معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الخطاب الاعتراضي
09/10/2021

الخطاب الاعتراضي "للسياديِّين": "الاحتلال الايراني" والحقائق المُغْفلة!

علي عبادي
 
لا يزال المازوت القادم من ايران، يفعل فعله في الأوساط الملتحقة بالمعسكر الأميركي والتي بدا أنها أُخذت بما حدث على حين غرّة. وبعد أن بدت طروحاتها معزولة عن الواقع، باشرت هذه الأوساط حملات إعلامية مكثفة للحاق بقواعد شعبية خرجت من أسر الدعاية الموجهة ضد حزب الله وايران.  

المازوت أصبح "احتلالًا إيرانيًا" من وجهة نظر هؤلاء الذين أصيبوا بالدوار بسبب عدم قدرتهم على مجاراة هذه المبادرة. لا يمر يوم منذ وصول قوافل المازوت الايراني إلا وترتفع أصوات تدعو للحياد، لتحرير لبنان من الاحتلال الايراني، للالتحاق بموجة السلام والتطبيع مع "اسرائيل"، ولرفض اليد التي تمتد الى لبنان للمساعدة من إيران أو من روسيا أو الصين، ما لم يقترن ذلك بإذن أميركي صريح.

يحاول هؤلاء تجميع صفوفهم ورفع أصواتهم، لكن حجم حضورهم الضعيف في الساحات يفضح نفسه ليعكس هشاشة الطرح وذيلية النهج.
كل العناوين التي استُخدمت لرفض المبادرات المقدمة من الدول الصديقة التي تبدي الجهوزية بالفعل لمساندة لبنان وقت الضيق، لا تستقيم والقول باحترام مبدأ السيادة الوطنية والمرور عبر الدولة. لندققْ جيداً في العناوين والوقائع التالية:
 

1- رفض مرور المساعدات الإغاثية العاجلة من ايران إلا عبر الدولة. يحتج المعارضون للمحروقات الآتية من ايران بأنها مرت من معابر غير رسمية. ولكن: هل هذه هي القصة الكاملة؟ الواقع أن هؤلاء ضغطوا بصوت عالٍ من أجل عدم استقبال المشتقات النفطية من ايران عبر المعابر اللبنانية الرسمية، تارة بذريعة وجود عقوبات دولية أو أميركية، وتارةً بأن لبنان لا يحتاج اليها وبإمكانه تدبّر أموره بوجود شركات استيراد بالتزامن مع قرب رفع الدعم (هل يتوافق هذا الزعم مع اختناق الأسواق وظاهرة الطوابير الطويلة منذ شهور عدة في ضوء التواطؤ بين القوى المحلية وقوى الهيمنة الخارجية؟!). وعندما تبينَ لهم أن مشروع استيراد المحروقات من ايران جدي وجدي جداً وبدأت مفاعيله بالظهور في مناطق مختلفة، غيّروا خطابهم تكتيكياً من خلال إظهار قبول اضطراري بدخولها عبر القنوات الرسمية. لكن في جوهر القضية، يضع هؤلاء العقبة تلو الأخرى من أجل عدم تحقّق ذلك حفاظاً على مصالح قوى رأسمالية محلية عميقة الجذور وقطعاً للطريق على علاقات اقتصادية متطورة قد تربط لبنان ودولاً خارج منظومة الهيمنة الاميركية.
 
2- انتظام المعترضين عضوياً ضمن المشروع الاميركي: بينما يُستخدم منطق السيادة والمرور عبر الدولة حاجزاً امام ايران وبطاقةً حمراء في وجه حزب الله، يتقبل هؤلاء بكل لياقتهم التصريحات الأميركية التي تدعو صراحة الى تجاهل وجود الدولة اللبنانية وتمرير الأموال والمساعدات الى ما يسمى جمعيات المجتمع المدني، بذريعة وجود فساد في أجهزة الدولة. فكيف يصح هنا ما لا يصح هناك؟ ومن يضمن عدم حدوث فساد لدى هذه الجمعيات هي الأخرى، في ظل تقارير عن حالات إثراء لدى "ثوار" جدد والقليل من المنافع المتسرّبة منها الى المجتمع؟ وبالأصل، لا مجال للمقارنة بين المحروقات الايرانية التي وصلت بالملموس الى جميع المناطق والطوائف، وبين المساعدات الاميركية التي تتسم بالمحدودية والغائيّة الخاصة.  
 
ترمي الادارة الاميركية من دعم مجموعات عنقودية متناثرة الى "هدف نهائي هو إنشاء منظمة مجتمع مدني أكثر تنظيماً تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا والمؤسسات الدولية وتركز على خلق الفرص الاقتصادية وتمكين الأصوات السياسية الجديدة وتقديم بديل حقيقي لحزب الله للشيعة اللبنانيين المحبَطين"، بحسب مقال نُشر في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، صوت اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. ويضيف المعهد انه "يمكن للدول المانحة بما فيها الولايات المتحدة، والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي العمل مع مجتمع الأعمال اللبناني لوضع هيكلية المنظمة وتطويرها وتمويلها وإدارتها. والأمر الحاسم أن يحدث ذلك خارج مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية اللبنانية"!

كيف يؤسس الحبل السري هذا بين الأجهزة الأميركية والجمعيات التي فرّخت بالمئات لقيام دولة لبنانية سليمة؟!
 
3- تجاهل المبادرات والعروض الرسمية المقدَّمة من جانب شركات روسية وصينية وايرانية في مجال توليد الكهرباء، وهي معضلة اللبنانيين الكبرى حالياً، واقامة خطوط سكك حديدية وغيرها لتخفيف كلفة النقل. لقد تقدمت هذه الشركات بعروض مغرية على طريقة B.O.T مثلاً مما لا يكلف الدولة قرشاً واحداً. لكن لا جواب! فمَن الذي يكبل إرادة الدولة ويمنعها بالتهويل والترهيب من الانفتاح على خيارات اقتصادية متنوعة تصب في مصلحة الشعب اللبناني؟ وسؤال آخر: ما الذي قدمته الولايات المتحدة مثلاً طوال السنين الماضية لحل أزمة الكهرباء في لبنان، ولديها ما لديها من إمكانات وشركات طاقة ضخمة؟
 
يجب أن يعرف اللبنانيون مقدار الخسائر التي تلحق بهم من جراء الرفض المستمر للمبادرات الآتية من ايران، روسيا، الصين، وغيرها من الدول التي تقدم عروضاً في الكهرباء والبنى التحتية المختلفة لا يرفضها الا جاهل بمصلحة بلده او مُعاند. في المقابل، لا نرى من الدعم الاميركي او الفرنسي او الخليجي الا بعض الفتات هنا وهناك وتربص شركاتهم بخصخصة قطاعات أساسية مثل مرفأ بيروت والمطار والاتصالات والكهرباء والاستحواذ على حقول النفط والغاز في عرض البحر.

لقد أفرز التعاطي الرسمي المشلول منذ سنوات عديدة مع المبادرات الآتية من الخارج واقعاً يقوم على: إدمان التسول وانتظار المساعدات والهبات من دول الخليج ودول الغرب، وإدمان الاقتراض من الحكومات والآن من صندوق النقد الدولي.
 
ملاحظة أخيرة في ما يتعلق بالجدل الجاري حول المساعدات الايرانية ودور حزب الله في الداخل: إن اقتراب أوان الانتخابات النيابية يسعّر الحملات السياسية حول كل ما يقوم به الحزب من خطوات، فواشنطن استثمرت طويلا في الحصار وتجفيف منابع الاقتصاد المحلي اللبناني من اجل ضرب قوة المقاومة وتشتيت الجماهير من حولها. غير انها فوجئت بالخطوات الجَسُورة التي أقدم عليها حزب الله من خارج المعادلة الاقتصادية التقليدية، وتكوّنت خشية مستجدة لديها من ان ينقلب سحرها عليها وتبتلع عصا المقاومة ما جمعوا من كيدِ ساحر.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات