة بلغة الأرقام.

بلغت تركيزات غازات الدفيئة مستويات عالية جديدة في عام 2020. كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون 413.2 جزء في المليون، والميثان 1889 جزءا في المليار وأكسيد النيتروز 333.2 جزء في المليار. هذه المستويات على التوالي، كانت تزيد بنسبة 149 في المائة، و 262 في المائة، و 123 في المائة عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. واستمر هذا الارتفاع في العام 2021.

 انعكس ازدياد هذه الغازات على حرارة الطقس، فقد كان متوسط درجة الحرارة العالمية لعام 2021 (بناءً على بيانات المنظمة، من شباط إلى  ايلول) أعلى بحوالي 1.09 درجة مئوية عن المتوسط، خلال الفترة بين العامين 1850 - 1900. علاوة على ذلك، عُدّ العام 2016، الأكثر دفئًا على الإطلاق وفقًا لمعظم مجموعات البيانات التي تم مسحها.

 المقلق، أن 90 بالمائة من الحرارة المتراكمة في نظام الأرض، مخزن في المحيط، وهي تقاس من خلال المحتوى الحراري للمحيطات.
لننتقل الان الى المحيطات والبحار، ونتعرف كيف تأثرت بظاهرة الاحتباس الحراري.

لنبدأ بالمحيطات.

 استمر ارتفاع عمق المحيط البالغ 2000 متر، في الارتفاع في عام 2019، ليصل إلى مستوى قياسي جديد، إذ شهدت معظم المحيطات موجة حارة بحرية قوية واحدة على الأقل في عام 2021.

يمتص المحيط حوالي 23 بالمائة من الانبعاثات السنوية لثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي، وهذا يجعله أكثر حموضة. المثير ان الرقم الهيدروجيني لسطح المحيط المفتوح على مستوى العالم، انخفض على مدار الأربعين عامًا الماضية، وهو الآن في أدنى مستوى له منذ 26000 عام على الأقل بحسب التقرير. ومع انخفاض درجة الحموضة في المحيط، تتراجع قدرته على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

  وإذا توجهنا نحو البحار نجد، ودائما الكلام  لمنظمة (WMO)، أن متوسط ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي كان يبلغ 2.1 ملم سنويًا، بين عامي 1993 و 2002، لكنه قفز إلى 4.4 ملم سنويًا بين عامي 2013 و 2021 ، ويرجع ذلك في الغالب إلى الفقد المتسارع للكتلة الجليدية من الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية. وقد سجل حجم كتل الجليد البحري في جميع أنحاء القطب الشمالي انخفاضا قياسيا في النصف الأول من تموز 2021، اما سبب هذا الارتفاع القياسي في مستوى سطح البحر، فيعود إلى الاحترار وتحمض (اي حموضة) مياه المحيطات.

وماذا عن الانهار الجليدية والظواهر المناخية القاسية؟

 خلال العقدين الماضيين، تسارع  فقدان الأنهار الجليدية في أمريكا الشمالية، وتضاعف تقريبًا في الفترة 2015-2019،  مقارنة بالفترة 2000-2004.

في الواقع، غيّر الطقس القاسي بسبب ظاهرة النينيا 2020/2021، (وهي تحدث اضطرابات قوية في حالة الطقس عالميًا)  مواسم هطول الأمطار، مما ساهم في تعطيل سبل العيش والحملات الزراعية في جميع أنحاء العالم. وقد ضاعفت الظواهر الجوية القاسية خلال موسم هطول الأمطار لعام 2021، من الصدمات القائمة".

وفي إشارة إلى موجات الحر وحرائق الغابات الاستثنائية في أمريكا الشمالية وكذلك الفيضانات في أوروبا الغربية، قال التقرير "إن احتمال هطول الأمطار الغزيرة قد زاد بسبب تغير المناخ"

 زد على  ذلك، فإن موجات الجفاف المتتالية عبر أجزاء كبيرة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تزامنت مع العواصف الشديدة والأعاصير، مما أثر سلبا بشكل كبير على سبل العيش والقدرة على التعافي من الصدمات المناخية المتكررة.

بالنتيجة، الظواهر الجوية القاسية والظروف الجوية، التي غالبا ما تتفاقم بسبب تغير المناخ، كان لها تداعيات كبيرة ومتنوعة على تشريد السكان وعلى ضعف الأشخاص الذين نزحوا بالفعل على مدار العام. فمن أفغانستان إلى أمريكا الوسطى، تضرب موجات الجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية القاسية أقل الناس استعدادا للتعافي والتكيف".

وهنا يحضر السؤال التالي: كيف ستتعامل الدول الفقيرة مع مسألة التغير المناخي؟

وفقًا للأمم المتحدة ستحتاج البلدان الضعيفة إلى ما يصل إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 للتكيف مع المناخ وحده، هذا بصرف النظر عن الخسائر الاقتصادية المحتملة من فشل المحاصيل أو الكوارث المرتبطة بالمناخ. وقد كلّف إعصار ماريا وحده، في عام 2017 منطقة البحر الكاريبي 69.4 مليار دولار.

 هذه الارقام الكارثية، دفعت الدول الكبرى لا سيما اوروبا الى الاستنفار وتوحيد جهودها في السنوات القليلة الاخيرة، لإنقاذ الطبيعة، وتبعا لذلك، قال رئيس السياسة المناخية في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانز، إن "تسليم 100 مليار دولار كان إحدى أولوياته الثلاث لمؤتمر COP26، إلى جانب الانتهاء من كتاب قواعد باريس، وتأمين أهداف أكثر طموحًا لخفض الانبعاثات.

واضاف تيمرمانز "أعتقد أنه لا يزال لدينا فرصة للوصول إلى 100 مليار دولار" وأضاف: سيكون من المهم جدًا بالنسبة لغلاسكو أن تفعل ذلك، أيضًا كدليل على الثقة والثقة في العالم النامي. لكن في الواقع الـ 100 مليار دولار، هي جزء ضئيل من 14.6 تريليون دولار التي حشدتها الاقتصادات الكبرى العام الماضي استجابة للوباء، استنادا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
 ايطاليا كانت  من اوائل الدول الاوروبية التي لبت نداء تميرمانز، فأعلنت الأحد الماضي أنها ستضاعف مساهمتها في تمويل المناخ ثلاث مرات إلى 1.4 مليار دولار سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعلى المنوال ذاته، تعهدت الولايات المتحدة،  في  ايلول الفائت، بمضاعفة مساهمتها إلى 11.4 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2024 والتي قال محللون إنها أقل بكثير من حصتها العادلة، بناءً على الحجم والانبعاثات (التي تعد الاكبر في العالم) وقدرتها على الدفع.

 ومع ان هذه الخطوات الايجابية - والتي تشير الى انه لا يزال هناك بصيص امل، يلوح في الافق - تبقى غير كافية لإيقاف تدهور الطبيعة، والعبرة في النهاية بالافعال، لكن ما اتخذ من اجراءات ومبادرات يبنى عليه، خصوصا بعد تعهد أكثر من 100 من قادة العالم الاثنين الماضي، بوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهور الأراضي بحلول نهاية العقد، والاهم تقديم حوالي 19 مليار دولار من الأموال العامة والخاصة للاستثمار في حماية الغابات واستعادتها.

  وعلى خط مواز، وبعيدا عن الموقف السياسي منها، حققت الولايات المتحدة نجاحا بارزا، حتما ستكون له تداعيات ايجابية على الطبيعة إذا ما صدقت حيث زفّ مسؤول كبير في إدارة بايدن بشرى للعالم، كاشفا أن ما يقرب من 90 دولة قد انضمت إلى الجهود التي تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات غاز الميثان من غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30 بالمائة، بحلول عام 2030.

ومن بين الموقعين الجدد الذين اعلن عنهم، البرازيل وهي واحدة من أكبر خمس دول في العالم تطلق غاز الميثان. لكن وللأسف لم توقع الصين وروسيا والهند، وهي أيضًا من بين أكبر خمس دول مصدرة لانبعاثات غاز الميثان، على التعهد. وقد تم إدراج جميع هذه الدول في قائمة تم تحديدها كأهداف للانضمام إلى التعهد، والتي سبق أن أوردتها رويترز.

وللتعريف، تشمل المصادر الرئيسية لانبعاثات غاز الميثان البنية التحتية المتسربة للنفط والغاز ومناجم الفحم القديمة والزراعة ومواقع دفن النفايات. إذا تم الوفاء بهذا التعهد، فمن المرجح أن يكون له أكبر تأثير على قطاع الطاقة، حيث يقول المحللون إن إصلاح البنية التحتية للنفط والغاز المتسرب هو أسرع وأرخص طريقة للحد من انبعاثات غاز الميثان.

الامر الايجابي الاخر، والناجم عن هذه الهبة العالمية، هي انه خلال  القمة، ستطلق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) "تحالف المياه والمناخ" لتنسيق العمل في مجال المياه والمناخ،  إضافة الى مرفق تمويل الرصد المنتظم، لتحسين عمليات رصد الطقس والتنبؤات التي تعتبر حيوية للتكيف مع تغير المناخ.

في المحصلة، والى ان نرى ترجمة لكل هذه الخطوات والمبادرات العالمية، لا شك ان حكام لبنان منفصلون عن العالم، غير مبالين بالانتهاكات والمجازر التي ترتكب بحق الطبيعة يوميا، إذ لا نكاد نغفو ونحن نستحضر صورة ساحرة وقعت اعيننا عليها لغابة او بستان، إلَّا ونصحو في اليوم التالي، وقد اختفت تماما، دون ان يبقى لها اثر، اما بسبب قطع جائر او حريق متعمّد، والفاعل يبقى مجهولا بطيعة الحال، فيما السلطة المختصة (اي وزارة البيئة) غائبة الا عن حضور المؤتمرات والندوات والقاء الخطابات. اما آن الاوان لإنقاذ طبيعتنا؟ هل من مبال؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات