آراء وتحليلات
البطاقة التمويلية: من يستفيد منها؟ وما هو أثرها الاقتصادي؟
د. محمود جباعي
بعد أن أصبح رفع الدعم حقيقة مرة واقعة لا محالة، ومع التخلي المؤسف للسلطات اللبنانية عن أداء مهامها وعدم السعي بشكل جدي لايجاد أي حل بديل منطقي وعملي عن الدعم أو بالحد الادنى عدم لجوئها الى أي من الخيارات البديلة التي يمكن أن تساعد المواطن في تأمين الموارد بأسعار معقولة، فإنه من الواضح أن الدولة لن تحرك ساكنًا في ما يخص الكارتيلات والوكالات الحصرية. وقد تُرك المواطن لمصيره الأسود في شتى المجالات. والشيء الوحيد الذي تعد به السلطة هو البطاقة التمويلية الموعودة. وبعد طول انتظار تم الاعلان عن موعد إطلاق المنصة الالكترونية المختصة بالبطاقة التمويلية وذلك يوم الثلاثاء الواقع في 31 اب عام 2021 من خلال مؤتمر صحافي مشترك يعقده وزيرا الشؤون الاجتماعية والاقتصاد تتيح للراغبين بالحصول على هذه البطاقة التسجيل عليها على أمل ان تشملهم خدماتها.
من يملك الحق بالاستفادة منها؟
حسب إعلان رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب إن برنامج البطاقة التمويلية سيشمل حوالي 505 الاف عائلة لبنانية مقيمة داخل البلاد شرط أن لا تكون هذه العائلة مستفيدة سابقاً من شبكة الامان الاجتماعي التي تشمل حوالي 245 الف عائلة. ستحصل كل عائلة يقبل طلبها بعد التسجيل على المنصة على مبلغ 15 دولارا شهرياً عن كل فرد واحد وتم تحديد الحد الأقصى من الأفراد المستفيدين في العائلة الواحدة بـ 6 أفراد مع زيادة مبلغ مقطوعة لكل عائلة يبلغ 25 دولارا شهريًا. هذا يعني أن الحد الأقصى للاستفادة لعائلة تتكون من 6 أفراد هو 115 دولارًا أميركيًا شهرياً وتنخفض القيمة بانخفاض عدد أفراد الأسرة المقبول طلبها، على أن تدفع الأموال مباشرة الى رب الأسرة عبر بطاقة الكترونية تمكنه من شراء السلع سواء نقداً أو عبر الدفع الاكتروني على أن تحتسب قيمة الدولار حسب سعر السوق الموازي.
وبالعودة الى الشروط الموضوعة لقبول طلب الانتساب الى البطاقة التمويلية يتضح أن هناك العديد من العائلات ستستثنى منها وفقاً للشروط التالية:
1-الأسر اللبنانية المقيمة في البلد فترة زمنية اقل من 6 اشهر متواصلة.
2-الأسر التي يتجاوز مدخولها 800 دولار شهرياً او 10 الاف دولار سنوياً.
3-الأسر التي تحصل على حوالات خارجية تتعدى قيمتها 3000 دولار سنوياً.
4-الأسر التي تدفع بدل ايجار سنوي يتعدى 10 الاف دولار.
5-الأسر التي تمتلك سيارتين تم تسجيلهما بعد عام 2018.
تقييم عام لمشروع البطاقة التمويلية
مما لا شك فيه أن اقرار مشروع البطاقة التمويلية يعتبر من حيث الشكل خطوة جيدة من قبل السلطات اللبنانية لدعم عدد لا بأس به من العائلات اللبنانية التي تنهار قدرتها الشرائية يوماً بعد يوم بفعل الارتفاع الجنوني للاسعار والتضخم المالي المتوقع ان يرتفع اكثر بعد الرفع الكلي للدعم، كذلك بفعل الانهيار المستمر بسعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي. هذا الامر من شأنه اذا تم بشكل تام وكامل وحقيقي ان يخفف من معاناة نسبة كبيرة من الشعب اللبناني لفترة زمنية محددة.
لكن في المضمون والتفصيل هناك عدة علامات استفهام تترافق مع آلية تنفيذ هذا المشروع قد تنسف كل ما بني عليه من ايجابيات عامة للمشروع سنلخصها بما يلي:
1- المبلغ المؤمن من قبل الدولة اللبنانية لتمويل البطاقة هو فعلياً يكفي لفترة سنة واحدة كحد أقصى. لذلك يمكننا الجزم أن مصيرها بعد هذه الفترة غير مضمون مما يهدد الامن الاجتماعي للاسر المستفيدة بعد انتهاء هذه المدة.
2- آلية تطبيقها تحتاج الى دراسة وافية واحصاءات معمقة وهذا لم يحصل الى اليوم. لذلك من غير المضمون اعتماد مبدأ الشفافية في الاختيار وقد تحصل محاصصة حزبية أو طائفية خدمة لأهداف سياسية.
3- عدم شمول هذه البطاقة لمعظم العاملين في القطاعين العام والخاص الذين يتقاضون بالليرة اللبنانية سيولد مشاكل اجتماعية خاصة انه بعد رفع الدعم ستنهار القدرة الشرائية لمعظم الرواتب.
4- هذا المشروع هو ظرفي وغير مستدام لان معيار الاستدامة في التمويل غير موجود ولا تكفي الموارد المالية المقدرة له لاكثر من مدة محددة.
5- هذا المشروع لا يعتبر حلاً جذرياً للأزمة المعيشية لأنه لم يترافق مع قانون واضح من المجلس النيابي يقضي بإلغاء الوكالات الحصرية التي تستفيد منها الكارتيلات المستوردة للسلع الاساسية.
6- إقرار المشروع سيولد حتماً ارتفاعًا جديدًا بالأسعار مما سيرفع معدل التضخم المالي وهذا سيشكل عبئًا اضافيًا على العائلات غير المستفيدة من البطاقة.
7- اعتماد معيار الحسابات المصرفية يعتبر مجحفًا لدرجة كبيرة علماً ان هذه المبالغ هي محتجزة من قبل المصارف، بالتالي لا يمكن للمودع الاستفادة منها على الاطلاق بفضل الهيركات الكبير الموجود على المبالغ كذلك بسبب الشح في عمليات السحوبات الشهرية.
في خلاصة الكلام وبناء على كل هذه المعطيات يتبين للجميع أن هذا المشروع هو من حيث المبدأ حقنة بنج جديدة تقدمها السلطة لشعبها لضمان سكوته عن المطالبة بحقوقه الشرعية التي لا يحصل على أي شيء منها ويعاني بفعل غيابها من مآسٍ واذلال يومي في شتى مجالات الحياة المعيشية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024