آراء وتحليلات
هل بلغنا سن الرشد؟
احمد فؤاد
كان للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ووزير الخارجية المصرية قبلها، بطرس غالي، لازمة حديث يكررها خلال تبوئه المنصب الدولي، وهي أن الاستعمار رحل مبكرًا عن بلدان كثيرة، ما حرم شعوبها من الوصول لسن الرشد، وكانت غالبية الدول الإفريقية والعربية تحتاج لفترات أطول من وصاية القوى الدولية المسيطرة!
يمكن فهم قناعة بطرس غالي بكونه القيادة الوحيدة في وزارة الخارجية، التي قبلت أن ترافق السادات في رحلته الجنونية إلى القدس، عقب استقالات عديدة من جانب وزراء خارجية بالفعل، أو مرشحين للمنصب، فكان هو الشخص الذي تجرأ أن يهتك كل ثوابت مؤسسته ووطنه، وكوفئ فيما بعد بمناصب دولية عدة، من بينها الأمين العام الأول لمنظمة الفرانكفونية الفرنسية وغيرها.
لم يكن بطرس غالي هو المتفرد بالخيانة في عائلته العتيدة في التعاون مع كل عدو لوطنه أو أمته، فهو عم آخر وزير مالية قبل ثورة 2011، المدان والهارب في قضايا سرقة ونهب لمقدرات البلد، وقبلهم جميعًا الجد بطرس نيروز غالي، رئيس وزراء مصر، كان أحد مضارب الأمثال في السقوط وبيع الشرف، وتشمل جرائم الجد محاولات لمد امتياز قناة السويس والموافقة على اتفاقية الحكم الثنائي للسودان مع إنجلترا، وقبلها وقع كوزير للحقانية (العدل) على حكم إعدام فلاحي قرية دنشواي، والقائمة بالجرائم تطول ولا تنتهي.
وفي مقابل خيانة بطرس نيروز غالي، الضمير الجمعي المصري احتفى بشكل غير مسبوق بالبطل إبراهيم الورداني، الذي أقدم في فبراير/شباط من عام 1910 على اغتياله، ورغم قرار منع تداول اسم البطل، إلا أن القريحة المصرية أنتجت أغنية شعبية للبطل، "قولوا لعين الشمس ما تحماشي، أحسن غزال البر صابح ماشي"، وجاءت سينما ثورة يوليو لتخلدها، قبل الانقلاب الساداتي المأساوي.
الغريب أن كلمات بطرس غالي رغم كونه شخصًا ساقطًا بالمعنى المجرد للكلمة، وفاقدًا لأية شروط قد تجعله أهلاً للنصائح، يجري العمل بها في أكثر من بلد عربي، ولا يؤمن بها فقط موظفون أو أقل، بل حكام ووزارات، وأصبحت هي المادة الأولى في دستور مقدس غير مكتوب، لدى أنظمة تفننت في العمالة والحكم لصالح الأجنبي.
يؤمنون أن الغرب هو القِبلة والهوى والحل، رغم أن كل ما يصلنا من هذا الغرب هو الأزمات، من بريطانيا وفرنسا قديمًا، إلى الولايات المتحدة التي آلت إليها كل الأدوار في المنطقة العربية، وغيرها أيضًا.
لهذا تقف الأبواق والأقلام مستعدة ضد الاتجاه المحتم والصحيح إلى الشرق، إلى الطريق الجديد نحو إيران وروسيا والصين، ترفض في غباء منقطع النظير عروض تعاون مقابل رغبتها في الانكفاء تحت القدم الأميركية، وللأذلاء فيما يعشقون مذاهب.
منذ أسابيع، تكلم السيد حسن نصر الله، ووضع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان في مقامها الصحيح، والكامل، وأكثر من هذا، طرح حزمة متكاملة للحل، أمام من يبحث -فعلًا- عن حل، بالاتجاه شرقًا ومخاصمة ما يحاك للبلد بليل أسود خانق.
قال السيد الأمين، إن صندوق النقد الدولي ليس حلًا لأزمة لبنان، وأكد أن "الضغوط الأميركية على لبنان وإخافته من الذهاب لخيارات اقتصادية معينة أمر أساسي في الأزمة الحالية"، وهذا هو لب الأزمة الحالية وجذرها.
الحل الذي طرحه السيد، يُخرج لبنان من أزمة حالية وقادمة، استيراد المحروقات بالعملة المحلية يكسر اليد الأميركية القادرة دومًا على التدخل "الدولار"، والتي تمرر حياة السواد الأعظم من الناس، وتخرجهم من مظلة رعاية الدولة، وتكاد تفقدهم يومًا بعد يوم الإحساس بالانتماء، وهذا هو مربط الفرس بالنسبة للأميركي، كسر إرادة الشعوب وإفقادها القدرة على الحياة الطبيعية، كحرب اقتصادية بشعة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024