آراء وتحليلات
الرئيس الأسد: رجل المرحلة
عبير حسن بسّام
ما يدفعنا أن نطرح السؤال: لماذا الرئيس بشار الأسد اليوم؟ أسباب عدة: أولها ما شهدته سوريا من احتفالات بانتخاب الرئيس بشار الأسد. انتخاب الأسد يعني وبكل بساطة: انتخاب المرحلة القادمة في سوريا. وهي ستشهد تغييرا جذريا، ونهضة قادمة. علمًا أن ما كان يجري على الساحة السورية قبل الانتخابات من حصار لسوريا ومن سرقة لمحاصيلها وبترولها بشكل مباشر من قبل الأميركيين والأتراك، ومحاولات إحكام الحصار عليها، يدل على أن نهاية الاحتلال قادمة، وما يأمله هؤلاء هو الخروج ولو بأقل الخسائر، والأهم حفظ ماء الوجه، ولكن حتى ذلك لن يقدر لهم.
ولهذا يمكننا اليوم أن نقول إنه ما كان ليكون هناك رئيس آخر لسوريا تعبر عنه أصوات الناخبين السوريين التي تجاوزت الـ 14 مليون ناخب، من أصل 18,5 مليون، أي ما نسبته 78%، وهي نسبة لم تصل يوماً حتى في بلاد "الديمقراطية" المزعومة، طبعاً إذا كانت الديمقراطية تعني تغير الوجوه على الكراسي، وتبرر صرف مئات آلاف الدولارات التي تكلفها الحملات الانتخابية من أجل الترويج لشخص ما، مما سينتج نفس النظام الحاكم.
في 31 أيار، مايو، أي بعد خمسة أيام من إعلان نتائج الانتخابات في سوريا، ارتفع العلم اليوناني، إضافة لعلم الاتحاد الأوروبي فوق سفارة اليونان في سوريا. اذ تستعد اليونان اليوم لفتح سفارتها في سوريا، وبحسب المصادر فإن كلّا من صربيا وإيطاليا ستقومان قريباً بالخطوة نفسها. ويعني ذلك أن أوروبا لم تعد موحدة في موقفها من سوريا، وهذه الدول الثلاث هي من الدول التي شهدت تدفق المواطنين السوريين إلى قنصلياتها للانتخاب، وخصوصاً هؤلاء الذين قادوا سياراتهم آلاف الكيلومترات قادمين من ألمانيا حيث منعوا من التصويت.
أحد أسباب المنع، القلق الألماني من الاعتراف بانتخابات جرت على أرضهم يفوز بها الرئيس بشار الأسد، وما سيترتب على ذلك من اعتراف حكومي ألماني، وهو ما لم يتوافق الغرب عليه بعد. وعندها، على ألمانيا حينئذ إعادة جميع اللاجئين الإنسانيين إلى سوريا وإلغاء إقاماتهم.
وألمانيا لا تستطيع أن تفرغ دولتها اليوم من عشرات آلاف المهندسين والأطباء والصيادلة والحرفيين السوريين وأصحاب الأعمال الصغيرة، التي افتتحت، والتي ستترك آلاف الألمان الذين يعملون في المتاجر السورية عاطلين عن العمل في زمن كورونا الصعب. وهذا النوع من الأعمال هو القادر على تشغيل عشرات الآلاف من العمال المؤقتين من غير الاختصاصيين أو من طلاب الجامعات. هذا على الصعيد الاقتصادي، وأما على الصعيد السياسي فمعناه أن على ألمانيا حينئذ أن تحذو حذو اليونان، وهو ما سيتحقق عاجلا أم آجلاً.
وبناء عليه، ترفع اليونان، وهي العضو في الاتحاد الأوروبي، علمها وعلم الاتحاد على سفارتها، وهذا الأمر ليس مرده أن السفارة تقوم بالتنظيفات الموسمية، بل معناه أن اليونان ستفتح سفارتها في دمشق. وهذا الفتح بحسب ما يتردد في أوساط مختلفة سيتبعه فتح سفارتي صربيا وإيطاليا، ويعني ذلك عودة العلاقات مع أوروبا وانفراجات في فك الحصار الأوروبي عن سوريا. وقد صرحت السلطات السورية في عدة مرات عن محاولات استخبارية أوروبية وأميركية من أجل العمل على تنسيق أمني من أجل وقف تدفق الإرهابيين إلى أوروبا. وسوريا رفضت القبول بالتنسيق الأمني دون وجود تنسيق على المستوى السياسي. هذا موقف اتخذه الأسد بوصفه رئيساً للجمهورية العربية السورية، وسيستمر معه لسبع سنوات قادمة، وهو موقف يحتاج لرجل مواقف ثابتة وصامدة لعشر سنوات ذاقت فيها سوريا الويلات، وقبلها سنوات وسنوات من المواقف المبدئية الثابتة. ولهذا فإن الأسد هو رجل المرحلة القادمة في سوريا.
ووفق ما سبق، يمكننا أن نفهم قسمًا مما حمله تصريح الرئيس الأسد، وهو ينتخب من دوما، التي كانت معقل العميل زهران علوش وقيادة "جيش الإسلام" المتفرعة عن "جبهة النصرة"، والتي قصفت دمشق منها وانطلقت منها العمليات الإرهابية، عندما قال إن التصريحات الأوروبية والأميركية حول نزاهة الانتخابات قيمتها تساوي الصفر. فرجل المرحلة يعرف حاجة أوروبا إليه ومطالبها منه، وهي التي لن تتحقق إلا بشروط سوريا، لأن الدم الذي دفعه الشعب السوري ليس رخيصاً. والرسالة الثانية التي حملها الانتخاب من دوما، ترتبط بتحرير دوما من الميليشيات الإرهابية التي دعمتها تركيا فيها وعودتها إلى حضن الدولة، وهي رسالة مباشرة يرسلها الأسد بأن عملية تحرير إدلب وريف حلب من الاحتلال التركي قادمة، والتركي يعرف ذلك جيداً.
وكان قد سبق هذه الرسالة رسالة أولى أهم ومباشرة إلى رجب طيب أردوغان، الذي صرح في العام 2012 بأنه سيصلي قريباً في المسجد الأموي في دمشق، طارحاً نفسه كخليفة للمسلمين. في أول أيام عيد الفطر ولأول مرة بعد "ثوران الثيران" في العام 2011، كما سماها الأسد، صلى الأسد صلاة العيد في المسجد الأموي في دمشق. والمفارقة بينما كان الأسد يصلي في الشام الآمنة، كانت تل أبيب يومها تحترق.
ولأن القدس امتدادها في الشام ولأن الشام منتهاها في القدس، فإن البداية والنهاية لا يمكن أن ترتبطا بدون ذلك الرابط الروحي والعقائدي العميق الذي جعل قضية الشام تبدأ من القدس ولا تنتهي آلامها ومآسيها إلا بتحرير القدس. وإن من لديه شك فليسأل التاريخ، منذ احتلال اليونان والرومان حتى زمننا الحاضر. وتصريح وزير الخارجية السوري في خضم الثورة الفلسطينية- المقدسية في 16 من أيار/ مايو الماضي باستعداد سوريا لتقديم أي شيء تطلبه فلسطين، وأنها القضية المركزية الأولى، وأن سوريا تثق بقدرات الشعب الفلسطيني، ما هو إلا دليل على ثبات المواقف السورية تجاه المقاومة وقضية الشعب الفلسطيني.
واليوم أكثر من أي يوم مضى، هناك حاجة عربية لأن يكون هناك قائد عربي في سوريا يقتدى به، ويعيد الثقة بأن العرب ما زالوا قائمين. فمقاومة الميدان أساسية، وهي ترسم ملامح النصر وتكتب معنى التضحيات، ولكن بدون إدارة سياسية مقاومة لا يمكن استثمار النصر ليغدو فخاراً واحتفالاً، كما عيد الشهداء في السادس من أيار، أو نصر تشرين أو انتصارات أيار، وإلا سيغدو النصر عبئاً على أهله ومحازبيه. وإن لم يتحول النصر إلى نصر داخلي يرفع من معنويات الناس فلا يمكن أن يتحول إلى نصر حقيقي. ومن هو أهم من الأسد، الذي جمع دول وقوى معه تحت راية بلاده ليمثل القدوة في الانتصار؟
في بداية شهر أيار، أصدر الرئيس الأسد مرسوماً هاماً، وهو يقضي بوقف استدعاء الاحتياط للخدمة في الجيش العربي السوري، وهو قرار هام له دلالته وله علاقة بالمرحلة القادمة التي ستدخل بها سوريا. أولى دلالات هذا القرار، هي أن الشباب قد عاد للإنخراط في الخدمة العسكرية بالنسق الذي كان يتم ما قبل الأحداث، وهذا واحد من دلائل عودة الشباب إلى الدولة السورية، ما إن تم تحرير القرى السورية من الإرهاب. ويبدو أن هذا الشباب الذي أعطي مهلة ستة أشهر لتسوية أوضاعه، في دوما مثلاً، لم يهرب. فالشاب العامل والفلاح غاب عن البلد خلال معركة التحرير من الإرهاب، وسوريا اليوم أحوج بكثير لهذا الشاب في عملية التنمية الداخلية وإعادة الإنتاج.
في الحقيقة، ما شهدناه من أعراس في الأسبوع الماضي بعد صدور نتائج الانتخابات في سوريا، يظهر ثقة الشارع السوري بمن انتخبه، وأنه هو رجل المرحلة القادمة في سوريا، وهو الذي كان بإمكانه في كل يوم أن يؤمن مكاناً مرفهاً وآمناً في أهم عواصم أوروبا، ألا وهي لندن. الأسد صمد، وكان رمزاً لهذا الصمود. صحيح أن سوريا تمر بمرحلة اقتصادية- معيشية صعبة جداً، ولكن السوري الذي كان قادراً على فتح مشاريع ابتداءً من الصفر في دول العالم، هو السوري نفسه الذي يستطيع بناء بلده من جديد. وعودة بعض الصناعات التحويلية والغذائية والدوائية ليست إلا البداية، وهي ابتدأت بمرسوم قبل الانتخابات يشرع قانون الاستثمار الجديد وقانونا آخر للقروض، يفسح المجال أمام أصحاب المشاريع الصغيرة البدء بأعمالهم الخاصة، وخاصة لجرحى الحرب من العسكريين والمدنيين. وهذه القوانين تشكل سلسلة لا متناهية من أبواب الثقة والأمل لدى السوريين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024