معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الاستثمار الروسي.. فرصة لبنان الذهبية
01/07/2021

الاستثمار الروسي.. فرصة لبنان الذهبية

عبير بسّام

كثير من الآمال في لبنان تعلّق على زيارة الوفد الاقتصادي الروسي إلى بيروت. حيث أعلنت خلال الزيارة نتائج الدراسة التي أجراها الوفد الروسي حول إعادة بناء مصفاتي البترول في كلّ من الزهراني وطرابلس، وإعادة تأهيل مرفأ الأخيرة. بغض النظر عن المشاريع التي أبدت الشركات نية التعامل معها، إن تمت الموافقة عليها، إلا أن الأمر يبشر بخير يمكن التعويل عليه اذا لحظ لبنان تغييرًا هامًا في السياسات الاقتصادية التي ينتهجها وبدأ بالتوجه شرقًا.

لن يكون توجه لبنان نحو الشرق "إن حدث" حديًا وقطعيًا، بل هو مبدئي وجزئي. وهذا أمر هام بحد ذاته، لأنه سيحدث طفرة نوعية في مجالات استيراد الطاقة فيه، والذي سينعكس بشكل مباشر على واقع انتاج الكهرباء في لبنان. حيث إن تغيير واقع انتاج الكهرباء ومنتجات البترول في لبنان، على المستوى المنظور وليس البعيد، سيتمخض عنه تغيير في تأهيل البنى التحتية في لبنان، وسينعكس ايجاباً في مجالات عدة، حتى تحديد أسعار السلع الغذائية التي تشهد غلاءً فاحشًا.

بداية دخول الشركات الروسية، بضمانة الحكومة اللبنانية سيحقق نتائج يهمش الإعلام اللبناني إلقاء الضوء عليها، وللأسف، ألا وهي فتح المجال أمام خلق فرص عمل جديدة، والتي ستأتي مع هذه المشاريع الاستثمارية، وستطال جميع الفئات المجتمعية ابتداءً من عمال النقل والتحميل والتنظيفات، إلى خريجي الجامعات من إداريين ومهندسين على حد سواء.

بالطبع الشركات التي جاءت إلى لبنان، وإن دعمت بشكل مباشر من قبل الدولة الروسية، إلّا أنّها شركات خاصة، وبالتالي لهذا الأمر حسناته، فهي اعتادت التعامل مع الشركات العالمية. وقد سبق للشركات الروسية التنسيق مع شركات فرنسية وإيطالية في لبنان وخاصة من خلال العقود التي أبرمت من أجل استخراج الغاز في الحقول اللبنانية وفي مجالات أخرى خارج لبنان. ومن ثم عبر التنسيق المتجلي في الحيثيات التي تتقاسمها الشركات الأوروبية في إعادة بناء مرفأ بيروت. فالشركات الألمانية ستعيد بناء أحواض مراسي السفن، بينما الفرنسية ستعيد بناء الحاويات، أو المخازن، في حين أن الشركات الروسية المساهمة، ستعيد بناء اهراءات القمح.

وأما الأمر ذو العلاقة الوثيقة بمستقبل لبنان. وإذا ما تم هذا الإنجاز فهو سيعيد لمرفأ طرابلس تاريخه المجيد، اذ كان المرفأ من أهم مراكز التبادل والنشاط التجاري العالمي. وثانياً، سينتشل المشروع طرابلس ومحيطها من الحالة الاقتصادية المتدنية، إلى وضع اقتصادي مزدهر، وهو وضع لن تنتظر طرابلس طويلاً لقراءة نتائجه أو حتى يتم إعادة تأهيل المصفاة أو توسيع المرفأ، بل ستبدأ قراءة النتائج على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة ما إن توضع أساسات العمل على خط مشروع الاستثمار الروسي.

اذا صح ما سبق، وجاءت خواتيم المباحثات مع الشركات الروسية بأن تصل إلى اتفاق الضمانة والعمل مع الدولة اللبنانية من أجل تنفيذ المشاريع التي عرضت لها مؤخرًا في مؤتمرها الصحفي، فهذا معناه مجموعة من الأمور الهامة على المستوى الدولي والإقليمي، في أولها تفعيل الاستقرار في المنطقة وتوزيع الأدوار في لبنان بما يتعلق بضمان الاستقرار وبدء الاستثمارات فيه.

وثانياً، ضمان الدولة، الذي يطلبه الروسي له علاقة مباشرة بضعف الثقة في المعاملات المصرفية في البنوك اللبنانية، التي فقدت صلاحياتها كضامن للاستثمارات بعد الدور الذي لعبته منذ 17 تشرين الثاني 2019 وحتى اليوم. وأثبتت بالتالي غباء الخيارات الاقتصادية والاستثمارية في هندساتها المالية التي قامت على مبدأ الربى منذ تسعينيات القرن الماضي. فضمانة الدولة ترفع من قيمة وأهمية الدولة اللبنانية ككيان قائم في المنطقة، وهذا ما يمكن فهمه من تصريحات ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في آب الماضي، حين قال إن دور لبنان في المنطقة كما نعرفه يجب أن يتغير. وحتى إعادة إعمار مرفأ بيروت، يجب تفعيل مرفأ طرابلس.

في هذه المرحلة التاريخية لا مفر من العمل على النهوض الاقتصادي للبنان، الذي هو بحاجة للمزيد من الإستثمارات بدلاً من الوقوع تحت عبء المزيد من الديون. وتحوله ليشكل مع سوريا اتحاداً أو تكتلا اقتصادياً هاماً على شاطئ المتوسط، مع دولتين عظميين، يخرجه من دوامة العبث الغربي ويوسع عبره تحالفاته وآفاقه ليكون ملتقى اقتصاديًا وثقافيًا حقيقيًا ما بين الشرق والغرب.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات