معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تفاهم نيسان 1996.. كيف أسس للتحرير عام 2000؟
26/04/2021

تفاهم نيسان 1996.. كيف أسس للتحرير عام 2000؟

شارل أبي نادر

هو مسار من العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي لم ينقطع، بدأ منذ وطئت أول قدم للمحتل الغازي أرض لبنان، لا بل منذ بدء الاحتلال الصهيوني للأرض وللمقدسات في فلسطين، وحيث ارتبط دائمًا العدوان على لبنان باحتلال فلسطين، بعد أن رأى العدو في التواجد لبعض وحداته العسكرية في عدة مواقع وقرى لبنانية حدودية، تحصينًا وحماية لاحتلاله في الجليل المحتل، بقي هذا المسار من العمل المقاوم مستمرًا وما زال، ما دام هناك قطعة أرض مغتصبة، وما دام على حدودنا يتربص محتلٌ طامعٌ بأراضينا وبمياهنا وبثرواتنا في البحر من النفط ومن الغاز.

من ضمن هذا المسار المتواصل من العمل المقاوم، كانت محطة المواجهة العسكرية ضد عدوان ما يسمى بعملية "عناقيد الغضب" عام 1996، والتي انتهت بعد 16 يومًا من العمليات العدائية ضد لبنان والجيش والمقاومة، بـ"تفاهم نيسان"، بعد أن تشابهت الى حد بعيد مع المواجهة ضد عدوان تموز 1993 "تصفية الحساب"، لناحية الأهداف التي وضعها العدو أو لناحية مسار المواجهة أو لناحية نتائج العدوان.
 
من هذه الأهداف المشتركة التي وضعها العدو بين عدوانه في تصفية الحساب 1993 أو عدوانه في عناقيد الغضب عام 1996:
وقف إطلاق الكاتيوشا على مستعمراته في شمال فلسطين‏ المحتلة.
الضغط على السلطة في لبنان من خلال تصعيد عمليات القصف التدميرية بعد تهجير أبناء الجنوب.
خلق حالة من التوتر الشعبي والاعتراض بعد جر المواطنين للاصطدام بالمقاومة.
نزع سلاح حزب الله ووقف عملياته ضد وحدات الاحتلال.

أيضًا، تشابهت العمليتان في مسار الثبات والصمود خلال المواجهة التي خاضتها المقاومة بمواجهة مسار الإعتداءآت والمجازر التي اقترفها العدو، ولتكون نتائج "عناقيد الغضب"، فشلا كاملا للعدوان في تحقيق أي من تلك الأهداف، تماما كما حصد الفشل في عدوان "تصفية الحساب"، ولتأتي النتائج بعد أن تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار صباح 27 نيسان، بناءً على تفاهم مكتوب سمي "تفاهم نيسان"، حيث تم تشكيل لجنة لمراقبة تطبيقه ضمت ممثلين عن كل من: الولايات المتحدة، فرنسا، سوريا، لبنان، والكيان الصهيوني. وقد أقرّ هذا التفاهم المكتوب هذه المرة وبرعاية الأمم المتحدة، بأحقية المقاومة في تنفيذ عمليات عسكرية لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.‏
 
فحوى التفاهم المذكور يقوم على نقطتين أساسيتين:

أولًا: تحييد المدنيين، وذلك من خلال امتناع العدو عن استهداف المدنيين وعن استهداف المنشآت المدنية وحصر استهدافاته لمجموعات المقاومة المسلحة، مقابل التزام الأخيرة بعدم استهداف المستعمرات داخل فلسطين المحتلة بالصواريخ.

انطلاقًا من بند تحييد المدنيين، تم انتزاع نقطة القوة الأساسية من العدو، والتي كان يستغلها للضغط على المقاومة بهدف تقييد حركتها ومناورتها في العمليات العسكرية، حيث كان يعتبر أن استهداف المدنيين والذين هم بالنهاية أهالي المقاومين، يشكل عامل ضاغط، يؤخر أو يكبح تلك العمليات ضده ولو بشكل جزئي.

من هنا، وبعد ان تحررت المقاومة من نقطة الضعف هذه، بحيث أصبح المدنيون اللبنانيون محميين الى حد ما، من خلال التهديد باستهداف مماثل للمستوطنين لدى العدو، تحررت حركتها ومناورتها من عامل الضغط الأكثر تأثيرًا، واُطلِقت يدها في العمليات ضد وحدات العدو، والتي  تطورت وتوسعت بشكل مركز وعنيف، لدرجة لم يعد العدو قادرًا على مواجهتها، وبعد حوالي أربع سنوات من الكر والفر ومن عمليات المقاومة الموجعة، اتخذ العدو قرار الانسحاب في ايار من العام 2000، وكان التحرير.
 
ثانيًا: لقد جاء تفاهم نيسان عام 1996 ليثبّت وليؤكد مشروعية المقاومة أمام الدولة اللبنانية والمؤسسات الرسمية والمواطنين، فأصبحت السلطة الرسمية اللبنانية، ومن خلال تفاوضها في التأسيس للتفاهم أولًا، ومن خلال وجودها لاحقًا طرفًا أساسيًا في لجنة مراقبة تنفيذ التفاهم، مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا بالإضافة للكيان الصهيوني، أصبحت تمسك وتقود استراتيجية مواجهة العدو المحتل، من خلال تبني عمل المقاومة بشكل رسمي.  

وبعد ان كان هناك تشكيك من بعض المسؤولين السياسيين اللبنانيين او من ممثلي بعض المكونات اللبنانية الداخلية في الحكومة، اصبح العمل المقاوم عملا مشروعا مدعوما  من السلطة  الرسمية،  ووضعت  الاخيرة نفسها راعية  لمسار المواجهة ضد الاحتلال، بعد ان تحملت المسؤولية كما يجب،  وادارت  ودعمت عملية التحرير، حتى ولو كانت هذه العملية بتنفيذ فعلي وعملي على الارض من قبل المقاومة، لاعتبارت عسكرية وميدانية وامنية.  

المشروعية الأخرى التي ثبَّتها وأكدها تفاهم نيسان هي مشروعية العمل المقاوم أمام المجتمع الدولي، فقد تبنى الأخير، ومن خلال بنود التفاهم، فكرة مهمة أساسية لم تكن موجودة لديه سابقًا، أن الدولة اللبنانية هي التي تفاوض وهي التي ترعى وتتبنى المقاومة، فأصبحت المواجهة بنظر هذا المجتمع، بين الدولة اللبنانية بما تحضنه من جيش ومن مقاومة ومن شعب، وبين "اسرائيل" التي تحتل قسمًا من الأرض اللبنانية.

 من هنا، كان لتفاهم نيسان 1996 هذا البعد الإستراتيجي الذي وضع الإطار الأنسب لعمليات المواجهة والمقاومة ضد الاحتلال، أولًا لناحية حصر الصراع قدر الإمكان بالعمليات العسكرية بعيدًا عن المدنيين، وثانيًا  لناحية تبنّي الدولة اللبنانية بشكل رسمي مواجهة الاحتلال، والأهم  من كل ذلك أنه من خلال هذا التفاهم، أُجبِر المجتمع الدولي، ممثلًا بالدول الأطراف، في لجنة التفاوض قبل التفاهم، ولاحقًا في لجنة مراقبة تنفيذه، على الاعتراف ولو بطريقة غير مباشرة، بأن المقاومة هي الطريق الأنسب للتحرير من الاحتلال، في ظل تقاعس أو تواطؤ أو تخاذل مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

 

#حصرم_نيسان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل