معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بيئة المقاومة وتفاعلها ودورها في صناعة النصر
25/08/2021

بيئة المقاومة وتفاعلها ودورها في صناعة النصر

الشيخ يوسف سرور

إنّ كلّ حراكٍ في أيِّ ميدان هو بمثابة الزرع في حقلٍ. والزراعة فعلٌ يتربَّص صاحبه منه القطاف، والحصول على ثمارٍ ونتائج بأعلى إمكاناتها. وكما يحتاج المزارع إلى ظروفٍ وتربةٍ وريحٍ وماءٍ وحرارةٍ؛ وهذا كلّه يسمّى "البيئة الحاضنة"، فكذلك يحتاج التحرّك إلى بيئةٍ حاضنةٍ توفّر عوامل النهوض والديمومة، وتؤمّن شروط النجاح والفوز. على رأس الشروط المذكورة العمق الجماهيريّ الشعبيّ، الذي يمثل الماء الذي تتحرّك فيه سمكة المقاومة التي هي حراكُنا المستعر. في هذا المقال تعرّض لملامح بيئة المقاومة والتي يُتطلّب منها دور خاصّ.

• الوفاء للمقاومة

إذا أخذنا بالاعتبار أنّ مقاومتنا قامت لتدافع عن وجودنا أوّلاً، ثمّ عن حقوقنا وكرامتنا ثانياً، ثمّ لتُمثّل العنفوان والاقتدار لنا، يصبح حينها التفاعلُ معها والانخراط في مشروعها وبرامجها، والاحتكامُ إلى سياساتها، والسعي في سبيل أهدافها، أمراً أشدّ وضوحاً، وأكثر إلحاحاً، وأرقى في سلّم أولويّاتنا، بحيث يستوجب الوفاء لها أن تسري في صلب تخطيطنا للحياة والشعور بالجماعة انتصاراً لمنطق الوحدة، على مبدأ جلب المصالح ودفع المفاسد، كما هو دأبُ العقلاء ومنطقُ الأسوياء.

• الحضن الآمن

يجب أن تكون البيئة التي يعيش فيها المجاهدون مكاناً موثوقاً لهم، وملجأً آمناً، ومياهاً نقيّة؛ لأنّ المجتمع والبيئة بمثابة البحر الذي توجد فيه المقاومة، وهي كالسمكة التي لا غنى لها عنها، حيث يمثّل لها العمق والتربة الخصبة البيئة الأمثل لها. من هنا، لا يمكن الفصل بين المجاهدين وبين مجتمعهم؛ لأنّهم أبناؤه وجزءٌ منه. وكلّما كانت قضيّة المجاهدين على مساس بمصلحة الناس والخلفيّات المعنويّة والثقافيّة لهم، كلّما كانت مقاومتهم أكثر قبولاً، وأشدّ قدرة على الحصول على التبنّي والتفاعل معها، والانخراط فيها وفي مشروعها، والانضواء تحت لوائها. ومن دون شكّ، فإنّ هذا ما ينطبق تماماً على المقاومة في لبنان مع بيئتها.

• المجاهدون في كلّ الميادين

إنّ المجاهدين يشكّلون البيئة الخاصّة للمقاومة، يحملون الخلفيّات الثقافيّة والدينيّة ذاتها لجماعة البيئة الخاصّة: من المسلّمات العقائديّة والشرعيّة، إلى الارتباط بولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلام، والشعارات الحسينيّة الكربلائيّة، إلى الارتقاب العمليّ لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل يمكن الجزم والقول بكلّ عزم: إنّ المقاومة بفعلها الجهاديّ التضحويّ، وبمنظومتها التعبويّة الممتدّة على مدى انتشار بيئتها ذات البرامج المتنوّعة والفاعلة، روحيّاً ونفسيّاً وبدنيّاً، فرديّاً واجتماعيّاً، متغلغلة في مختلف فئات المجتمع بين الجنسَين، وعلى سائر الفئات العمريّة، بما يغطّي الاحتياجات على اختلافها: تربويّاً وصحيّاً، وثقافيّاً، وترفيهيّاً، وإعلاميّاً، وإداريّاً، وتنمويّاً، اختياريّاً، وبلديّاً، ونيابيّاً، ووزاريّاً، وسياسيّاً.

وتشمل أدوات العمل مروحة واسعة من مدارس رائدة ممتدّة على مساحة وجودنا، إلى معاهد ثقافيّة ومدارس حوزويّة وجامعات، إلى دور التأليف والنشر التي تسدّ الحاجات المعرفيّة والثقافيّة وترتقي بالمعارف على اختلاف مستويات جيّدة، إلى النشرات الدوريّة والمختلفة الموضوعات، وعلى رأسها مجلّة "بقيّة الله"، إلى انتشار المجمّعات والمساجد والجمعيّات القرآنيّة، إلى وسائل الإعلام الرائدة التي أسّست لدورٍ متقدّم للإعلام والحرب النفسيّة في إطار الحرب المستديمة مع العدوّ وأدواته، وجيش من ضبّاط المواجهة الإلكترونيّة عبر الإنترنت والميديا ووسائل التواصل، إلى المؤسّسات الاجتماعيّة ذات الدور المتقدّم في مساعدة المعوزين والفقراء، إلى وجود المراكز الصحيّة المختصّة بعلاج الظواهر الانحرافيّة في فئات الشباب، إلى الجمعيّات الزراعيّة التي تقدّم الاستشارات المجانيّة والمساعدات للمزارعين، بما يُسهم في دعم صمود الإنتاج الزراعيّ الوطنيّ وثبات السكّان في أريافهم بدل اللجوء إلى المدن وخلق أحزمة من الحرمان والفوضى وانتشار الآفات الاجتماعيّة والسلوكيّة الخطيرة.

• قيادة لا نظير لها

وإذا شئتَ الحديث عن قادة المجاهدين ونُخَبهم، فإنّ البحث عن نظائر لهم في المجتمع والبيئة التي تحضنهم أو في كلّ مكان في العالم، يكاد يكون معدوماً؛ لما يتمتّعون به من خصال وصفات وشمائل ترجموها في تصدّرهم لجبهات المواجهة وميادين النزال، من القادة الميدانيّين إلى أفراد القيادة العليا. ماذا تقول في مقاومة استشهد أمينها العامّ وزوجته وطفله معه، في استهداف مباشر من العدوّ الصهيونيّ؟ ماذا تقول في مقاومة استشهد ابن أمينها العامّ الحاليّ في المواجهة المباشرة مع الجنود المحتلّين، فاختلط دمه بدماء المجاهدين من أبناء المستضعفين؟ وهذا يبعث على الإحساس بالإيثار الشديد، في ظلّ قادة ومجاهدين يقدّمون النفس والولد والوقت والجهد والحياة في سبيل هذا المجتمع.

أمّا قائد هذه المقاومة، سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، فإنّه شخصيّة قد لا تجد لها نظيراً في تاريخ بلادنا، فهو عالم كبير، تقيٌّ، ورعٌ، شجاعٌ، حكيمٌ، مديرٌ، مدبّرٌ، مخطّط، متفانٍ، رفيق الجهاد لمسيرة المقاومة منذ انطلاقتها، تعرفه كلّ ميادين المواجهة، متواضعٌ يشهد له بذلك كلُّ مَن تعرّف عليه، صادقٌ يقدّم له الشهادة بصدقه العدوّ والصديق، حتّى إنّ قيادات الاحتلال يقولون: "إنّ الجمهور -عندهم- يصدّق هذا الرجل أكثر ممّا يصدّق قيادته، واليوم -يضيف القائل- فإنّ قيادات البلاد -الكيان الصهيونيّ- تصدّقه أكثر ممّا يصدّق بعضهم بعضاً". وفي ظلّ قيادته ارتفع مستوى التحفُّز والاستعداد للعطاء والتضحية، إلى حدّ أنّ أمّ الشهداء الاثنين والثلاثة تقول إنّها تفديه بهم، وهي على استعداد لتقديم المزيد فداءً له وللمقاومة.

• مقاومة عابرة للأجيال

واليوم، صرت ترى الرجل وابنه وحفيده رفاق سلاح وزملاء مواجهة في مسيرة المقاومة، حيث إنّها فتحت الطريق إلى الشعور بالاقتدار والقوّة؛ لأنّ العدوّ الذي أرعب العرب مجتمعين، أصبح يهابها ويدرك أنّه أمامها "أوهن من بيت العنكبوت"؛ وهي التي نقلت بيئتها ومجتمعها من الاحتلال إلى التحرير، ومن الارتهان إلى السيادة، ومن التبعيّة إلى الاستقلال، فكيف لا يشعر أهلها أنّها الحارس لهم والحامي، وأنّها تمثّل عنفوانهم وعزّتهم التي لا يرتضون العيش من دونها؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات