آراء وتحليلات
"القمة الاوروبية" تبحث العلاقات الخلافية مع روسيا وتركيا
سركيس ابوزيد
التقى القادة الاوروبيون مؤخرا في قمة بروكسل بعد غياب قسري طويل فرضته جائحة كورونا، وبحثوا ملفين رئيسيين هما: العلاقة مع تركيا و روسيا. في حين أن العلاقة مع الولايات المتحدة بُحثت قبل أسبوعين في قمة حلف الاطلسي وبحضور الرئيس جو بايدن.
انقسام اوروبي حول موسكو
لم يعد خافيا أن الاوروبيين منقسمون إزاء التعاطي مع موسكو بين من يدعو إلى الحوار، ومن يدعو إلى مزيد من التشدد معها ما دامت المسائل الخلافية ما زالت قائمة. ومثلما كان منتظرا، عادت الخلافات بينهم لتطفو على السطح. فمن جانب، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لدى وصوله إلى مقر رئاسة الاتحاد إلى التأكيد على الحاجة للحوار مع بوتين بوصفه ضروريا من أجل إستقرار القارة الاوروبية. لكن ماكرون أردف بالقول إن حوارا كهذا "يجب أن يكون متشددا، لاننا لن نتخلى عن قيمنا ولا عن الدفاع عن مصالحنا". وأضاف الرئيس الفرنسي: "لا يمكننا أن نبقى في إطار ردود الفعل وأن ننظر إلى كل حالة على حدة، بينما قام حوار مشروع بين الرئيسين بايدن وبوتين".
ورسالة ماكرون في واقعها، إنتقادات مبطنة لمعارضي الانفتاح على موسكو الذين صمتوا عن اللقاء بين الرئيسين الروسي والاميركي في جنيف قبل أسبوع فيما لا يترددون عن إنتقاد أي مشروع قمة أوروبية ـ روسية. وفي السياق عينه، قالت المستشارة الالمانية إنه لا يكفي أن يتحدث الرئيس الاميركي إلى الرئيس الروسي، ويجب أيضا أن يتباحث الاتحاد الاوروبي مع موسكو على المستويات كافة، مضيفة أن النزاعات تجد طريقها إلى الحلول عن طريق الحوار. ورأت ميركل أنه على الاتحاد الاوروبي إقامة تواصل مباشر مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين .
حقيقة الامر أن باريس وبرلين، رغم عودة واشنطن إلى اعتماد مقاربة جماعية أميركية ـ أوروبية ـ أطلسية قبل قمة بايدن ـ بوتين، لا تريدان أن تتركا أمورهما بيدي الرئيس الاميركي،لا بل إن باريس تطالب بأن تكون أوروبا حاضرة عندما يتم تناول ملفات أساسية تخص أمن أوروبا ومصالحها، مثل إتفاقية الصواريخ النووية متوسطة المدى التي خرجت منها إدارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب من غير التشاور مع حلفائها الاوروبيين. كذلك، فإن الاوروبيين يريدون تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية وإدارة النزاعات القائمة بجوارهم المباشر. بيد أن مشكلتهم الرئيسية تكمن في الانقسامات في ملفي العلاقة مع روسيا و الولايات المتحدة . ففي الملف الروسي، ثمة معارضة شديدة داخلية لعودة القمم الاوروبية ـ الروسية، وتضم صفوف المعارضة بلدان البلطيق الثلاثة وبولندا والسويد وهولندا وغيرها التي ترى أن سياسة التقارب مع روسيا رغم الخلافات األساسية تعبّر عن ضعف وليست منتجة.
والمعارضة الاقوى للانفتاح على بوتين جاءت من أوكرانيا التي تعّد روسيا تهديدا استراتيجيا بالنسبة إليها باعتبارها تغذي الانفصاليين. وقال ديميترو كوليبا، وزير خارجيتها، بعد لقاءات عقدها في بروكسل، إن المبادرات الداعية لمعاودة لقاءات القمم بين الاتحاد وروسيا من غير الحصول على أي تنازل من موسكو، من شأنها أن تطيح نظام العقوبات المفروض عليها أوروبيا.
وتلقى الرغبة الاوروبية تجاوبا روسيا عبّر عنه الناطق باسم الكرملين، ووزير الخارجية الروسي. فالاول أعلن باسم الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين يؤيد الاقتراح الفرنسي ـ الالماني الهادف إلى استئناف الاتصالات المباشرة على المستوى الاوروبي مع روسيا، وينظر إليه بشكل إيجابي. لكن سيرغي لافروف بدا متحفظا بمعنى ما، إذ رأى أن كثيرا من الامور ليست واضحة. وتساءل خلال مؤتمر صحافي في غواتيمالا التي يزورها، عن مضمون القمة وعن أجندتها، ودعا الاوروبيين إلى الافصاح عما يريدونه، مذكرا بأن هؤلاء هم من دمروا كل بناء العلاقات الروسية ـ الاوروبية، بدءا بالقمم، وذلك منذ عام 2014.
حذر اوروبي من تركيا
إضافة الى الملف الروسي، إحتل الملف التركي حيّزا أساسيا في القمة الاوروبية، فيما يبدو أن العلاقات بين الطرفين تشهد منذ بداية العام نوعا من تراجع التصعيد. ونقطة الانطلاق للاوروبيين وضع أنقرة أمام احتمالين: إما الانخراط في الاجندة الايجابية التي من شأنها تعزيز العلاقة معها والاستفادة من المحفزات الاقتصادية والتجارية وأشكال التعاون الاخرى، وإما الاستمرار في إجراءاتها أحادية الجانب والمزعزعة للاستقرار في المتوسط الشرقي وعدد من بلدان المنطقة، وبالتالي تعرضها للعقوبات التي أعد وزير الخارجية الاوروبي جوزيب بوريل مقترحات عملية بشأنها.
تقول مصادر رئاسية فرنسية، في معرض تقديمها لتحديات القمة الاوروبية، إن هناك أربعة ملفات رئيسية ضاغطة يتعيّن أخذها بعين الاعتبار في عملية تقويم العلاقة مع أنقرة، وهي تباعا: أداء وأنشطة تركيا في مياه المتوسط الشرقي، وموقف أنقرة من الملف القبرصي والمفاوضات القائمة بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الاتراك، وسياسة أنقرة في الملف الليبي، وأخيرا أوضاع حقوق الانسان واحترامها من السلطات التركية وحال دولة القانون فيها.
"ننتظر من تركيا أفعالا "، هذا القول الذي ردده أكثر من مرة وزير الخارجية الفرنسي يمثل شعار المرحلة المقبلة.
وعند الدخول في تفاصيل المواقف التركية وبعيدا عن الشعارات، تبرز إلى الواجهة مجددا العقبات التي حالت وتحول دون تعزيز العلاقات مع أنقرة. ففي الملف القبرصي، هناك إختالف رئيسي بين بروكسل وأنقرة، إذ إن الاخيرة تدعم مطلب القبارصة الاتراك بإقامة دولتين منفصلتين، الامر الذي يخالف قرارات مجلس الامن والمواقف الاوروبية.
وفي الملف الليبي، قالت المصادر الرئاسية إن بروكسل تطالب بخروج القوات الاجنبية والمرتزقة. والحال أن أنقرة مستمرة في الدفاع عن وجود ضباطها وعسكرييها في ليبيا، أي إنها ترفض سحبهم بحجة الاتفاق المعقود منذ 2019 مع طرابلس إبان حكومة فائز السراج. وأكثر من ذلك، يريد الاوروبيون من أنقرة فرض قرار مجلس الامن منع إيصال السلاح إلى الاطراف المتحاربة في ليبيا، الامر الذي تسبب في احتكاكات بين سفن تركية وقطع أوروبية كادت تتطور صيف العام 2020 إلى مواجهات، بسبب رفض أنقرة الخضوع لعمليات التفتيش.
إضافة الى كل ذلك، يمثل ملف حقوق الانسان في تركيا عقبة رئيسية، منها مساعي الحكومة لمنع "حزب الشعوب الديمقراطي" القريب من أكراد تركيا، و اعتقال العشرات من الصحافيين والقضاة والمدافعين عن حقوق الإنسان.
رغم كل ما تقدم، يريد الاوروبيون السير قدما في علاقاتهم مع تركيا ويسعون لتحسين العلاقات على المدى البعيد. لكن نياتهم يمكن أن تصطدم بأداء تركي متقلب ويخضع كثيرا لعوامل السياسة الداخلية. ما يدعوهم الى الالتزام الحذر في النظرة الى مستقبل العلاقات التركية ـ الاوروبية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024