آراء وتحليلات
أيار فلسطين: انتصارٌ ووحدة محور مقاوم
عبير بسام
انتهت جولة أخرى من جولات المقاومة في فلسطين مع العدو الصهيوني، جولة لم يكن ليكتب لها أن تطول أكثر من أسبوعين، ليس لأن الفلسطينيين لا يملكون إرادة القتال، أو لأن الشعوب العربية لم تقف الى جانبهم في كل مكان من العالم وهي تبدي الرغبة بفتح الباب للنضال والقتال إلى جانبهم ودعمهم، وليس لأنّ حلفاءهم لم يدعموهم مادياً ومعنوياً ولوجستياً، بل لأن الكيان العبري أراد وقف الحرب ولم يعد قادراً على الاستمرار بها، ولأنّ أميركا أرادت من "اسرائيل" وقفها، وهي حقيقة تظهر حجم المفارقات في معركة "سيف القدس" عن غيرها من المعارك.
إحدى المفارقات أن تتحول ذكرى النكبة في 15 أيار إلى انتصارات سجلت في 21 أيار في فلسطين، وفي وقت لا يزال الفرح يعم الشارع الفلسطيني، يحتفل لبنان بانتصار 25 ايار "عيد التحرير"، تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. انتصاران تفصل بينهما عشرون عاماً، واحتفالات تفصل بينها 5 أيام فقط. مفارقات كثيرة أفرزتها هذه الجولة مع الاحتلال الصهيوني، والتي تستحق الوقوف عندها لقراءة ما حدث، وخاصة على صعيد قراءة النتائج والمفارقات ما بين جولة أيار الفلسطينية وجولة تموز في لبنان 2006.
حرب 2006 في لبنان كانت محاولة اجتياح ثانية لجنوب لبنان بدعم أميركي وسعودي مطلق. لم يكن هدفه الوحيد القضاء على المقاومة في لبنان ونزع سلاحها؛ لقد كان الاجتياح ذا مدى بعيد، ويهدف للوصول إلى دمشق عبر بوابة راشيا الفخار. بالطبع سقطت أهداف العدوان جميعها، ورغم وجود قيادة سياسية متآمرة مع الأميركي في لبنان آنذاك انسحب الإسرائيلي دون أن يحقق أيًا من أهدافه، ولم يستطع أحد تعديل مهمة قوات اليونيفيل لتصبح تحت البند السابع. ومنيت "اسرائيل" بهزيمة أسوأ من تلك التي لحقت بها بعد انسحابها من لبنان دون قيد أو شرط في 25 أيار 2000. مفارقة حولت شهر النكبة إلى شهر انتصار، وحولت شهر اتفاق العار في لبنان، ليصبح شهر التحرير دون قيد أو شرط.
في تموز 2006، استطاعت المقاومة إجبار "اسرئيل" على التراجع، وحطمت أسطورة الميركافا وأسطورة الجيش الذي لا يقهر معاً، تراجع الصهيوني بعد أن ولول جنوده في ساحات الوغى، وثبتت المقاومة على انتصارها ولم تسمح بدخول قوات التحالف الغربي إلى لبنان بدعوى أنها قوات للأمم المتحدة تحت الفصل السابع، وخلقت حالة من الردع ضد العدو وحررت الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. وأثبتت يومها صواريخ الكورنيت "المعدّلة في سوريا" فاعليتها وأهميتها في القتال البري واجتياح الدبابات. أما على الصعيد السياسي، فاستمرت المقاومة في وجودها بدعم شعبي كبير، وتعززت العلاقة بين المقاومة وسوريا، وباتت إيران جزءًا أكثر أهمية في الحلف، ولم تتكشف تفاصيل الدور الهام الذي لعبته الدولتان إلا بعد سنتين من النصر تقريباً.
التنسيق بين فصائل المقاومة في المنطقة ودول محور المقاومة لم يتوقف يومًا، هذا ما حدث خلال حرب غزة في العام 2009، وخلال جميع العمليات والحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وجولة العام 2014، من ثم خلال معركة الأيام الماضية "سيف القدس"، حيث أعاد الكورنيت تألقه مرة أخرى، وكان فاتحة قصف المقاومة على المواقع والمستوطنات الصهيونية. ورغم الأزمة التي تعيشها سوريا لم تتوقف عن الدعم، لأنها تعتبر أن هذه رسالتها وواجبها تجاه فلسطين، قبل وبعد تشكل محور المقاومة. والدليل على ذلك، هو زيارة الفصائل الفلسطينية في الـ 20 من أيار واللقاء بالرئيس الأسد، وما صرح به العديد من الشخصيات الفلسطينية قبل اللقاء ومنهم نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اللواء ابو احمد فؤاد اذ تحدث عن فضل سوريا ووقوفها الى جانب المقاومة، وانها الدولة العربية الوحيدة التي كانت مع فلسطين في هذه المرحلة.
أما الأميركيون وعرب الصهاينة فقد وقفوا مشدوهين أمام أحداث فلسطين، حيث كان من المفترض أن يحكم الصهيوني قبضته على القدس من خلال قرارات المحكمة الإسرائيلية التي حكمت بإجلاء الفلسطينيين من أحد أحياء القدس الشرقية وهو حي الشيخ الجراح، وامتداداً نحو حرق الأقصى لبناء ما يسمى بهيكل سليمان في مكانه، لتثبيت يهودية القدس وتنفيذ ما وعد به الرئيس الأميركي الأسبق ترامب، بجعل القدس عاصمة "اسرائيل"، والتي أثارت جدلاً كبيراً في العالم. لكن الأميركي في هذه الجولة من المعارك مع العدو الصهيوني، لم يقترف الخطأ نفسه الذي ارتكبه في العام 2006 في محاولة إطالة أمد المعركة، بل أبلغ الصهيوني أن عليه أن يتوقف عن قصف غزة، لأنّه كان على الولايات المتحدة البحث عن حلول لأزمة نتنياهو التي وضع الكيان فيها.
وهنا، لا يمكن اغفال المظاهرات التي عمت عواصم العالم وخاصة تلك التي خرجت في باريس رغم أنف الحكومة الفرنسية. أما مظاهرات لندن وبرلين فكانت متمايزة على الصعيد التاريخي والإرث الإنساني فتميزت تظاهرات لندن بحجمها الكبير، مع الالتفات الى الدور التاريخي البريطاني في احتلال فلسطين وتشريد وقتل أهلها بشكل مباشر إبان الانتداب البريطاني لفلسطين؛ وهذه حقيقة كتبت ونشرت تفاصيلها في العديد من المذكرات التي كتبها أعضاء من جالية الانتداب ما بين 1936 و1948.
وفي اطار الاحتجاجات التي عمّت العالم، نقل عن أفراد الجالية العربية التي تعيش في ألمانيا، أن الألمان اليوم يخشون على "اسرائيل"، وهم عندما يتحدثون في إعلامهم عن المقاومة الفلسطينية فإنهم يتحدثون عن حركات راديكالية مسلحة، وعندما يتحدثون عن الصهاينة فهم يتعاطفون مع ما يتعرضون له من قصف ومن حالات رعب. هذه الدعاية تنتشر في محطات الإذاعات المحلية في البلدات البعيدة عن برلين وعن المدن الكبرى مثل فراكفورت. هذا الكلام إذا كان يدل على شيء إنما يدل على الموقف الرسمي الألماني، وحتى الأوروبي، الذي يخشى من تنامي حالة العداء ضد "إسرائيل" في داخل ألمانيا، وبالتالي ولادة مطالبة شعبية بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين الذين يتعرضون لأبشع أنواع القمع والنازية الصهيونية.
وفيما كان العالم يشاهد مرغما الجرائم الصهيونية، ويحصي أعداد الشهداء والجرحى في فلسطين وغزة، فإن العدو الصهيوني كان يسجل أعداد الصواريخ التي تتساقط على المستوطنات في تل أبيب.
المشهد الجديد الذي تجلّى بدخول المصلين إلى المسجد الأقصى حيث صلوا الفجر في المسجد الأقصى، وتوجه عشرات آلاف المصلين لإقامة صلاة الظهر كان مختلفًا بالتاكيد بعد عملية "سيف القدس". والمشهد الآخر الذي كان لافتًا هو رفع الصوت من قبل شبان وشابات من القدس ومن أراضي فلسطين التي يعتبر الصهيوني أنها باتت تحت سيطرته الكاملة، للقول إن فلسطين عربية من النهر إلى البحر، وإن نهاية الاحتلال الصهيوني والغربي حتمية قادمة. وفي هذا الإطار يجب أن لا نعتبر أن الاحتلال قد تعلم درساً، فهو اليوم يحاول تحقيق مكاسب في القدس الشرقية وباقي الأراضي المحتلة عندما يمعن من جديد في اعتقال الفلسطينين. وهذا أمر سيدفع حتماً المقاومة الفلسطينية باتجاه تثبيت نتائج الجولة الأخيرة، أو الدخول في جولة جديدة قد تكون نهايتها تحرير فلسطين، ربما، ونأمل أن لا ننتظر طويلاً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024