موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

23/04/2021

"إدريس ديبي" وعبرة التأرجح بين المحاور

إيهاب شوقي

ربما تمثل الوفاة الغامضة للرئيس التشادي "إدريس ديبي" درسًا لعملاء الغرب، وهو في حقيقة الأمر حلقة من حلقات سلسلة طويلة من الدروس لا يبدو معها اعتبار ولا تبدو معها استفادة تناسب التكرار والرسوخ.

مدخل لفهم اغتيال إدريس ديبي

الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي قرر مطلع العام الحالي إحياء الاقتصاد في منطقة تيبستي الغنية بالذهب والواقعة في أقصى شمال غربي البلاد على الحدود مع ليبيا في الشمال والنيجر في الغرب، والمعروفة تقليديًا بأنها منطقة تمرّد.
وأفادت المعلومات بأن العقد تقرر أن يتم منحه لشركة "بارير هولدينغ"، وهي عبارة عن كونسورتيوم تركي قطري فاز بهذه الصفقة من خلال جهود ألكسندر بينالا، المستشار السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يعمل الآن كمستشار الظل لقطر.
كما اقتطع بينالا عقداً آخر لشركة "بارير هولدينغ" في السودان المجاور لبيع الزي الرسمي للجيش التشادي بقيمة 5 ملايين دولار.
وبهذه الخطوة، تحول إدريس ديبي من العداء لتركيا وقطر إلى تفاهمات معهما، أو بالأحرى رضوخ لهما، مما أوقعه في المحظور، وهو الخط الأحمر الخاص بالذهب في خضم صراع بين عصابات إقليمية تسمى دولًا!

وعلق الكاتب خوسيه لويس مانسيا على هذه المعلومات التي أوردها في مقاله في 27 مارس الماضي بالقول: "مع أنه من المبكر الحكم على الأمر، لكن يبدو أن الثعلب العجوز إدريس ديبي، عندما اتفق مع تركيا وقطر على هذا الاستغلال المنجمي فقد أزال عن كاهله العديد من المشاكل، منها:1.- المتمردون الذين تمولهم تركيا وقطر. 2.- إعادة تنشيط تيبستي اقتصاديا؛ لأنه على الرغم من أن تركيا وقطر تريدان الذهب التشادي، فإن البلاد ستستفيد أيضا، وبذلك لن تتدخلا في شؤون البلاد الداخلية. ‎وفي النهاية، نجحت تركيا في مخططها القاضي باستخراج الموارد الأفريقية باستخدام تقنيات غير مسموح بها، وهي بذلك تخلق فضاءً استراتيجيا تحت سيطرتها على الحدود مع ليبيا والنيجر".

ما لا يقوله الكاتب خوسيه مانسيا، والذي كتب مقاله في صحيفة إماراتية، حيث يروج للنفوذ الإماراتي والسعودي على حساب المحور التركي القطري، أن الإمارات والسعودية قد دعمتا إدريس ديبي وشجعتاه على خطوة إعادة العلاقات مع العدو الصهيوني. فقد وصل دفء العلاقات بين تشاد وكيان العدو، والتي قطعت عام 1972، إلى مرحلة حاسمة في عام 2018 بالزيارة التي وصفت بالتاريخية لرئيس تشاد إلى القدس المحتلة، والتي اعترف خلالها رسميًا بوجود ما أسماه "دولة إسرائيل".

تشاد كغيرها من دول الساحل الإفريقي، تشهد صراعا دوليا على النفوذ، ويمثل التدخل التركي في هذه المنطقة خطوةً على طريق التوجهات التركية المضادة للمصالح الفرنسية والأوروبية.

ووفقا للتقارير الراصدة، فقد امتد الصراع بين فرنسا وتركيا من ليبيا وشرق المتوسط إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، خاصة في ظل المساعي التركية لتحجيم نفوذ فرنسا وتعزيز موقعها، بما يضر بالمصالح الإستراتيجية الفرنسية في المنطقة التي تعد ساحة تقليدية للنفوذ الفرنسي، وهو ما يعني احتمالية تهديد القوات العسكرية الفرنسية في المنطقة وبعثة الأمم المتحدة الفاعلة في مالي.

وهناك أسباب تحولت على إثرها منطقة الساحل إلى ساحة تنافس بين فرنسا وروسيا، حيث تتوافر لدى روسيا رغبة في إعادة تأكيد نفسها كقوة عظمى من خلال بوابة أفريقيا، وتزداد أهمية منطقة الساحل في السياسة الروسية نظرًا لتموضعها الاستراتيجي كمفترق طرق يربط بين الأقاليم الخمسة للقارة الأفريقية، مما يمكّن موسكو من نسج علاقات جيدة مع دول المنطقة بما يضمن الحصول على دعم أكبر على المستوى الدولي في مواجهة العقوبات الغربية وتحديداً الأمريكية.

وقد ساعد الفشل الغربي وخاصة الفرنسي مع تصاعد حدة الأزمات الأمنية في المنطقة وتزايد نشاط التنظيمات الإرهابية، على سعي بعض دول المنطقة للحصول على الخبرة الأمنية الروسية من خلال شراء الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية، حيث تشير التقديرات إلى اعتماد الجيش المالي على أسلحة روسية الصنع، وكذلك الجيش التشادي الذي يعتمد في تسليحه على السلاح الروسي بنسبة 90%، وقد أكد الرئيس التشادي إدريس ديبي في العام 2019 على أهمية الدعم الروسي لتعزيز الاستقرار الإقليمي في المنطقة.

هنا تأرجح إدريس ديبي بين فرنسا والإمارات والسعودية من جهة، وبين تركيا وقطر من جهة أخرى، ومؤخرا بدأ في التقارب مع الروس، كما دخل لعبة التطبيع القذرة مع العدو الصهيوني طمعا في مزيد من المساعدات والاستثمارات الخليجية.

يبدو أن هذا الثعلب العجوز اللاعب على الحبال قد وقع في خطأ قاتل لا تسامح معه، وهو الذهب، فقد تصور أنه يستطيع الجمع بين محورين يقومان بابتزازه أحدهما بالترغيب والاستثمار في مقابل التطبيع والآخر بالترهيب عبر الإرهاب، كما تصور أنه يستطيع الجمع بين الغرب وبين الروس!

يبدو مثل ديبي، أن هناك قادة عربًا وأفارقة يلعبون ذات اللعبة ولا يعتبرون من مصائر السوء.
إن أقصر الطرق نحو النجاة ونحو الأمن هي الاستقلال الوطني والاقتصاد المقاوم وعدم الانحناء للترغيب أو الترهيب، وهو ما أثبت محور المقاومة الصامد نجاحه رغم التضحيات.
بينما تبقى قصص إدريس ديبي ونظرائه عبرا لمن يريد الاعتبار.

الإمارات العربية المتحدة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل