آراء وتحليلات
"سيف القدس".. قراءة في المشاهد المستجدة ومحاولات الالتفاف الأمريكية
إيهاب شوقي
كما أن المقاومة بصمودها وجهدها الدؤوب المتواصل، لا تتوقف عند ما تحقق من إنجازات وتبدأ فورا في التخطيط والجهوزية للخطوات القادمة، فإن المتصدين للرأي أو الوعي والمراقبة، من الواجب عليهم دائمًا عدم الاستغراق في الاحتفال، ومواصلة الرصد لما هو محتمل من ردود للعدو أو محاولات للالتفاف على النصر وتفريغه من إنجازاته الجوهرية، وهنا يكون العمل خاضعًا للحرص على تثبيت المعادلات والمكتسبات.
هذا يقودنا إلى أمرين، الأول، هو محاولة قراءة بعض المشاهد التي أعقبت الجولة الأخيرة ومحاولة تفسيرها، والثاني، رصد محاولات الالتفاف على النصر والتحايل عليه والتنبيه من بعض الفخاخ التي يمكن أن تفرغه من مضامينه، وخاصة لو كان ذلك متزامنًا مع توصيات لخبراء يشكلون العقل الاستراتيجي للعدو، وذلك باختصار كما يلي:
أولًا- محاولة تفسير بعض المشاهد المستجدة:
1- زالت الحدود المصطنعة بين التطبيع كخيار سياسي يتذرع بمصالح الفلسطينيين وبين الخيانة الصريحة والتحالف مع العدو، وهو ما ظهر في الموقف الإماراتي تحديدًا وتعاطيه مع الأحداث وما بعدها، والذي اختتم بالإعلان عن إرسال "سفينة شحن إماراتية ضخمة إلى ميناء إيلات"، وهو إعلان عن الاصطفاف الصريح مع العدو، وهو دلالة على حسم المسار الإماراتي ووجوب التعاطي معه وفقًا لذلك.
2- حدث تعديل باللهجة السعودية بالميل للنأي بالنفس عن العلاقات مع العدو أو التطبيع المخطط له، وهو أمر نرجو أن يتم البناء عليه وألا يكون نوعا من استعادة الاهتمام الأمريكي بالمملكة بعد تراجع أسهم الخليج لصالح الدور المصري الذي اعتبرته أمريكا أكثر الأدوار فاعلية بشأن التهدئة ووقف إطلاق النار، وخاصة بعد رسائل المملكة لاثيوبيا وتهنئتها بعيدها الوطني وسط أزمة وجودية لمصر مع أثيوبيا متعلقة بسد النهضة.
3- عودة الزخم للقضية في مختلف دول العالم بما فيها العواصم الأوروبية وداخل الولايات المتحدة، وعودة التعاطف الأممي الذي يتبلور لقرارات تدين العدو الإسرائيلي، وهي مستجدة مقارنة بالسنوات الماضية، إنما الأكثر دقة، أنها إحياء لمرحلة سابقة تزامنت مع الكفاح المسلح ولفتت الأنظار للقضية وحقيقتها أمام الرأي العام العالمي، وهو ما لم ولن يتحقق دون مقاومة.
ثانيا: رصد محاولات الالتفاف والفخاخ المنصوبة لإجهاض المكتسبات:
بالتأكيد فإن كل عاقل يعي أن العدو ورعاته وأزلامه لن يصمتوا وأنهم بصدد كرة جديدة، وهنا من المهم إلقاء الضوء على تقريرين في غاية الأهمية، أحدهما من موقع أكسيوس والذي يتميز بالموثوقية، والآخر من معهد واشنطن والصادر بشكل توصيات أمريكية لإنقاذ الكيان الصهيوني من محنته:
- تقرير موقع أكسيوس:
أفاد موقع أكسيوس، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن لديه تحفظات على خطوة إعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس المحتلة، لكن بلينكن أخبره أن هذه الخطوة ضرورية وفي مصلحة (إسرائيل)، وشدد بلينكين على أن إعادة فتح القنصلية لن يغير اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة (لإسرائيل)، ولا يعني أي اعتراف بالقدس عاصمة للفلسطينيين، الأمر الذي قال إنه مسألة مفاوضات مباشرة بين الطرفين.
وقال بلينكين "إذا لم نتواصل مع الفلسطينيين، فهذا سيضعف قدرتنا على دفع الأمور التي أعتقد أنها ستكون مفيدة للجميع، بما في ذلك (إسرائيل)".
وهنا لنا وقفة لازمة، يجب أن نوضح بها حقيقة النوايا الأمريكية والتي قد ينطلي على البعض أن ثمة تغيرا طرأ على مواقفها تجاه التسوية أو القدس، وأن ما يحدث من مفاوضات وتهدئة هو نوع من الخداع.
- تقرير معهد واشنطن:
نشر المعهد مقالا لديفيد بولوك وهو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن ومدير مشروع فكرة، وهو على هيئة توصيات لإنقاذ العدو والتعاطي مع تداعيات أزمته بعد الجولة الأخيرة، ويكتسب التقرير أهمية لمكانة كاتبه من جهة، ولوجود ظلال على أرض الواقع لتطبيق هذه السياسات والتحايلات.
وأبرز عناوين هذه التوصيات كانت كما يلي:
1. على "إسرائيل" أن تساهم في توفير المساعدة الإنسانية لسكان غزة، باعتبار المساهمة الإسرائيلية ستساهم في إصلاح الضرر السياسي الذي لحق بسمعة "إسرائيل"، وبشرط ألا تُعزى هذه المساعدة إلى "حماس" أو يتم تحويلها إليها.
2. يجب مناقشة حماية الوضع الراهن في القدس بصراحة مع "السلطة الفلسطينية" وعدم السماح لحماس بالاستفادة بأي شكل من هذه الذريعة، وينبغي إطلاق محادثات جديدة لنزع فتيل هذه القضايا بين (إسرائيل) و"السلطة الفلسطينية" والأردن، ومن المهم جداً الآن دعم هذه السلطة سياسياً، لئلا تفقد المزيد من شعبيتها وسيطرتها لصالح "حماس".
3- البحث عن وقف إطلاق النار طويل الأمد بين (إسرائيل) و"حماس"، وتبقى إعادة الإعمار اللازمة لقطاع غزة معرضة بالتأكيد لخطر كبير إذا لم يتم الالتزام بذلك، وقد يكون الأساس للمضي قدماً في هذا المسار جعلُ وقف إطلاق النار طويل الأمد على نحوٍ غير مشروط، تماماً كما يبدو الوقف الفوري الحالي، وقد تكون فترة الخمس سنوات هدفاً واقعياً في هذه المرحلة.
ثانيًا - فخاخ يجب التنبيه منها:
1- وضع الرأي العام الدولي شرطا مقيدا للمقاومة حرصا على عدم خسارته، هو من أكبر الفخاخ، لأن القضية يجب أن تطرح بعنوانها الحقيقي وهو أنها قضية تحرر وطني يستخدم بها الكفاح بكل وسائله المشروعة بما فيه الكفاح المسلح.
كما أن التعاطف لن يصل إلى مستوى قرارات مجلس الأمن الملزمة والتي لم تنفذ حتى الآن، وبالتالي فالمقاومة هي الأمل الوحيد.
2- التركيز على غزة ووضعها في مقابل العدو هو تكريس لمخطط العدو بتقسيم فلسطين وتفتيت الملف، بل يجب وضع الطرف الفلسطيني ككل في مواجهة العدو على مستوى أي تفاوض أو اتفاق للتهدئة وعدم التفريط في معادلة ربط غزة بالضفة والقدس.
3- هدنة طويلة الأمد ستسمح للعدو بلملمة قواه وتلافي أخطائه وإعادة الكرة من موقف أقوى، في حين أن المقاومة محاصرة، وبالتالي يجب الحذر من هذه المقاربة التي تسعى لجعل وقف إطلاق النار غير مشروط في مقابل الإعمار أو بشروط خاصة بغزة فقط دون بقية الأراضي المحتلة وعلى رأسها القدس.
لا شك أن هناك مستجدات إقليمية برزت بها قوة محور المقاومة ولا يصح السماح بإهدارها تحت أوهام تغير مواقف أمريكية، أو التعويل على منظمات أممية، أو الركون إلى أن (محور الاعتدال) يمكن أن يعيد الحقوق المغتصبة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024