آراء وتحليلات
السودان وليبيا ونماذج الصراعات غير المبدئية
إيهاب شوقي
المراقب للوضع العربي يلحظ مزيدًا من الصراعات الداخلية، واتجاه الأمور نحو تصاعد الفوضى، كما هو الحال في السودان وليبيا وغيرهما، كما أن الصراعات غامضة وتتخذ عنوانًا مدنيًا عسكريًا لا يشي بقضايا مبدئية أو توجهات صريحة.
أضحت معظم الصراعات بين معسكرات لا يستطيع فيها المُتمسك بالثوابت الانحياز لأي منها، فبدلًا من وجود معسكرين تقليديين للحق وللباطل، أصبحت هناك معسكرات متعددة على الباطل وباتت الصراعات البينية بينها طافية على السطح ومتصدرة للعناوين، وهو ما خلق حالة من البلبلة لكل من تتجه فطرته الطبيعية للانحياز أو حتى الميل لأي من اطراف الصراع.
بعد سنوات طويلة من الدعايات المضادة للمقاومة ومحاولة تحريف الصراع واختلاق أعداء جدد وتحويل التناقضات الفرعية لتناقضات رئيسية، يبدو أن الأمة تجني ثمارًا فاسدة لبذور تم غرسها في غفلة من رعاة الأرض وأصحابها، ويبدو أن الشعوب بل والنخب المدنية والعسكرية تدفع الثمن هي الأخرى.
ومع تكثيف الدعايات للتطبيع مع العدو الصهيوني ومحاولة جعله أمرًا واقعًا عبر الترهيب بقوته المبالغ بها وغرس الانهزامية تارة، وعبر الترغيب بوعود الرخاء ومنافع التطبيع الاستثمارية والاقتصادية والصحية وغيرها تارات، تشكل وعي جيل كامل على هذه الدعايات وهو ما تسبب في تراجع ثقافة المقاومة وتسبب بخلل في الوعي السياسي والوجدان الجمعي، وهو ما شكل تراجعًا سياسيًا عامًا للقضايا والتي لولا المقاومة وصمودها لكانت في طي النسيان وعلى قيد التصفية.
واليوم تشهد بلدان عديدة صراعات وانقلابات على جوهر غير الثوابت والقضايا، بل على الحكم والعروش والمنافع الذاتية.
وفي ليبيا التي ضربها الإرهاب وتتنازع فيها المعسكرات الاقليمية والدولية، نرى أن القضايا والثوابت غائبة، وأن الصراعات تنحصر بين المطبعين مع العدو؛ ففي أحدث التقارير، ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن كلا من سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، والمشير خليفة حفتر تعاقدا مع شركة إسرائيلية للدعاية والإعلان لتولي الحملة الانتخابية بهدف الترشح للرئاسة.
وأشارت الصحيفة الصهيونية إلى أن أحد أبناء حفتر قد وقع مؤخرًا العقد مع الشركة، التي أدارت بنجاح حملات في "إسرائيل" وحول العالم، بما في ذلك حملات لرئاسة الحكومة والدولة.
وأضافت الصحيفة أن الشركة تلقت فيما بعد طلبًا من المرشح الآخر أيضًا، عن طريق عارضة أزياء تعيش في دبي.
وقالت الصحيفة نقلًا عن "شخصيات بارزة في الخليج"، إن الشركة سجلت كيانًا جديدًا لها في الإمارات بحيث يكون لها كيانان منفصلان يديران الحملات. وتقدر قيمة كلا العقدين بعشرات ملايين الدولارات.
وفي السودان التي شهدت انقلابًا عسكريًا على الانقلاب، تبدو القضية الوطنية غائبة، ويبدو رأسا الجيش والمدنيين كلاهما مطبعًا، فالبرهان وحمدوك رحبا علنًا بالتطبيع ولا يبدو الصراع بينهما على قضية إلا السلطة.
فقد أرجع عبد الفتاح البرهان توقيع حكومته اتفاقات "أبراهام" مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى "اقتناع الحكومة بأهمية نشر قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، في مختلف أديانهم وأعراقهم، بحسب الإذاعة الإسرائيلية.
وقد أدّت السعودية دورًا في دفع عملية التطبيع بين السودان و"إسرائيل"، عبر دفعها 335 مليون دولار إلى الولايات المتحدة من أجل تسريع تطبيع العلاقات بين الخرطوم و"تل أبيب"، وفقا لـ "ميدل إيست مونيتور".
بينما رئيس الوزراء السوداني المختطف حاليًا، عبد الله حمدوك، قد اعتبر في أول مقابلة مع وسائل إعلام إسرائيلية، أن عملية التطبيع مع "إسرائيل" في مصلحة بلاده، مؤكدًا أنها ستلتزم بهذا الاتفاق.
وأجرى حمدوك لقاء مع صحيفة "معاريف" الصهيونية، في مايو الماضي، أكد من خلاله أن عملية التطبيع مع "إسرائيل" ستستمر بأي حال من الأحوال، وذلك رغم التصعيد الأخير بين الكيان الصهيوني والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
ونقلت الصحيفة عن حمدوك: "هذا في مصلحتنا وهذا ما نريده. أخذنا على عاتقنا التزامات وستقوم بتنفيذها، نحن حاسمون بشكل كامل على تطبيق الاتفاق مع "إسرائيل" حتى إذا تمثل المواجهة الحالية بين" إسرائيل" والفلسطينيين لحظة غير مناسبة".
هذه الحالة المنتشرة في بلادنا بين طغمات عسكرية مطبعة وبين نخب مدنية لا تمانع التطبيع، هي انعكاسات وتراكمات للتخلي عن ثقافة المقاومة، ولا شك أن الشعوب تدفع أثمانها، لأن المنتصر في هكذا صراعات على السلطة، لن يستطيع تقديم حل للشعوب ومعاناتها، سواء كان مدنيًا أو عسكريًا.
أصل البلاء للشعوب هو الاستعمار ومؤسساته وهذا الكيان الصهيوني اللقيط، فهم الحائل دون التنمية وامتلاك وسائل القوة واستغلال الموارد، وهم السبب وراء الفتن والحروب الأهلية وإضعاف الشعوب وتدميرها.
ولن يستفيد أي معسكر ينتصر على غريمه بشيء ولن يفيد شعبه بشيء، طالما لا توجد على أجندته المقاومة ومناهضة الاستعمار، وعلى القوى السياسية والشعوب أن تعي ذلك وتستلهم الدروس من المقاومة ونجاحاتها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024