معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ماذا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟
18/08/2021

ماذا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟

عبير بسّام

كلفت حرب أمريكا في أفغانستان أكثر من ترليون دولار منذ العام 2001 وحتى العام 2021، ثم خرجت بصفر نتائج، فلا تخلصت من الإرهاب ـ كما زعمت ـ ولا تركت أصدقاء موالين لها في أفغانستان. أمر يدفع للتفكر بما كتبه جورج كريل في كتابه "حرب شارلي ويلسون" الذي كشف دور أميركا في تقوية دور طالبان وتسليحها في الثمانينيات إبان حكم رونالد ريغان. تحول الكتاب إلى فيلم أميركي عرض في صالات السينما في العام 2007، تحت نفس العنوان، والذي صدم المجتمع الأميركي بالحقائق التي كشفها عن علاقة أمريكا ليس بالقاعدة فقط بل وحتى بطالبان. ويلسون، هو سيناتور أميركي في لجنة الدفاع في الكونغرس. يروي الفيلم قصته وكيف دفعته جوانا هيرينج، والتي كانت صديقة لرئيس باكستان آنذاك ضياء الحق، وباتت عشيقة لويلسون خلال فترة من عمله من أجل الاهتمام بقضية اللاجئين الأفغان في باكستان ودفعته نحو تسليح حركة "مجاهدي طالبان ضد الاحتلال السوفياتي الشيوعي الكافر". ووصلت قيمة ما دفعته الإدارة الأميركية آنذاك إلى عشرات المليارات من الدولارات.
بعد خروج السوفيات، طلب ويلسون من الكونغرس الأميركي مليون دولار من أجل احتواء أطفال الأفغان الذين يتمتهم الحرب وإعادة فتح المدارس للالتحاق بها، فاعتبر الكونغرس أن هذه أمول لا طائل منها.

أول خيانة أميركية للأفغان كانت في التسعينيات. وشكلت معركة تحرير أفغانستان من السوفيات، الضربة القاضية التي أنهكت الاتحاد السوفياتي ومن ثم أدت إلى تفككه. وهنا يطرح سؤالان، هل أرادت أمريكا الخروج من أفغانستان قبل تلقي الضربة القاضية؟ أو هل خروجها سيكون الضربة القاضية لأمريكا، وسيؤدي إلى تفككها؟ والسؤال الثاني، كيف لم يتعلم الأفغان الذين تعاملوا مع الأميركيين من الدرس القاسي الذي تلقوه في التسعينيات؟ لقد ترك أطفال الأفغان فريسة لمجموعة "القاعدة" لتحولهم إلى "مجاهدين" بقيادة اسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما من المقاتلين، الذين لم يعد أحد يرغب باستقبالهم، وإنما بإعدادهم ليصبحوا قنابل لضرب العالم بحسب المصالح الأميركية.

هذا في الماضي، ولكن ما الذي يحدث اليوم؟ مساء الأحد أحكمت طالبان قبضتها على العاصمة كابول، وفي اليوم التالي احتلت مطار باغرام، الذي كان قاعدة عسكرية أميركية لمدة 20 عاماً. وترك الأفغان مرة أخرى لمصير قاتل. وعادت قوافل الأفغان الهاربة نحو الحدود مع الدول المجاورة لتشكل موجات جديدة من اللاجئين إلى مخيمات اللجوء، التي ستتحول إلى مزارع صغيرة ينمو فيها الإرهاب كما حدث سابقاً في مخيمات قندهار وباكستان وسوريا ولبنان وغيرها من التجارب السابقة.

الملفت، أنّه في حين سحب الأميركيون والغرب سفاراتهم فإن الإعلام يتحدث عن تروي الروس والصينيين وبالتاكيد الإيرانيين قبل فعل ذلك، ومن المعلوم أنّ كلًّا من الصين وإيران وباكستان تمتلك حدوداً مع أفغانستان، بينما تقع الأخيرة على حدود دول الاتحاد السوفياتي السابق، والتي يغذي أفراد منها تنظيمي داعش والقاعدة، ومنهم تتألف قيادات داعش في سوريا والعراق، وخاصة من دول طاجكستان وأوزبكستان وقرقيزيا والتي فيها حاضنة مهمة لتنظيم القاعدة وطالبان.

روسيا بدورها أعلنت أنها ستتروى قبل الاعتراف بأي حكومة جديدة. ولكن هل ستتروى الولايات المتحدة قبل الاعتراف بحكومة طالبان في كابول؟ لا أظن! من الواضح أن هناك محادثات تجري ما بين وفود من طالبان وما بين الدول الثلاث السابقة منفردة من خلال وفود زارتها منذ أكثر من شهر. أي أن الدول الثلاث كانت تعرف أنّها أولى المستهدفين من خلال الخروج الأميركي المفاجئ وستكون أراضيها مهددة بالجماعات الإرهابية التي ستنمو في حال سمحت طالبان للقاعدة بالتمدد مرة ثانية. ولذلك كانت اللقاءات التي سبقت الخروج الأميركي مع طالبان والنقاش حول مستقبل العلاقات معها.

وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن طالبان هي حركة أفغانية أو تنظيم أفغاني من داخل الشعب الافغاني وإن كان يمتد في باكستان وطاجكستان وأوزبكستان وقرقيزيا. وطالبان ليست حالة طارئة كما القاعدة، ولكن الأمر منوط بكيفية تعامل طالبان مع أهلها ومع دول الجوار، وإذا ما كانت ستبقى عجينة طيعة في يد الأميركي أم لا. وبالتالي في ظل الخروج الأميركي من الاتفاقيات الدولية في عهد ترامب والذي انتهى بتوقيع اتفاق الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واطلاق 5000 طالباني اعتبروا من الإرهابيين، فهذا يعني بداية عهد جديد ما بين الطرفين وقائم على اتفاق مكتوب ما بين الإثنين.

وما كان ملفتاً تصريح بايدن البارحة في 16 آب/ أغسطس أن هدف أمريكا لم يكن بناء الديمقراطية في أفغانستان، بل درء خطر الإرهاب. ولكن إذا ما كانت القاعدة اليوم وبحسب تصريحات جميع المحللين السياسيين على الـ CNN ستجد في حكم طالبان الأرضية الخصبة للنمو من جديد، فأي إرهاب حاربته أمريكا؟ وهذا ما دأبت الـ CNN على التحدث عنه والتحذير من إطلاق يد طالبان على طول الأراضي الأفغانية، والتي قدمت الموضوع على أنه من أخطر القرارات الأميركية، وأن التخوف من الإرهاب عاد ليطل برأسه.

هناك أهداف تأمل أميركا بتحقيقها بتعريض كل من الصين وروسيا وإيران لخطر مجموعات القاعدة، والاشتباك معها، وخاصة أن هناك خطر تهلهل أفغانستان على المستوى الداخلي للبلاد. فأفغانستان عبارة عن خليط عرقي مختلف وطالبان معظمها من البشتون والذين ينظرون نظرة دونية لباقي الأعراق، والتي يفترض أن تكون في خدمتهم.

ما حدث هو دليل جديد على تاريخ الدبلوماسية الأميركية التي تركت من وقف معها كما في كل مرة دون أن تكترث لما سيحدث لهم، ولكن اليوم على عين الإعلام الأميركي والعالم. حدث ذلك في سايغون في فيتنام مع عملائها، والـ CNN تصف ما حدث في كابول: "سايغون ولكن مع الكثير من الستروئيدات". ويجيب وزير الخارجية الأميركي بلينكن:" هذه ليست سايغون".

الحق معك بلنكن: فقد خرج الأميركيون من سايغون بسبب المقاومة الشرسة التي أبداها الفيتناميون ضد الاحتلال الأميركي، الذي أعاد جنودكم أنصاف رجال، ولكن ما حدث في أفغانستان هو مختلف، فأميركا هي التي قامت بإنشاء حركات القاعدة وبناء قوة طالبان الوحشية والحكومة الأفغانية، وغيرها من قوى الشر وصولا إلى داعش، وقسد في سوريا.

ما فعله الأميركيون في طالبان اليوم، عملية التفاف ومحاكاة سياسية  وعسكرية. إنه مثال عما تأمل أميركا أن يشعر المنطقة بالتهديد إذا ما خرجت من العراق وسوريا، ولكن نسيت أميركا أن طالبان ربحت حربها ضد السوفيات وضدها لأنهم محتلون غرباء، والأمر لا ينطبق على إيران أو على الصين أو على سوريا، والتي جيوشها وقيادتها جميعاً هم من أبناء الأرض.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات