معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

نُخَب الظل الخفية وخيانة الشعوب والأوطان
26/10/2021

نُخَب الظل الخفية وخيانة الشعوب والأوطان

إيهاب شوقي

إذا كانت حالة التناقض بين مصلحة الشعوب ومصلحة أنظمتها حالة معتادة يمكن أن يكون الاستبداد والفساد تفسيرًا لها، فإن الحالة الأكثر غرابة وتناقضًا، والخاصة بتناقض سياسات الأنظمة ومصالحها الخاصة وأمن عروشها، هي  لغز كبير يحير الكثيرين.

 هنا نحن لن نبحر في نظريات للمؤامرة أو نطرح احتمالات أو أوهام أو تكهنات، وإنما نسعى لتقديم تفسير واقعي لحالة تبدو ‏هزلية نراها في أمتنا، وأبسط مصاديقها هو ما نراه من إصرار على الالتحاق بالمشروع الأمريكي رغم خسارة الأمريكي وفراره من المنطقة ‏واعتراف أمريكا نفسها ونخبها الفكرية بالتراجع والهزيمة.‏

ونحن هنا نرى أن هذه الحالة الغريبة تحتمل أحد سيناريوهين للتفسير:

الاول: هو أن هذه الأنظمة لا تفقه شيئا ومصابة بخلل في الإدراك والسلوك وانفصال عن الواقع. وهو مستبعد بلحاظ أنها تستطيع السيطرة على الحكم وتدرك جيدا كيفية إدارة استبدادها.

والثاني: هو وجود حكومة خفية، وهي ليست بالطبع حكومة ظل، فحكومة الظل هي حكومة غير موجودة على الخريطة التنفيذية ودون قوّة فعليّة. وإنما هذه الحكومة الخفية هي حكومة تنفيذية فعلية تشكلها نخبة الظل، وتكون الحكومات الرسمية هنا بمثابة واجهة تتلقى تعليمات وتقوم بتنفيذها وفقا لمصالح الحكومة الخفية والمرتبطة بحكومات خفية أخرى وتزاملها في حكومة عالمية كبرى تشكل مصالح الهيمنة والقوى الاستعمارية.
ولإلقاء مزيد من الضوء على هذه المقاربة، نرى أن نسوق اعترافًا امريكيًا بالتراجع من كبرى مراكز الفكر الأمريكية وهو المجلس الأطلسي، حيث سيق الاعتراف بمقترحات بديلة متعلقة بنخب الظل، كما نرى أنه من المهم طرح بعض من التقارير التي تناولت الحكومات الخفية وعلى نخب الظل ودورها:

1- اعتراف أمريكي بالتراجع:

في مقال للضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية ‏"هاري هانا"، والذي عمل في مجموعة متنوعة من قضايا الاستخبارات خلال أربعة ‏وثلاثين عامًا في مجتمع الاستخبارات، منشور بمركز المجلس الأطلسي، وهو من كبار مراكز الفكر الأمريكية، يقول هاري:‏

"قبل الحرب العالمية الثانية، كانت التحالفات تتألف من دولتين أو أكثر للتعاون لمحاربة تهديد معين، حيث تتحالف دولة  مع دولة مما يشكل قدرة التحالف الإجمالية، لكن خلال الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة ‏في تصميم تحالفاتها بشكل مختلف، على أساس أن الشركاء المتكاملين أكبر من مجموع أجزائهم.‏

ويمكن للولايات المتحدة أن تبني تحالفات متكاملة أقوى قادرة على مواجهة أمثال بكين وموسكو عن طريق:‏

أولا: توسيع القوة العسكرية، حيث تحتاج واشنطن إلى تخصيص المزيد من الموارد لحلف الناتو وتحالفاته الثنائية في المحيطين الهندي والهادئ مثل الخطوات المتخذة في مبادرة الردع الأوروبية لردع روسيا، وتفعيل ‏مبادرة الردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ضد الصين.‏
وثانيا: حشد الجميع من موظفي السياسة إلى رؤساء الجمهورية، حيث يجب على حكومة الولايات المتحدة أيضًا تعزيز التعاون مع الحكومات الشريكة في صنع السياسات والقرارات المتعلقة ‏بتخصيص الموارد وتنفيذ الاستراتيجيات لمواجهة مجموعة واسعة من التحديات من الصين وروسيا والتهديدات العالمية ‏الأخرى".

ويعترف هاري هنا بتراجع أمريكا حيث يقول: "يجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تعترف بأن قدرتها على إحداث تغيير عالمي بالنسبة للحلفاء آخذة في التناقص وستحتاج إلى دمج وجهات نظر الحلفاء... وينبغي للرئيس الأمريكي، ووزراء مجلس الوزراء، ومستشاري الأمن القومي إصلاح ثقة الحلفاء ‏المكسورة في الولايات المتحدة كشريك وتوسيع مناقشاتهم مع الحلفاء إلى أبعد المشاورات الدورية من خلال إشراكهم ‏في صنع القرار اليومي".

وما نفهمه هنا أن ملخص البدائل الأمريكية لاستعادة ثقة الحلفاء، يرمي إلى التكامل مع الحلفاء في مجالات تتعلق بالحياة اليومية وصناعة القرار الوطني بشكل جماعي وليس مجرد تحالف عسكري تقليدي يضاعف القوة العسكرية.

2- الحكومات الخفية:

كتب الكاتب الاسكتلندي "شيريب سبيرودوفيتش" كتابا في القرن الماضي بعنوان "حكومة العالم الخفية"، حيث وصفها بهيئة خفية لها مسحتها الدينية التي لا تخفى عن العين، وبأنها تدير مقدرات الكون، واستطرد في وصف الحكومة، وقال إن عدد أفرادها بلغ في القرن العشرين نحو 300 رجل يمارسون نظاما دكتاتوريا استبداديا ويعملون وفق خطة قديمة مرسومة للسيطرة على العالم، وهم اليد الخفية المحركة للأحداث والثورات والحروب العالمية.

ومما زاد من وجاهة طرح الكاتب، أن وفاته جاءت بشكل مفاجئ وغامض، وفسرها الكثيرون بكونها اغتيالا أو انتحارا، وهو ما القى الضوء على كتابه وأكسبه شهرة وأهمية.

وقد قام المؤلف الكندي وليام جاي كار، في عام 1955 ، بإصدار كتاب مشابه بعنوان "أحجار على رقعة الشطرنج"، وكشف فيه دور المنظمات السرية العالمية في صنع الحروب والثورات وافتعال الأزمات الاقتصادية وابتزاز اصحاب المناصب والوزارات.

3- نخب الظل:

تقول الدكتورة جيني ويدل مؤلفة كتاب "نخب الظل"، إن ممارسات النفوذ الجديدة ليست غير قانونية، كما إنها ليست بالضرورة فاسدة، وقد تكون، في بعض الحالات، الطريقة الوحيدة لإنجاز الأعمال. وتلقي المؤلفة باللوم في ولادة هذه التجارة إلى أسباب منها الخصخصة، وإلغاء أو تمييع الضوابط، وترى أن المقاولين الحكوميين، والشركات الاستشارية، ومؤسسات الفكر والرأي، والمجالس الاستشارية الحكومية قد احتلت مقام أجهزة الدولة مما خلق مشهدًا حكوميًا وسياسيًا أكثر تشتتًا وتجزئة، ويضطلع الأفراد وشبكات العلاقات والمجموعات المتخصصة بدور جوهري في تشكيل هذا المشهد، وغالبًا بطرق غير خاضعة للمساءلة.

ومما تم رصده كاستخلاصات، أن هناك رجال أعمال أثرياء، ورجال دولة خارج إطار الخدمة الحكومية، ومفكرين، وإعلاميين، وعسكريين ينتظمون في مجموعات عمل، ومراكز دراسات تقدم المشورة لحكام العالم الذين يشترون بضاعة تلك النخب الخفية بملايين الدولارات بغض النظر عن مآلات الأمور لاحقاً.

هنا نحن أمام مشهد دولي تحكمه نخب تابعة للقوى الاستعمارية وتتجاوز مصالح بلدانها الداخلية سواء شعوبها أو حتى أمنها القومي وأمن عروش أنظمتها، وهو ما يفسر خيانة النخب والعمل في اتجاه لا يتسق مع اتجاهات التوازنات الجديدة للقوى، مما يغير المفهوم من كونهم اتباعًا او مرتزقة إلى كونهم موظفين لدى حكومات خفية وجواسيس لها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات