آراء وتحليلات
مكافحة التهريب بين الدول: التعاون مطلب أساسي
د. علي مطر
يكثر الحديث عالمياً عن أزمات التهريب عبر الحدود، سواء تلك المتعلقة بالتهريب البشري أو بالتهريب الجمركي، وهو ما يتطلب تعاونًا أكبر لمكافحته خصوصًا بين الدول التي تمتلك حدودًا مشتركة برية وبحرية وجوية. على أن التهريب في البر يبقى أكثر تعقيداً ويصعب ضبطه بشكل كامل، كما لا يزال التهريب الجمركي يشكل تحديًا مستمرًا للأنظمة المالية والاقتصادية لدى جميع الدول، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.
آثار التهريب على الدولة
من المعروف دولياً أن احتمالات حصول التهريب قائمة في سياق عمليات التجارة الدولية، وسيبقى هناك من يحاول التهرُّب من تأدية الرسوم والضرائب المتوجِّبة بمقتضى القانون، وتأثير ذلك على المال العام يطال جميع شرائح المجتمع من دون استثناء، لذلك يتطلب ملف التهريب بين الدول منظومة متكاملة ومتطورة وكبيرة تسعى لمحاربة أفعال التهريب ومواجهة خطورتها المتزايدة، ويفرض على الدولة أو الدول المتجاورة تكثيف جهودها من خلال سن المزيد من التشريعات والأنظمة التي تحكم أفعال التهريب الجمركي، وأن تسعى إلى وضع السياسات والاستراتيجيات لمكافحة هذه الأفعال بكل الوسائل والأساليب الممكنة.
ويمكن تعريف التهريب قانوناً بأنه استيراد أو تصدير أو نقل البضائع لقصد الاحتيال على دفع الايرادات أو تفادي تقييد على استيرادات أي واردات أو تصدير أي صادرات ممنوعة أو مقيدة من أي بضائع. ومن المعروف أن للتهريب أسبابا ودوافع كثيرة ومتعددة وذات انواع مختلفة وحسب كل دولة وظروفها وطبيعتها القانونية والاقتصادية. فبالاضافة إلى تفادي الرسوم الجمركية وتفادي المنع والحظر هنالك دواعٍ اخرى للتهريب أهمها الكسب المادي السريع. وهو ما يعد دون أدنى شك آفة تنخر فى جسد الاقتصاد الوطني وذلك نتيجة الآثار السلبية على السلع المنتجة محلياً.
وبالاضافة لتأثيره على عجلة الاقتصاد الوطني نجد أن هنالك الكثير من الاثار السلبية للتهريب، منها على الصعيد الصحي خاصة خلال الأزمات مثل أزمة كورونا، وكذلك في دخول سلع غذائية غير صالحة للاستعمال وغير خاضعة للرقابة الجمركية، أو تهريب السلع من داخل البلد إلى بلد آخر، فضلاً عن الاثر الأمني.
وينقسم التهريب إلى كلي ويتحقق إذا استطاع المهرب أن يتخلص من كل الضرائب الجمركية المستحقة ويترتب على ذلك فقدان الخزينة العامة لكامل الضريبة الجمركية، ومن ثم التهريب الجزئي ويتحقق عندما يستطيع المهرب أن يتخلص من جزء من الرسوم والضرائب الجمركية والضرائب الأخرى المستحقة وبالتالي فقدان الخزينة العامة بعضا من تلك الضرائب والرسوم.
مكافحة التهريب
دفعت خطورة الجرائم الجمركية الدولة إلى وضع نظام جمركي، من أجل حماية الاقتصاد الوطني وذلك بتداول السلع والبضائع بمختلف أنواعها بطريقة سليمة موافقة لقوانين الجمارك والضرائب غير المباشرة، لذلك حددت رسوما جمركية والتي تعد بدورها مصدرا ماليا هاما لكل دول العالم، فهي تشكل المورد الأساسي لخزينة الدولة، وعليه فإن أي تهرب جمركي مهما كانت صورته يشكل نزيفا لموارد الدولة.
وقد حاولت الدول مكافحة جريمة التهرب الجمركي بكافة الطرق القانونية وذلك إما بتنصيب أجهزة مخولة بهذه المهمة أو عن طريق فرض عقوبات رادعة، كل ذلك من أجل حماية وتشجيع الاستثمار والمحافظة على ثروات البلاد وجلب رؤوس الأموال ومحاربة تداول السلع المحظورة عبر الإقليم الجمركي.
وتلعب إدارة الجمارك في الدول دورا مهماً للقيام بالمهام المستندة إليها في مكافحة الجريمة الجمركية بحيث إنها مزودة بوسائل مادية وآليات قانونية من أجل فرض تطبيق التنظيمات الموضوعة من أجل حسن سير المبادلات التجارية الخارجية ومنح التسهيلات الجمركية. إذ تعتبر جريمة التهريب الجمركي من أخطر الجرائم الجمركية وهي عينة من الجرائم الاقتصادية الواقعة على الدولة والمهددة لكيانها الاقتصادي، حيث تشكل تحديا مستمرا للأنظمة المالية والاقتصادية لدى جميع الدول وذلك لما لها من سمات تميزها عن غيرها من جرائم تبديد المال العام.
وتقع مكافحة التهريب على عاتق الدول كلاً على حدة، مع إمكانية التعاون المتبادل في ما بين الدول المتجاورة في هذا الإطار. وقد اعتمدت الدول منذ القدم على القواعد الجمركية من أجل تنظيم عملية التبادل التجاري فيما بينها والحصول على الإيرادات المالية اللازمة لها، ولذا أصدرت الدول قوانين متخصصة في هذا المجال سميت القوانين الجمركية، بينت فيها قواعد التخليص الجمركي وإجراءاته، كما تطلب ذلك أيضاً وجود ضابطة متخصصة في مكافحة التهريب والمخالفات الجمركية، وفي كل دولة يوجد نظام قانوني خاص بالجمارك، ويمكن لمجموعة دول أن تفعّل فيما بينها ما يشبه النظام الجمركي الموحد، أو الاتحاد الجمركي لمكافحة التهريب، وعلى الرغم من أهمية ضبط الحدود، إلا أنه حتى اليوم لم تستطع الدول ضبط حدودها، حيث لا تزال دول كبرى تعاني من التهريب، ومسألة تهريب اللاجئين لا تزال ماثلة في عدد من الدول، فضلاً عن تهريب السلع التجارية والأموال وغيرها، وبالتالي ليس من السهل ضبط هذا الموضوع لدى معظم دول العالم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024