معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

30/04/2021

"الاتفاق النووي" يصعد المواجهة بين بايدن و"الكونغرس"

سركيس ابوزيد

في أول 100 يوم من عهد بايدن، عكست سياسات إدارة الرئيس الأميركي الشرق أوسطية الشعارات التي رفعها. وتبيّن واقعيًا أن المنطقة لم تعد أولوية بالنسبة للديمقراطيين، علمًا بأنها لم تكن كذلك لدى الجمهوريين، إلا من زاوية العلاقات العربية - الاسرائيلية، في حين أن ملف إيران والعودة الى الاتفاق النووي معها، شكل الهم الرئيسي الذي يرغب بايدن في تسويته، الى جانب التصدي لصعود الصين هدفًا رئيسيًا، ولجم "المشاغبة" الروسية في ملفات أخرى.

وفيما تتابع المنطقة باهتمام ما جرى التوصل إليه عمليا في اجتماعات فيينا، تشير كل المعلومات إلى أن واشنطن وطهران في طريقهما إلى العودة المتزامنة لهذا الاتفاق في الاسابيع القليلة المقبلة، بعدما حقق كبير المفاوضين الأميركي، روبرت مالي، تقدمًا في صياغة مشروع لرفع العقوبات، يوازن بين مطالب إيران وعدم إغضاب المعارضين في واشنطن.

فور تسلمه منصبه بادر مالي إلى الاتصال بالمسؤولين البريطانيين والفرنسيين والألمان لمناقشة الملف الايراني، بهدف تشكيل قاعدة أساسية من التوافقات مع الدول الأوروبية، والعثور على طريقة لرفع القيود المفروضة على إيران حتى يمكن تنظيم العودة إلى الحل مرة أخرى، والوصول إلى أرضية وسط، فهو يعتبر:

- أن الضغوط الاقتصادية لم تؤد إلى استجابة النظام الايراني والعودة إلى مائدة المفاوضات، إذ إن حملة الضغط القصوى التي شنتها إدارة ترامب كانت تهدف إلى التوصل لاتفاق نووي أفضل، مع كبح جماح نفوذ إيران الاقليمي، لكن ما حققته هو العكس، إذ أدت إلى زيادة التوترات في الشرق الأوسط وزعزعة الاستقرار الاقليمي، كما تراجعت المكاسب التي حققتها خطة العمل الشاملة المشتركة، وتركت الولايات المتحدة معزولة عن الحلفاء الأوروبيين والدول الأعضاء في مجلس الأمن.

- أن ربط إعادة الانضمام للاتفاق النووي بقضايا أخرى قد يعرض المفاوضات بأكملها للخطر، وأنه يجب أن يكون الهدف إعادة الدخول في الاتفاق، أما القضايا الأخرى مثل خفض التصعيد الاقليمي وتطوير الصواريخ الباليستية، فمن الأفضل متابعتها فيما بعد، وليس وضعها كشرط لاستعادة الاتفاقية بالكامل.

- أن من مصلحة الولايات المتحدة كبح جماح إيران نووية، ومن مصلحة إيران الحصول على خفض للعقوبات الأميركية بعد أعوام من الانهاك الاقتصادي نتيجة حملة الضغط القصوى والعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب. ولذا فإن العودة إلى الاتفاق النووي أمر ممكن رغم وجود تعقيدات كثيرة.

خبر تعيين روبرت مالي مبعوثًا خاصًا لايران سقط كالصاعقة على رؤوس المشرعين في الكونغرس، الذين أعربوا عن تخوفهم من أن مالي "متساهل" للغاية مع ايران، وقد يتغاضى عن أي "انتهاك" ترتكبه طهران من أجل التوصل إلى اتفاقات معها حسب تعبيرهم. كذلك، قد يقدم على خطوات يمكن أن تضر بأمن الكيان الإسرائيلي ودول الخليج، وظهرت معارضة شرسة لنية بايدن العودة إلى الاتفاق النووي القديم، في ظل غياب تام للثقة بايران. فأعضاء الكونغرس بأغلبيتهم يعتبرون أن الاتفاق الذي أقرته الادارة القديمة فيه شوائب كثيرة، أبرزها عدم شموله أنشطة إيران "المزعزعة في المنطقة"، وعدم تطرقه لبرنامج الصواريخ الباليستية، إضافة إلى وجود تواريخ يعتبرونها عشوائية تخفّف من العقوبات بعد انقضاء مهلة معينة على الاتفاق.

وفي محاولة لطمأنة المخاوف والسيطرة على المعارضة الداخلية، سعت إدارة بايدن إلى التأكيد على وجوب التطرق إلى ملفي الصواريخ الباليستية و"أنشطة طهران المزعزعة"، لكنها لم تجزم يوما بأن الاتفاق النووي مرتبط بهذين الملفين، لتزيد بذلك المخاوف بدلا من تخفيفها.
إضافة إلى ذلك، فإن التسريبات باحتمال رفع بعض العقوبات عن طهران مقابل عودتها إلى طاولة المفاوضات أقلقت المشرعين، ودفعتهم الى تكثيف جهودهم لحث إدارة بايدن على البقاء على سياسة الضغوط القصوى والاستفادة من العقوبات للضغط على إيران، في سبيل الحصول على تنازلات منها في أي اتفاق محتمل.

يتفق الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس، رغم كل الخلافات والاختلافات بين الحزبين الكبيرين، على مبدأ واحد هو رفض السماح لايران بامتلاك سلاح نووي. وثمة ساسة من الحزب الديمقراطي يدعمون استراتيجية ترامب الخاصة بفرض عقوبات ضاغطة على الاقتصاد الايراني. ويطالب الحزبان باتفاق أوسع يشمل الصواريخ الباليستية ومعالجة الثغرات في الجدول الزمني المنصوص عليه في الاتفاق النووي بما يُعرف بـ"غروب الشمس"، وما يتعلق بتدخلات إيران في المنطقة.

 شهدت الفترة الأخيرة موجة من التحركات المتسارعة التي تراوحت بين طرح سلسلة من مشاريع القوانين لفرض عقوبات جديدة على طهران، وكتابة رسائل إلى الادارة الاميركية لحثها على عدم التساهل مع النظام الايراني. ولعل التحرك الأبرز الذي يحظى بإجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري هو مسودة رسالة مفصلة كتبها المشرعون في مجلس الشيوخ تطرح خطة موسعة على بايدن، يحذرونه فيها من تكرار أخطاء إدارة أوباما.

الرسالة، التي تدل على التوافق الذي بدأ بالتبلور في الكونغرس بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يدعمون استمرار حملة الضغوط القصوى على إيران، وربط أي اتفاق نووي معها بملفي برنامج الصواريخ الباليستية وأنشطتها الاقليمية، والتي تحظى بدعم كبير من اللوبي الاسرائيلي في واشنطن (إيباك)، تدعو إلى:

* توسيع العقوبات ضد إيران، والهدف منعها من الحصول على سلاح نووي، والحد من "أنشطتها المزعزعة" في الشرق الاوسط، وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وأن تكف عن "تمويل الارهاب الدولي" حسب تعبيرهم.

* عدم الافراج عن الأصول الايرانية في بلدان أخرى، لان ايران "تستعمل هذه الاموال لتوسيع تمويلها الدفاعي ودعم وكلائها في المنطقة وقمع شعبها، وليس لاصلاح اقتصاده كما وعدت" حسب تعبيرهم.

* ضرورة أن يتضمن أي اتفاق مستقبلي مع إيران تعديلًا على التواريخ العشوائية التي تقدم لايران إعفاءات إضافية من العقوبات، وتؤدي الى رفع القيود على الصواريخ.

* اعتبار الاتفاق معاهدة دولية تتطلب موافقة الكونغرس عليها، وفرض تصويت على منع الادارة من رفع العقوبات.

* فرض عقوبات مرتبطة بالارهاب على "كتائب سيد الشهداء العراقية" المدعومة من إيران لأنها حسب قولهم "تشكل خطرًا جديا على السلام والاستقرار في الشرق الاوسط، وهي مسؤولة بشكل مباشر عن مقتل أميركيين في العراق".

* فرض عقوبات متعلقة بانتهاكات حقوق الانسان على مسؤولين إيرانيين بمن فيهم آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، ووزراء وقادة "الحرس الثوري" ورؤساء السجون الايرانية، في إطار أمر تنفيذي أقره الرئيس السابق باراك أوباما.

* فرض عقوبات على الأشخاص الذي يساعدون إيران في برنامجها للصواريخ الباليستية ويتعاونون مع "الحرس الثوري" الايراني ومن يسمونهم "الميليشيات" المدعومة من إيران في الشرق الأوسط.

* وجوب التشاور مع دول الخليج والكيان الإسرائيلي قبل أي اتفاق محتمل مع طهران.

يخشى الجمهوريون وبعض الديمقراطيين في الكونغرس من أن يرمي بايدن نفسه في أحضان إيران بسبب تخوفه من حصول طهران على سلاح نووي. وتحدثوا عن مخاوفهم من أن الخيار بين امتلاك إيران السلاح النووي أو العودة إلى الاتفاق النووي هو خيار خاطئ، وخطأ فادح. ومن الواضح أن إيران تعلم ذلك جيدا وتمارس ضغوطات على أمل أن تتصرف الولايات المتحدة والاخرون بسرعة. ويبدو أن العودة إلى الاتفاق النووي لن تكون بهذه البساطة التي يوحي بها تبادل الشروط بين واشنطن وطهران. لكي يكون الاتفاق النووي مستداما، يجب عزله عن الانتكاسات السياسية المستقبلية. ومن دون خطة إقليمية ستظل أجندة بايدن المتعلقة بإيران والمنطقة عرضة لمعارضة خصومه من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومن شركاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات